
أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمُسْنَدِ وَالصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا: ((وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ)) وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ: ((لَوْ كُنْتُ أَنَا لَأَسْرَعْتُ الْإِجَابَةَ وَمَا ابْتَغَيْتُ الْعُذْرَ)) وَأَمَّا مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي تَعَجُّبِ النَّبِيِّ مِنْ صَبْرِهِ وَكَرَمِهِ، وَكَوْنِهِ لَوْ كَانَ مَكَانَهُ لَمَا أَوَّلَ لَهُمُ الرُّؤْيَا حَتَّى يَشْتَرِطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُخْرِجُوهُ مِنَ
السِّجْنِ، وَلَوْ أَتَاهُ الرَّسُولُ لَبَادَرَهُمُ الْبَابَ. فَهُوَ مُرْسَلٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ.
(وَمِنْهَا) عِزَّةُ نَفْسِهِ وَحِفْظُ كَرَامَتِهَا؛ إِذْ لَمْ يَرْضَ أَنْ يَكُونَ مُتَّهَمًا بِالْبَاطِلِ حَتَّى يُظْهِرَ بَرَاءَتَهُ وَنَزَاهَتَهُ. (وَمِنْهَا) وُجُوبُ الدِّفَاعِ عَنِ النَّفْسِ وَإِبْطَالُ التُّهَمِ الَّتِي تُخِلُّ بِالشَّرَفِ كَوُجُوبِ اجْتِنَابِ مُوَافَقَتِهَا. (وَمِنْهَا) مُرَاعَاتُهُ النَّزَاهَةَ بَعْدَ التَّصْرِيحِ بِشَيْءٍ مِنَ الطَّعْنِ عَلَى النِّسْوَةِ، وَتَرْكُ أَمْرِ التَّحْقِيقِ إِلَى الْمَلِكِ يَسْأَلُهُنَّ مَا بَالُهُنَّ قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَيَنْظُرُ مَا يُجِبْنَ بِهِ. (وَمِنْهَا) أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ سَيِّدَتَهُ مَعَهُنَّ وَهِيَ أَصْلُ الْفِتْنَةِ وَفَاءً لِزَوْجِهَا وَرَحْمَةً بِهَا؛ لِأَنَّ أَمْرَ شَغَفِهَا بِهِ كَانَ وِجْدَانًا قَاهِرًا لَهَا، وَإِنَّمَا اتَّهَمَهَا أَوَّلًا عِنْدَ وُقُوفِهِ مَوْقِفَ التُّهْمَةِ لَدَى سَيِّدِهَا وَطَعْنِهَا فِيهِ دِفَاعًا عَنْ نَفْسِهِ، فَهُوَ لَمْ يَكُنْ بِهِ بُدٌّ مِنْهُ.
(قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ) الْخَطْبُ: الشَّأْنُ الْعَظِيمُ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ التَّخَاطُبُ وَالْبَحْثُ لِغَرَابَتِهِ أَوْ إِنْكَارِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ لِلْمَلَائِكَةِ (فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) ١٥: ٥٧ وَقَوْلُ مُوسَى فِي قِصَّةِ الْعِجْلِ: (فَمَا خَطْبُكَ يَاسَامِرِيُّ) ٢٠: ٩٥؟ وَقَوْلُهُ لِلْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَتَا تَذُودَانِ مَاشِيَتَهُمَا عَنْ مَوْرِدِ السُّقْيَا: (مَا خَطْبُكُمَا) ٢٨: ٢٣ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ بَيَانٌ لِجَوَابِ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ كَأَمْثَالِهِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الرَّسُولَ بَلَّغَ الْمَلِكَ قَوْلَ يُوسُفَ، وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنَ السِّجْنِ اسْتِجَابَةً لِدَعْوَتِهِ حَتَّى يُحَقِّقَ مَسْأَلَةَ النِّسْوَةِ، فَجَمَعَهُنَّ وَسَأَلَهُنَّ: مَا خَطْبُكُنَّ الَّذِي حَمَلَكُنَّ عَلَى مُرَاوَدَتِهِ عَنْ نَفْسِهِ، هَلْ كَانَ عَنْ مَيْلٍ مِنْهُ إِلَيْكُنَّ، وَمُغَازَلَةٍ لَكُنَّ قَبْلَهَا؟. هَلْ رَأَيْتُنَّ مِنْهُ مُوَاتَاةً وَاسْتِجَابَةً بَعْدَهَا؟ أَمْ مَاذَا كَانَ سَبَبُ إِلْقَائِهِ فِي السِّجْنِ مَعَ الْمُجْرِمِينَ؟ (قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) أَيْ مَعَاذَ اللهِ، مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ أَدْنَى شَيْءٍ يُشِينُهُ وَيَسُوءُهُ لَا كَبِيرَ وَلَا صَغِيرَ، وَلَا كَثِيرَ وَلَا قَلِيلَ، هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ نَفْيُ الْعِلْمِ مَعَ تَنْكِيرِ سُوءٍ وَدُخُولُ مِنْ عَلَيْهَا وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ نَفْيِ رُؤْيَةِ السُّوءِ عَنْهُ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ) أَيْ ظَهَرَ بَعْدَ خَفَائِهِ وَانْحَسَرَتْ رَغْوَةُ الْبَاطِلِ عَنْ مَحْضِهِ، وَهُوَ تَكْرَارٌ مِنْ حِصَّةٍ إِذَا قُطِعَ مِنْهُ حِصَّةٌ بَعْدَ حِصَّةٍ (بِالْكَسْرِ) وَهِيَ النَّصِيبُ لِكُلِّ شَرِيكٍ فِي شَيْءٍ، مِثْلُ كَبْكَبَ وَكَفْكَفَ الشَّيْءَ إِذَا كَبَّهُ وَكَفَّهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَهِيَ تَقُولُ: إِنَّ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ كَانَ فِي رَأْيِ الَّذِينَ بَلَغَهُمْ مُوَزِّعُ التَّبِعَةِ بَيْنَنَا مَعْشَرَ النِّسْوَةِ وَبَيْنَ يُوسُفَ؛ لِكُلٍّ مِنَّا حِصَّةٌ، بِقَدْرِ مَا عَرَضَ فِيهَا مِنْ شُبْهَةٍ، وَالْآنَ قَدْ ظَهَرَ الْحَقُّ فِي جَانِبٍ وَاحِدٍ لَا خَفَاءَ فِيهِ وَلَا شُبْهَةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ
عَوَاذِلِي شَهِدْنَ بِنَفْيِ السُّوءِ عَنْهُ وَهِيَ شَهَادَةُ نَفْيٍ، فَشَهَادَتِي لَهُ عَلَى نَفْسِي شَهَادَةُ إِثْبَاتٍ؟

(أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ) وَهُوَ لَمْ يُرَاوِدْنِي، بَلِ اسْتَعْصَمَ وَأَعْرَضَ عَنِّي (وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) فِيمَا اتَّهَمَنِي بِهِ مِنْ قَبْلُ، وَحَمَلَهُ أَدَبُهُ الْأَعْلَى وَوَفَاؤُهُ الْأَسْمَى لِمَنْ أَكْرَمَ مَثْوَاهُ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ - عَلَى السُّكُوتِ عَنْهُ إِلَى الْآنِ، وَنَحْنُ جَزَيْنَاهُ بِالسَّيِّئَةِ عَلَى الْإِحْسَانِ، وَقَدْ أَقَرَّ الْخَصْمُ وَارْتَفَعَ النِّزَاعُ.
(ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) أَيْ ذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِالْحَقِّ لَهُ، وَالشَّهَادَةُ بِالصِّدْقِ الَّذِي عَلِمْتُهُ مِنْهُ، لِيَعْلَمَ الْآنَ - إِذْ يَبْلُغُهُ عَنِّي - أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ عَنْهُ مُنْذُ سُجِنَ إِلَى الْآنِ بِالنَّيْلِ مِنْ أَمَانَتِهِ، أَوِ الطَّعْنِ فِي شَرَفِهِ وَعِفَّتِهِ، بَلْ صَرَّحْتُ لِجَمَاعَةِ النِّسْوَةِ بِأَنَّنِي رَاوَدْتُهُ فَاسْتَعْصَمَ وَهُوَ شَاهِدٌ، وَهَأَنَذَا أُقِرُّ بِهَذَا أَمَامَ الْمَلِكِ وَمَلَئِهِ وَهُوَ غَائِبٌ، (وَأَنَّ اللهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ) مِنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ بَلْ تَكُونُ عَاقِبَةُ كَيْدِهِنَّ الْفَضِيحَةَ وَالنَّكَالَ، وَلَقَدْ كِدْنَا لَهُ فَصَرَفَ رَبُّهُ عَنْهُ كَيْدَنَا وَسَجَنَّاهُ فَبَرَّأَهُ وَفَضَحَ مَكْرَنَا، حَتَّى شَهِدْنَا لَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ السَّامِي عَلَى أَنْفُسِنَا.
وَهَذَا تَعْلِيلٌ آخَرُ لِإِقْرَارِهَا عَلَى تَبْرِئَةِ نَفْسِهَا مِنْ خِيَانَتِهِ بِالْغَيْبِ، اعْتَرَفَتْ فِي الْآيَةِ التَّالِيَةِ بِأَنَّهَا لَا تُبَرِّئُ نَفْسَهَا مِنَ الْكَيْدِ لَهُ بِالسِّجْنِ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ هَوَى النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ تَذْلِيلُهُ لَهَا، وَحَمْلُهُ عَلَى طَاعَتِهَا، وَفِيهِمَا وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهَا تَقُولُ: ذَلِكَ الَّذِي حَصَلَ أَقْرَرْتُ بِهِ لِيَعْلَمَ زَوْجِي أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْفِعْلِ فِيمَا كَانَ مِنْ خَلْوَاتِي بِيُوسُفَ فِي غَيْبَتِهِ عَنَّا، وَأَنَّ كُلَّ مَا وَقَعَ أَنَّنِي رَاوَدْتُ هَذَا الشَّابَّ الْفَاتِنَ الَّذِي وَضَعَهُ فِي بَيْتِي، وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنِي، فَاسْتَعْصَمَ وَامْتَنَعَ، فَبَقِيَ عِرْضُهُ - أَيِ الزَّوْجِ - مَصُونًا، وَشَرَفُهُ مَحْفُوظًا، وَلَئِنْ بَرَّأْتُ يُوسُفَ مِنَ الْإِثْمِ فَمَا أُبَرِّئُ مِنْهُ نَفْسِي فَـ (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي) ٥٣ وَسَيَأْتِي أَنَّ مِنْ رَحْمَتِهِ - تَعَالَى - بِبَعْضِ الْأَنْفُسِ صَرْفَهَا عَنِ الْأَمْرِ السُّوءِ وَهُوَ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ، وَمِنْهَا حِفْظُهُ إِيَّاهَا مِنْ طَاعَةِ الْأَمْرِ بِوَازِعٍ مِنْهَا، وَهِيَ دُونَ مَا قَبْلَهَا، وَمِنْهَا عَدَمُ تَيَسُّرِ عَمَلِ السُّوءِ، لَهَا بِامْتِنَاعِ مَنْ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْعَمَلُ عَلَى حَدِّ (أَنَّ مِنَ الْعِصْمَةِ أَلَّا تَجِدَ).
هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ نَظْمِ الْآيَتَيْنِ الْمُنَاسِبُ لِلْمَقَامِ بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ، وَلَكِنْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ
اتِّبَاعًا لِلرِّوَايَاتِ الْخَادِعَةِ إِلَى أَنَّهُمَا حِكَايَةٌ عَنْ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقُولُ: ذَلِكَ الَّذِي كَانَ مِنِّي إِذِ امْتَنَعْتُ مِنْ إِجَابَةِ الْمَلِكِ وَاقْتَرَحْتُ عَلَيْهِ التَّحْقِيقَ فِي قَضِيَّةِ النِّسْوَةِ لِيَعْلَمَ الْعَزِيزُ مِنَ التَّحْقِيقِ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ فِي زَوْجِهِ بِالْغَيْبِ إِلَخْ، وَأَنَّهُ صَرَّحَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يُبَرِّئُ نَفْسَهُ مِنْ بَابِ التَّوَاضُعِ وَهَضْمِ النَّفْسِ! وَهَذَا الْمَعْنَى يَتَبَرَّأُ مِنْهُ السِّيَاقُ وَالنَّظْمُ وَمَرْجِعُ الضَّمِيرِ. وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ ابْنَ جَرِيرٍ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ قَالَ الْعِمَادُ ابْنُ كَثِيرٍ عَلَى كَثْرَةِ اعْتِمَادِهِ عَلَيْهِ مُرَجِّحًا لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ:

وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَشْهَرُ وَالْأَلْيَقُ وَالْأَنْسَبُ بِسِيَاقِ الْقِصَّةِ وَمَعَانِي الْكَلَامِ وَقَدْ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَانْتَدَبَ لِنَصْرِهِ الْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللهُ - فَأَفْرَدَهُ بِتَصْنِيفٍ عَلَى حِدَةٍ. انْتَهَى، وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ مِنْ أَعْلَمِ الْمُحَدِّثِينَ بِنَقْدِ الرِّوَايَاتِ فَهُوَ مَا نَصَرَ هَذَا الْقَوْلَ إِلَّا وَقَدْ فَنَّدَ رِوَايَاتِ الْقَوْلِ الْآخَرِ.
وَقَدْ عُلِمَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَلَامِ أَنَّ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مَثَلَ الْكَمَالِ الْإِنْسَانِيِّ الْأَعْلَى لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي الْعِفَّةِ وَالصِّيَانَةِ، لَمْ يَمَسَّهُ أَدْنَى سُوءٍ مِنْ فِتْنَةِ النِّسْوَةِ، وَأَنَّ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ الَّتِي اشْتَهَرَتْ فِي نِسَاءِ مِصْرَ بَلْ نِسَاءِ الْعَالَمِ بِسُوءِ الْقُدْوَةِ فِي التَّارِيخِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ كَانَ أَكْبَرُ إِثْمِهَا عَلَى زَوْجِهَا، وَكَانَتْ هِيَ ذَاتَ مَزَايَا فِي عِشْقِهَا الَّذِي كَانَ اضْطِرَارِيًّا لَا عِلَاجَ لَهُ إِلَّا الْحَيْلُولَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ هَذَا الشَّابِّ الَّذِي بَلَغَ مُنْتَهَى الْكَمَالِ فِي الْحُسْنِ وَالْجَمَالِ، فَمِنْ مَزَايَاهَا أَنَّهَا لَمْ تَتَطَلَّعْ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الرِّجَالِ إِجَابَةً لِدَاعِيَةِ الْجِنْسِيَّةِ لِلتَّسَلِّي عَنْهُ بَعْدَ الْيَأْسِ مِنْهُ، وَأَنَّهَا لَمْ تَتَّهِمْهُ بِالْجُنُوحِ لِلْفَاحِشَةِ قَطُّ، وَكُلُّ مَا قَالَتْهُ لِزَوْجِهَا إِذْ فَاجَأَهُمَا لَدَى الْبَابِ (مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا) ٢٥ تَعْنِي بِهِ هَمَّهُ بِضَرْبِهَا، وَأَنَّهَا فِي خَاتِمَةِ الْأَمْرِ أَقَرَّتْ بِذَنْبِهَا فِي مَجْلِسِ الْمَلِكِ الرَّسْمِيِّ إِيثَارًا لِلْحَقِّ وَإِثْبَاتًا لِبَرَاءَةِ الْمُحِقِّ، فَأَيَّةُ مَزَايَا أَظْهَرُ مِنْ هَذِهِ لِمَنِ ابْتُلِيَتْ بِمِثْلِ هَذَا الْعِشْقِ؟ وَفِي تَارِيخِ الْفِرْدَوْسِيِّ أَدِيبِ الْفُرْسِ أَنَّهُ صَنَّفَ قِصَّةً غَرَامِيَّةً فِي زَلِيخَا وَيُوسُفَ صَوَّرَ فِيهَا الْعِفَّةَ بِأَجْمَلِ صُوَرِهَا، وَزَلِيخَا (بِالْفَتْحِ) اسْمُ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ فِي أَشْهَرِ تَوَارِيخِنَا، وَقِيلَ: إِنَّ اسْمَهَا رَاعِيلُ، وَسَنُفَصِّلُ الْعِبَرَ فِي الْقِصَّةِ، فِي التَّفْسِيرِ الْإِجْمَالِيِّ لِلسُّورَةِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
تَمَّ تَفْسِيرُ الْجُزِءِ الثَّانِي عَشَرَ فِي الْعُشْرِ الْأَخِيرِ مِنَ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ ١٣٥٤ هـ، وَكَانَ الْبَدْءُ بِهِ فِي صَفَرٍ ١٣٥٣ هـ وَاللهَ نَسْأَلُ تَوْفِيقَنَا لِإِتْمَامِ سَائِرِ هَذَا التَّفْسِيرِ بِمَا يَرْضَاهُ، وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةِ.