فإنه يسقط عنه إثم الزنى وحدّه، فإن الله تعالى لا يجمع على عبده العذابين، ولا يجعله بين بلاءين، فإنه من أعظم الحرج في الدين: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج ٢٢/ ٧٨].
الفصل السادس من قصة يوسف يوسف في السجن ودعوته إلى الدين الحق
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٣٦ الى ٤٠]
وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦) قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٣٧) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٣٨) يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩) ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٤٠)
الإعراب:
سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ سمّى: يتعدى إلى مفعولين، يجوز حذف أحدهما، فالأول: ها في سَمَّيْتُمُوها والثاني: محذوف، وتقديره: سميتموها الهة. وأَنْتُمْ تأكيد تاء سميتموها، ليحسن العطف على الضمير المرفوع المتصل فيها.
البلاغة:
أَعْصِرُ خَمْراً مجاز مرسل باعتبار ما سيكون، أي أعصر عنبا يؤول إلى خمر.
المفردات اللغوية:
وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ أي أدخل يوسف السجن، وصادف أن دخل معه غلامان آخران للملك، أحدهما: ساقيه، والآخر صاحب طعامه أي خبازه، فرأياه يعبر الرؤيا، فقالا:
لنختبرنه. قالَ أَحَدُهُما وهو الساقي. خَمْراً أي عنبا يكون خمرا. وَقالَ الْآخَرُ وهو صاحب الطعام الخباز. نَبِّئْنا خبرنا. بِتَأْوِيلِهِ بتعبيره. مِنَ الْمُحْسِنِينَ من الذين يحسنون تأويل الرؤيا، أو من العالمين.
قال لهما مخبرا أنه عالم بتعبير الرؤيا. تُرْزَقانِهِ في منامكما. نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ في اليقظة أي بتفسيره الذي يؤول إليه في الواقع. قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما تأويله ويتحقق المراد منه، كأنه أراد أن يدعوهما إلى التوحيد، ويرشدهما إلى الطريق القويم، قبل أن يجيبهما على سؤالهما.
ذلِكُما أي ذلك التأويل مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي بالإلهام والوحي، وليس من قبيل التكهن أو التنجيم، وهذا أيضا فيه حثّ على إيمانهما ثم قواه بقوله: إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ دين قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ هم: تأكيد كفرهم بالآخرة، وهذا تعليل لما قبله، أي علمني ذلك لأني تركت ملة أولئك.
وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ.. معطوف على تَرَكْتُ أو كلام مبتدأ لتمهيد الدعوة وإظهار أنه من بيت النبوة، لتقوى رغبتهما في الاستماع إليه والوثوق به. وهو دليل على أنه يجوز لغير المعروف أن يصف نفسه حتى يعرف، فيستفاد منه. ما كانَ لَنا أي ما كان ينبغي لنا أو ما صحّ لنا معشر الأنبياء. أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ أي شيء كان، لعصمتنا. ذلِكَ أي التوحيد. مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا بالوحي. وَعَلَى النَّاسِ وعلى سائر الناس، ببعثتنا لإرشادهم وتثبيتهم عليه.
وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ المبعوث إليهم، وهم الكفار لا يَشْكُرُونَ الله على هذا الفضل، فيشركون ويعرضون عنه.
ثم صرح يوسف بدعوتهما إلى الإيمان فقال: يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أي يا ساكنيه أو
يا صاحبيّ فيه. أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ.. استفهام تقرير. أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ أي هل الأرباب الشتى المتعددون خير أم الله الواحد المنفرد بالألوهية، الغالب الذي لا يعادله ولا يقاومه غيره؟ مِنْ دُونِهِ أي غيره. سَمَّيْتُمُوها سميتم بها أصناما. ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها أي بعبادتها مِنْ سُلْطانٍ حجة وبرهان، أي فليست هي إلا أشياء ذات أسامي أطلقتم عليها من غير حجة تدل على تحقق مسمياتها فيها، فكأنكم لا تعبدون إلا الأسماء المجردة، والمعنى أنكم سميتم ما لم يدل على استحقاقه الألوهية عقل ولا نقل آلهة، ثم أخذتم تعبدونها باعتبار ما تطلقون عليها.
إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أي ما القضاء في أمر العبادة إلا لله وحده لأنه المستحق لها بالذات، من حيث إنه الواجب لذاته، الموجد للكل، المالك لأمره. أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ أمر على لسان الأنبياء ألا تعبدوا إلا الذي دلت عليه الحجج. ذلِكَ التوحيد الدِّينُ الْقَيِّمُ المستقيم الحق، وأنتم لا تميزون المعوج من القويم. وهذا من التدرج في الدعوة وإلزام الحجة، فإنه عليه السّلام بين لهم:
أولا- رجحان التوحيد على تعدد الآلهة.
وثانيا- برهن على أن ما يسمونها آلهة ويعبدونها لا تستحق الألوهية، فإن استحقاق العبادة إما بالذات وإما بالغير، وكلا القسمين منتف عن تلك الآلهة.
وثالثا- نص على ما هو الحق القويم والدين المستقيم الذي لا يقتضي العقل غيره ولا يرتضي العلم دود.
وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ وهم الكفار لا يَعْلَمُونَ فيخبطون في جهالاتهم، ولا يدرون ما يصيرون إليه من العذاب، فهم يشركون.
المناسبة:
بعد أن اتخذ العزيز وأهل مشورته قرارهم بحبس يوسف، بالرغم من اقتناعهم بعفته ونزاهته وبراءته، ذكر الله تعالى هنا تنفيذهم ذلك القرار الذي عزموا عليه، من إدخاله السجن، وأنهم لما أرادوا حبسه حبسوه وحبسوا معه اثنين من عبيد الملك، وأن الله لطف بهم إذ علّمه تعبير الرؤيا، وكان ذلك طريقا لإنقاذه من السجن.
التفسير والبيان:
لما أرادوا حبس يوسف حبسوه، وحبسوا معه غلامين من عبيد الملك، أحدهما: ساقيه، والآخر: خبازه لأنه رفع إليه أنهما تمالا على سمه في طعامه وشرابه، وليس ذلك مصادفة، ولكن تقدير العزيز العليم، وكان يوسف مشهورا في السجن بصدق الحديث وتعبير الرؤيا.
فرأيا رؤيا، فقال الساقي: إني رأيت في المنام أني أعصر عنبا يصير بعدئذ خمرا، وقال الخباز: إني رأيت أني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه، فقالا ليوسف: أخبرنا بتأويل وتفسير ما رأينا، فهل سيحدث حقا أو هو مجرد أضغاث أحلام؟ إِنَّا نَراكَ.. إنا نعلم أنك من الذين يحسنون تأويل الرؤيا، أي من المحسنين في علم التعبير لأنه متى عبّر لم يخطئ، كما قال: وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ أو من المحسنين الذين يريدون الخير والإحسان للناس.
فانتهز يوسف هذه الفرصة، وهي ثقة هذين الرجلين به وبعلمه وإخلاصه، فاندفع يدعوهما ومن معهما في السجن إلى توحيد الله الخالص، وترك الأوثان، فكان دخوله السجن لحكمة.
ومهد لدعوته بما يدل على المعجزة على صدقه، فقال لهما: لا يأتيكما طعام في يومكما إلا أخبرتكما به قبل وصوله إليكما.
وهذا من تعليم الله إياي بوحي منه وإلهام، لا بكهانة ولا عرافة ونحوهما من علوم البشر. وهذا يدل على أن يوسف أوحي إليه، وهو في السجن ليدعو الضعفاء والفقراء والمظلومين والمذنبين، فهم أقرب إلى التصديق بدعوته من غيرهم.
وسبب الوحي أني اجتنبت ملة الكافرين بالله واليوم الآخر وهم الكنعانيون وغيرهم من أهالي فلسطين، والمصريين الذين كانوا يعبدون آلهة متعددة كالشمس
(رع) والعجل (أبيس) والفراعنة (حكام مصر) فهؤلاء لا يرجون ثوابا ولا عقابا في المعاد، وهم كافرون بالآخرة والحساب والجزاء على الوجه الصحيح الذي دعا إليه الأنبياء، كالاعتقاد بأن الفراعنة يعودون إلى الآخرة بأجسامهم المحنطة، ويكون لهم فيها الحكم والسلطان، كما كانوا في الدنيا. وتكرير لفظ هُمْ للتأكيد وبيان اختصاصهم بالكفر، ولمبالغتهم في إنكار المعاد.
وقد هجرت طريق الكفر والشرك، وتركت ملة الكافرين الذين لا يصدقون بالله ولا يقرون بوحدانيته، وأنه خالق السموات والأرض، واتبعت ملة آبائي الأنبياء المرسلين: إبراهيم وإسحاق ويعقوب الذين يدعون إلى التوحيد الخالص. وتعبيره آبائِي مفيد أن الجد أب، وأنه من بيت النبوة، بعد أن عرفهما أنه نبي يوحى إليه لإخباره بالمغيبات، ليقوي رغبتهما في الاستماع إليه واتباع قوله.
وهكذا يكون حال من سلك طريق الهدى، واتبع طريق المرسلين، وأعرض عن طريق الضالين، فإن الله يهدي قلبه، ويعلمه ما لم يكن يعلم، ويجعله إماما يقتدى به في الخير، وداعيا إلى سبيل الرشاد. وذلك ترغيب بالإيمان بالله وتوحيده.
ثم قرر منهج الأنبياء بصفة عامة، فقال: ما صح لنا وما ينبغي لنا معشر الأنبياء أن نشرك بالله، أي شيء كان، من ملك أو جني أو إنسي، فضلا عن أن شرك به صنما أو وثنا لا يسمع ولا يبصر.
ذلك التوحيد، وهو الإقرار بأنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو من فضل الله علينا، إذ هدانا إلى الإقرار بوجوده وتوحيده في ربوبيته وألوهيته، وعلى الناس بإرسالنا إليهم، ننبههم إلى الصواب ونرشدهم إليه، ونبعدهم عن طريق الضلال، فهو فضل إلهي على الرسل وعلى المرسل إليهم.
ولكن أكثر الناس المبعوث إليهم لا يشكرون فضل الله، فيشركون ولا يتنبهون، ولا يعرفون نعمة الله عليهم بإرسال الرسل إليهم، بل بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ [إبراهيم ١٤/ ٢٨].
وبعد أن أبطل يوسف عليه السّلام عبادة الشرك والمشركين، وأثبت النبوة، دعا إلى التوحيد الخالص القائم على الاعتراف بإله واحد ورب واحد، لا بآلهة متعددة، وهكذا مبدأ الأنبياء يهدمون عبادة الوثنية أولا، ثم يقيمون الأدلة العقلية على وجود الله ووحدانيته، فقال: أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ...
أي يا صاحبيّ في السجن، هل تعدد الآلهة وتشتت الأرباب المتفرقين في الذوات والصفات التي تدعو إلى النزاع والتصادم وفساد الكون خير لكما ولغيركما في طلب النفع ودفع الضر والإعانة في عالم الغيب، أو الله الواحد الأحد الذي لا يحتاج لغيره ولا ينازع في تصرفه وتدبيره، القهار بقدرته وإرادته، الذي ذل كل شيء لجلاله وعظمته؟! ثم بين حقيقة آلهتهم فقال: ما تَعْبُدُونَ... أي إن تلك الآلهة التي تعبدونها وتسمونها آلهة إنما هي أسماء مجردة لمسميات وضعوها من تلقاء أنفسهم، ليس لها مقومات، ولا مستند من عند الله، وما أنزل الله بتسميتها أربابا حجة ولا برهانا، حتى تصح عبادتها ويطيعها الناس، إنها تسمية لا دليل عليها من عقل ولا نقل سماوي.
ثم أخبرهم أن الحكم والتصرف والمشيئة والملك كله لله، وقد أمر عباده قاطبة ألا يعبدوا إلا إياه، وهذا الذي أدعوكم إليه من توحيد الله وإخلاص العمل له هو الدين المستقيم الذي أمر الله به، وأنزل به الحجة والبرهان الذي يحبه ويرضاه.
ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن ذلك هو الدين الحق الذي لا عوج فيه، فلهذا كان أكثرهم مشركين، كما قال تعالى: وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف ١٢/ ١٠٣].
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يلي:
١- قدّر الله تعالى مع سجن يوسف سجن اثنين آخرين من عبيد الملك، كانا سبب الإفراج عنه من السجن في المستقبل.
٢- إن تعبير الأحلام يحتاج لعلم وصلاح وتقوى وإحسان، وإن الرؤيا قد تكون حقا،
قال صلى الله عليه وسلّم فيما رواه أحمد والشيخان عن أنس: «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة».
٣- كان يوسف بشهادة السجناء من زمرة المحسنين، وإحسانه: أنه كان يعود المرضى ويداويهم، ويعزّي الحزانى. وأنه كان من العالمين الذين أحسنوا العلم، فقولهم فيه يعني أنه عالم يؤثر الإحسان، ويأتي بمكارم الأخلاق، وجميع الأفعال الحميدة.
٤- أعلن يوسف للسائلين اللذين سألاه عن تفسير رؤيا في المنام: أنه كان يخبرهما عن نوع الطعام وصفاته الذي يأتيهما من جهة الملك أو غيره، قبل الإتيان به، بوحي من الله عز وجل، لا تكهّنا وتنجيما، وهو إخبار بالغيب دال على نبوته، ومعجزة مثبتة لرسالته.
٥- النبي المكلف بالدعوة ينتهز كل الفرص المناسبة للقيام بواجبه، وهذا ما فعله يوسف عليه السّلام، فإنه دعا إلى محاربة الشرك والوثنية، وإبطال عبادة المشركين، وإلى توحيد الله تعالى، متبعا ملة أجداده وآبائه الأنبياء:
إبراهيم وإسحاق ويعقوب لأنهم أنبياء على الحق، وفائدة ذكر هؤلاء الأنبياء أنه عليه السّلام لما ادعى النبوة وتحدى بالمعجزة وهو علم الغيب، قرن به كونه من أهل بيت النبوة.
وليس من شأن الأنبياء الإشراك بالله أيا كان نوع الشرك.
وهذا من فضل الله على الرسول مما يشير إلى عصمته من الزنى، والمرسل إليهم هم المؤمنون الذين عصمهم الله من الشرك. وقوله مِنْ شَيْءٍ رد على كل أصناف الشرك كعبادة الأصنام، وعبادة النار، وعبادة الكواكب، وعبادة الطبيعة، وإرشاد إلى الدين الحق، وهو أنه لا موجد إلا الله، ولا خالق إلا الله، ولا رازق إلا الله.
ولكن أكثر الناس لا يشكرون على نعمة الإيمان والتوحيد. وقوله مِنْ فَضْلِ اللَّهِ يدل على أن عدم الإشراك وحصول الإيمان من الله تعالى.
٦- نفى يوسف بالدليل العقلي والنقلي تعدد الآلهة، وأثبت صحة القول بوحدانية الإله وربوبيته.
٧- إن الآلهة المزعومة من الأصنام والأوثان وغيرها أسماء مخترعة من عند الناس أنفسهم، ليس لها من الألوهية شيء إلا الاسم لأنها جمادات، وأما مسمياتها فليست لها حقيقة موضوعية، ويرفضها العقل والنقل.
٨- لا حكم إلا لله، لأنه خالق الكل، فهو المستحق العبادة وحده لا شريك له، لذا أمر ألا يعبد سواه.
٩- الدعوة إلى توحيد الإله هو الدين المستقيم أو القويم الذي لا عوج فيه، ولكن أكثر الناس لا يدرون حقيقة الدين الصحيح.
١٠- أورد الرازي خمس حجج على بطلان تعدد الآلهة وهي بإيجاز وتصرف ما يأتي «١» :
الأولى- أن كثرة الآلهة توجب الخلل والفساد في هذا العالم، وهو المراد بقوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الأنبياء ٢١/ ٢٢] فكثرة الآلهة توجب الفساد والخلل والتنازع والصراع، أما توحيد الإله فيقتضي حصول النظام وحسن الترتيب.
الثانية- أن هذه الأصنام ونحوها من البشر والكواكب معمولة لا عاملة ومقهورة لا قاهرة.
الثالثة- أن كونه تعالى واحدا يوجب عبادته لأنه لو كان له ثان، لم نعلم من الذي خلقنا ورزقنا ودفع الشرور والآفات عنا، فيقع الشك في أنا نعبد هذا أم ذاك. وهذا دليل على فساد القول بعبادة الأوثان لأنها على فرض كونها نافعة ضارة لا نعلم حصول النفع ودفع الضرر من هذا الصنم، أو من ذاك، أو بالتعاون والاشتراك، فلا يعرف المستحق للعبادة، هو هذا أم ذاك.
الرابعة- لو فرض أن هذه الأصنام تنفع وتضر، على ما يزعم أصحاب الطلاسم، فإن ذلك في وقت مخصوص وواقعة مخصوصة، والإله تعالى قادر على جميع المقدورات في كل الأوقات، فكان الاشتغال بعبادته أولى.
الخامسة- إن اتصاف الإله بصفة الْقَهَّارُ يقتضي ألا يقهره أحد سواه، وأن يكون هو قهارا لكل ما سواه، وهذا يقتضي أن يكون الإله واجب الوجود لذاته إذ لو كان ممكنا لكان مقهورا لا قاهرا، ويجب أن يكون واحدا لا متعددا، إذ لو تعدد لما كان قاهرا لكل ما سواه، فالإله لا يكون قهارا إلا إذا كان واجبا لذاته وكان واحدا، وهذا لا ينطبق على الأفلاك والكواكب والنور والظلمة والطبيعة ونحوها من الآلهة المزعومة.
١١- يستحسن للعالم إذا استفتاه أحد الجهال والفساق أن يقدم الهداية والإرشاد والموعظة والنصيحة أولا، ويدعوه إلى ما هو أولى به وأوجب عليه مما استفتى فيه ثم يفتيه بعد ذلك.