آيات من القرآن الكريم

وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ
ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ

شرح الكلمات:
ثم بدا لهم: أي ظهر لهم.
الآيات: أي الدلائل على براءة يوسف.
أعصر خمرا: أي أعصر عنباً ليكون خمرا.
واتبعت ملة: أي دين.
ما كان لنا: أي ما انبغى لنا ولا صح منّا.
أن نشرك بالله من شيء: أي أن أشرك بالله شيئا من الشرك وإن قل ولا من الشركاء وإن عظموا أو حقروا.
ذلك من فضل الله علينا: أي ذلك التوحيد والدين الحق.
وعلى الناس: إذ جاءتهم الرسل به ولكنهم ما شكروا فلم يتبعوا.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث عن يوسف عليه السلام وما حدث له بعد ظهور براءته من تهمة امرأة العزيز قال تعالى ﴿ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين﴾ أي ثم ظهر للعزيز ومن معه من بعد ما رأوا الدلائل الواضحة على براءة يوسف وذلك كقدّ القميص من دُبر ونطق الطفل وحكمه في القضية بقوله ﴿إن كان قميصه﴾ الخ وهي أدلة كافية في براءة يوسف إلا أنهم رأوا سجنه إلى حين١ ما، أي ريثما تسكن النفوس وتنسى الحادثة ولم يبق لها ذكر بين الناس. وقوله تعالى ﴿ودخل معه السجن٢ فتيان﴾ أي فقرروا سجنه وادخلوه السجن ودخل معه فتيان أي خادمان كانا يخدمان ملك البلاد بتهمة وجهت٣ إليهما. وقوله تعالى ﴿قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا ومال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين﴾ وكان هذا الطلب منهما بعد أن أعجبا بسلوكه مع أهل السجن وحسن معاملته وسألاه عن معارفه فأجابهم

١ ذُكر للحين آماد مختلفة: فقد قيل: ستة أشهر، وقيل: ثلاثة عشر شهراً وقيل: تسع سنين، وما في التفسير أصح تلك الأقوال.
٢ رضي بالسجن ولم يرض ارتكاب الفاحشة لعصمة الله تعالى له، ومن هنا قال العلماء: لو أكره مؤمن على الفاحشة أو السجن لتعيّن عليه أن يدخل السجن ولا يرتكب الفاحشة.
٣ هذه التهمة هي: تآمرهما على قتل الملك بوضع سمّ في طعامه أو شرابه، وفعلاً كان الطاهي قد وضع سماً في الطعام وأعطى حيواناً فمات لفوره، ومن ثمّ أدخلا السجن معاً نظراً للحكم عليهما.

صفحة رقم 611

بأنه يعرف تعبير الرؤيا فعندئذ قالا هيا نجربه فندعي١ أنا رأينا كذا وكذا وسألاه فأجابهما بما أخبر تعالى به في هذه الآيات: ﴿قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل٢ أن يأتيكما﴾ واللفظ محتمل لما يأتيهما في المنام أو اليقظة وهو لما علمه الله تعالى يخبرهما به قبل وصوله إليهما وبما يؤول إليه. وعلل لهما مبيّناً سبب علمه هذا بقوله ﴿ذلكما مما علّمني ربّي إني٣ تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة كافرون﴾ وهم الكنعانيون والمصريون إذ كانوا مشركين يعبدون الشمس وغيرها، تركت ملة الكفر واتبعت ملة الإيمان بالله واليوم الآخر ملة آبائي إبراهيم وإسحق ويعقوب، ثم واصل حديثه معهما دعوة لهما إلى الإيمان بالله والدخول في الإسلام فقال ﴿ما كان لنا﴾ أي ما ينبغي لنا أن نشرك بالله من شيء فنؤمن به ونَعْبُدُه معه، ثم أخبرهما أن هذا لم يكن باجتهاد منهم ولا باحتيال، وإنما هو من فضل الله تعالى عليهم، فقال ذلك من فضل الله علينا٤، وعلى الناس إذ خلقهم ورزقهم وكلأهم ودعاهم إلى الهدى وبيّنه لهم ولكن أكثر الناس لا يشكرون٥ فهم لا يؤمنون ولا يعبدون.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- دخول يوسف السجن بداية أحداث ظاهرها محرق وباطنها مشرق.
٢- دخول السجن ليس دائما دليلا على أنه بيت المجرمين والمنحرفين إذ دخله صفيٌ لله تعالى يوسف عليه السلام.
٣- تعبير الرؤى تابع لصفاء الروح وقوة الفراسة وهي في يوسف علم لدني خاص.
٤- استغلال المناسبات للدعوة إلى الله تعالى كما استغلها يوسف عليه السلام.
٥- وجوب البراءة من الشرك وأهله.
٦- اطلاق لفظ الآباء على الجدود إذ كل واحد هو أب لمن بعده.

١ روي أنه قال لهما: فما رأيتما؟ فقال الخباز: رأيت كأنّي اختبزت في ثلاثة تنانير وجعلته في ثلاث سلال فوضعته على رأسي فجاء الطير فأكل منهن، وقال الآخر رأيت كأني أخذت ثلاثة عناقيد من عنب أبيض فعصرتهن في ثلاث أوانٍ، ثمّ صفيته فسقيت الملك كعادتي فيما مضى هذا معنى قوله: ﴿إني أراني أعصر خمرا﴾.
٢ أي: بتفسيره في اليقظة، فقالا له: هذا من فعل العرّافين والكهنة فردّ عليهما قائلا: ﴿ذلكما مما علّمني ربّي﴾.
٣ لمّا ردّ عليهما بقوله: ﴿ذلكما مما علمني ربي﴾ علل له بقوله: ﴿إني تركت ملة قوم..﴾.
٤ إذ جعلنا أنبياء ورسلا ندعوا الناس إلى عبادة ربهم، وتوحيده فيها ليكملوا عليها ويسعدوا في الدارين.
٥ أي: لا يعرفون نعمة الله تعالى عليهم بإرسال الرسل إليهم مبشرين ومنذرين فلذا هم لا يعبدون الله ولا يوحدونه فيها.

صفحة رقم 612
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية