آيات من القرآن الكريم

قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ۚ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ
ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐ

﴿وَقَالَ الْآخَرُ﴾ وَهُوَ الْخَبَّازُ: ﴿إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ﴾ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنَّ فَوْقَ رَأْسِي ثَلَاثَ سِلَالٍ فِيهَا الْخُبْزُ وَأَلْوَانُ الْأَطْعِمَةِ وَسِبَاعَ الطَّيْرِ تَنْهَشُ مِنْهُ. ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ﴾ أَخْبِرْنَا بِتَفْسِيرِهِ وتعبيره وما يؤول إِلَيْهِ أَمْرُ هَذِهِ الرُّؤْيَا.
﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ أَيِ: الْعَالِمِينِ بِعِبَارَةِ الرُّؤْيَا، وَالْإِحْسَانُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ.
وَرُوِيَ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ مَا كَانَ إِحْسَانُهُ؟ قَالَ: كَانَ إِذَا مَرِضَ إِنْسَانٌ فِي السِّجْنِ عَادَهُ وَقَامَ عَلَيْهِ، وَإِذَا ضَاقَ [عَلَيْهِ الْمَجْلِسُ] (١) وَسَّعَ لَهُ، وَإِذَا احْتَاجَ جَمَعَ لَهُ شَيْئًا، وَكَانَ مَعَ هَذَا يَجْتَهِدُ فِي الْعِبَادَةِ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ كُلَّهُ لِلصَّلَاةِ (٢).
وَقِيلَ (٣) : إِنَّهُ لَمَّا دَخَلَ السِّجْنَ وَجَدَ فِيهِ قَوْمًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُمْ وَانْقَطَعَ رَجَاؤُهُمْ وَطَالَ حُزْنُهُمْ، فَجَعَلَ يُسَلِّيهِمْ وَيَقُولُ: أَبْشِرُوا وَاصْبِرُوا تُؤْجَرُوا، فَيَقُولُونَ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ يَا فَتَى مَا أَحْسَنَ وَجْهَكَ وَخُلُقَكَ وَحَدِيثَكَ، لَقَدْ بُورِكَ لَنَا فِي جِوَارِكَ فَمَنْ أَنْتَ يَا فَتَى؟ قَالَ: أَنَا يُوسُفُ بْنُ صَفِّيِ اللَّهِ يَعْقُوبَ بْنِ ذَبِيحِ اللَّهِ إِسْحَاقَ (٤) بْنِ خَلِيلِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لَهُ عَامِلُ السِّجْنِ: يَا فَتَى وَاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْتُ لَخَلَّيْتُ سَبِيلَكَ، وَلَكِنْ سَأُحْسِنُ جِوَارَكَ فَتُمَكَّنُ فِي أَيِّ بُيُوتِ السِّجْنِ شِئْتَ.
وَيُرْوَى أَنَّ الْفَتَيَيْنِ لَمَّا رَأَيَا يُوسُفَ قَالَا لَهُ: لَقَدْ أَحْبَبْنَاكَ حِينَ رَأَيْنَاكَ، فَقَالَ لَهُمَا يُوسُفُ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ أَنْ لَا تُحِبَّانِي، فَوَاللَّهِ مَا أَحَبَّنِي أَحَدٌ قَطُّ إِلَّا دَخَلَ عَلَيَّ مِنْ حُبِّهِ بَلَاءٌ، لَقَدْ أَحَبَّتْنِي عَمَّتِي فَدَخَلَ عَلَيَّ بَلَاءٌ، ثُمَّ أَحَبَّنِي أَبِي فَأُلْقِيتُ فِي الجب، وأحبتني ١٨٢/ب امْرَأَةُ الْعَزِيزِ فَحُبِسْتُ. فَلَمَّا قَصَّا عَلَيْهِ الرُّؤْيَا كَرِهَ يُوسُفُ أَنْ يُعَبِّرَ لَهُمَا مَا سَأَلَاهُ لِمَا عَلِمَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَكْرُوهِ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَأَعْرَضَ عَنْ سُؤَالِهِمَا وَأَخَذَ فِي غَيْرِهِ فِي إِظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ وَالدُّعَاءِ إِلَى التَّوْحِيدِ (٥).
﴿قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (٣٧) ﴾.
﴿قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ﴾ قِيلَ: أَرَادَ بِهِ فِي النَّوْمِ يَقُولُ: لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ فِي نَوْمِكُمَا، ﴿إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ﴾ فِي الْيَقَظَةِ.

(١) ما بين القوسين ساقط من "ب".
(٢) وقول الضحاك هذا، هو الذي رجحه أبو جعفر الطبري: ١٦ / ١٠٠.
(٣) رواه الطبري في التفسير: ١٦ / ٩٩ عن قتادة، وقال في عقبه: " وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب القول الذي ذكرناه عن الضحاك وقتادة ".
(٤) راجع فيما سبق التعليق (١) في ص (٢١٥) عن الذبيح.
(٥) أخرجه الطبري في التفسير: ١٦ / ١٠٢، وعزاه السيوطي أيضا لابن أبي حاتم عن ابن إسحاق.

صفحة رقم 241

وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ فِي الْيَقَظَةِ، يَقُولُ: لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ مِنْ مَنَازِلِكُمَا تُرْزَقَانِهِ، تُطْعَمَانِهِ وَتَأْكُلَانِهِ إِلَّا نَبَّأَتْكُمَا بِتَأْوِيلِهِ بِقَدْرِهِ وَلَوْنِهِ وَالْوَقْتِ الَّذِي يَصِلُ فِيهِ إِلَيْكُمَا.
﴿قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا﴾ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكُمَا، وَأَيَّ طَعَامٍ أَكَلْتُمْ وَكَمْ أَكَلْتُمْ وَمَتَى أَكَلْتُمْ، فَهَذَا مِثْلُ مُعْجِزَةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ قَالَ: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ (آلِ عِمْرَانَ -٤٩) فَقَالَا هَذَا فِعْلُ الْعَرَّافِينَ وَالْكَهَنَةِ (١)، فَمِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا الْعِلْمُ؟ فَقَالَ: مَا أَنَا بَكَاهِنٍ وَإِنَّمَا ﴿ذَلِكُمَا﴾ الْعِلْمُ، ﴿مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ وَتَكْرَارُ ﴿هُمْ﴾ عَلَى التَّأْكِيدِ.

(١) العراف: هو الذي يزعم أنه يعرف الأمور الغيبية بمقدمات وأسباب قولية أو فعلية، يستدل بها على مواقعها، كالشيء يسرق، فيعرف المظنون به السرقة.. وجعله شيخ الإسلام ابن تيمية اسما للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم. والكاهن: هو الذي يدعي علم الغيب، كالإخبار بما سيقع في الأرض مع الاستناد إلى سبب. والأصل فيه: استراق الجن السمع من كلام الملائكة فيلقيه في أذن الكاهن. وهذه صورة لادعاء علم الغيب حرمها الإسلام، إذ لا يعلم الغيب إلا الله. انظر بالتفصيل: عالم الغيب والشهادة في التصور الإسلامي، تأليف عثمان جمعة ضميرية، ص (١١٧-١٣١).

صفحة رقم 242
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
محمد عبد الله النمر
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1417
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية