لأخيك، أو للذئب» ولا تلزم صاحبها بيّنة عندهم وعند الحنابلة، ويكفي بيان علاماتها، من وعاء ووكاء مثلا.
وذهب الحنفية، والشافعية في الأصح إلى أنه يجوز الالتقاط، لحفظ اللقطة لصاحبها، صيانة لأموال الناس، ومنعا من ضياعها ووقوعها في يد خائنة.
ولكن لا تدفع لصاحبها إلا إذا أقام البينة أنها له.
وكذلك للعلماء آراء في النفقة على الضوال، فقال المالكية: للملتقط الرجوع بالنفقة على صاحبها، سواء أنفق عليها بأمر السلطان أو بغير أمره.
وقال الشافعية والحنابلة: لا يرجع الملتقط بشيء من النفقة، لأنه متطوع.
وكذا قال الحنفية: إن أنفق الملتقط على اللقطة بغير إذن الحاكم فهو متبرع أو متطوع، وإن أنفق عليها بإذن الحاكم، كان ما ينفقه دينا على المالك، فيرجع عليه.
وأما تملك اللقطة بعد تعريفها سنة، فقال الحنفية: إذا كان الملتقط غنيا، لم يجز له أن ينتفع باللقطة، وإنما يتصدق بها على الفقراء، وإذا كان فقيرا فيجوز له الانتفاع بها بطريق التصدق،
لقوله عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه البزار والدارقطني عن أبي هريرة: «فليتصدق به».
وقال الجمهور: يجوز للملتقط أن يتملك اللقطة، وتكون كسائر أمواله، سواء أكان غنيا أم فقيرا، فإن عرف صاحبها في المستقبل ضمنها له.
- ٢- تنفيذ إخوة يوسف مؤامرتهم وتدليسهم الأمر على أبيهم
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١١ الى ١٨]
قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١٢) قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣) قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ (١٤) فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٥)
وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (١٧) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١٨)
الإعراب:
تَأْمَنَّا: أصله: تأمننا، فاجتمع حرفان متحركان من جنس واحد، فاستثقلوا اجتماعهما فسكنوا الأول منهما وأدغموه في الثاني، وبقي الإشمام يدل على ضمة الأولى. والإشمام: ضم الشفتين من غير صوت، وهذا يدركه البصير دون الضرير.
يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ العين في يَرْتَعْ ساكنة للجزم على وزن «يفعل»، ويقرأ بكسر العين، وأصله يرتعي على وزن يفتعل، من الرّعي، إلا أنه حذفت الياء للجزم.
أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ أن الأولى وصلتها: في تأويل مصدر فاعل لَيَحْزُنُنِي وأن الثانية وصلتها: في تأويل مصدر مفعول أَخافُ. والواو في قوله وَنَحْنُ عُصْبَةٌ للحال.
فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ.. جواب «لما» محذوف، وتقديره: فلما ذهبوا به حفظناه.
عِشاءً أي ليلا، وهو ظرف في موضع الحال.
فَصَبْرٌ جَمِيلٌ: إما مبتدأ وخبره محذوف، أي فصبر جميل أمثل من غيره، أو خبر مبتدأ محذوف، أي فصبري صبر.
البلاغة:
بِدَمٍ كَذِبٍ الدم لا يوصف بالكذب، والمراد: بدم مكذوب فيه، وجيء بالمصدر على طريق المبالغة.
المفردات اللغوية:
لَناصِحُونَ لقائمون بمصالحه، والناصح: المشفق المحب للخير، أي ونحن نشفق عليه ونريد له الخير، أرادوا استنزاله عن رأيه في حفظه منهم، لما تنسم من حسدهم أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً إلى البرية أو الصحراء، والغد: اليوم التالي ليومك يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ يرتع: يتسع في أكل الفواكه ونحوها، من الرتعة: وهي الخصب، والرتع: التوسع في الملاذ، والأكل من الفاكهة حيث شاء.
ويلعب: ينشط ويلعب بالاستباق والانتضال بالسهام لَحافِظُونَ أن يناله مكروه لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ ذهابكم، لشدة مفارقته أو فراقه علي وقلة صبري عنه، والحزن: ألم في النفس لفقد محبوب أو وقوع مكروه. والخوف: ألم في نفس مما يتوقع من مكروه.
أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ المراد به الجنس، وكانت أرضهم مذأبة كثيرة الذئاب غافِلُونَ مشغولون عنه بالرتع واللعب، أو لقلة اهتمامكم بحفظه.
لَئِنْ أَكَلَهُ اللام لا قسم، وجوابه إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ. وَنَحْنُ عُصْبَةٌ جماعة لَخاسِرُونَ عاجزون أو ضعفاء مغبونون، أو مستحقون لأن يدعى عليهم بالخسار وَأَجْمَعُوا أي وعزموا على إلقائه في البئر: بئر بيت المقدس أو بئر بأرض الأردن أو بين مصر ومدين، بأن نزعوا قميصه بعد ضربه وإهانته وإرادة قتله، وأدلوه إلى البئر، فلما وصل إلى نصف البئر، ألقوه ليموت، فسقط في الماء، ثم أوى إلى صخرة، فنادوه فأجابهم ظانا رحمتهم، فأرادوا رضخه بصخرة، فمنعهم يهوذا.
وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ في البئر، أي ألهمناه، وله سبع عشرة سنة أو دونها تطمينا لقلبه لَتُنَبِّئَنَّهُمْ لتخبرنهم بعد اليوم بِأَمْرِهِمْ بصنيعهم وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بك حال الإنباء أنك يوسف، لعلو شأنك وبعده عن أوهامهم عِشاءً وقت المساء، آخر النهار يَبْكُونَ متباكين نَسْتَبِقُ نتسابق في العدو أو في الرمي مَتاعِنا ثيابنا بِمُؤْمِنٍ بمصدّق وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ أي ولو ثبت صدقنا لا تهمتنا، فكيف وأنت تسيء الظن بنا؟! أو ولو صدقنا لسوء ظنك بنا وفرط محبتك ليوسف.
وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ محله نصب على الظرفية، أي فوقه بِدَمٍ كَذِبٍ أي ذي كذب، بمعنى مكذوب فيه، بأن ذبحوا سخلة ولطخوه بدمها، وذهلوا عن شقه، وقالوا: إنه دمه قالَ
أي يعقوب، لما علم كذبهم بَلْ سَوَّلَتْ زينت لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً ففعلتموه به فَصَبْرٌ جَمِيلٌ لا جزع فيه، وهو ما لا شكوى فيه إلى الخلق وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ المطلوب منه العون عَلى ما تَصِفُونَ تذكرون من أمر يوسف أو من هذه المصيبة وهلاكه.
المناسبة:
الكلام مرتبط بما قبله، مبين مكيدة إخوة يوسف له، وخداعهم أباهم، وإظهارهم أنهم في غاية المحبة ليوسف والشفقة عليه، وهم يعلمون أن أباهم كان يحب يوسف محبة شديدة، ويحرص عليه، ويحب تطييب قلبه، فأرسله معهم، وهو غير مقتنع بكلامهم ويخافهم عليه.
التفسير والبيان:
لما تواطأ إخوة يوسف على أخذه وطرحه في البئر، كما أشار به عليهم أخوهم يهوذ أو روبيل، جاؤوا أباهم يعقوب عليه السّلام، فقالوا: ما بالك لا تأتمنا على يوسف، وتخافنا عليه، ونحن له ناصحون، أي نحبه، ونشفق عليه، ونريد الخير له، ونخلص له النصح؟ وهم يريدون خلاف ذلك، لحسدهم له، بعد ما علموا من رؤيا يوسف، وأدركوا حب أبيه له، لما يتوسم فيه من الخير العظيم وشمائل النبوة.
أرسله معنا، أي ابعثه معنا في الغد حين نخرج كعادتنا إلى المرعى في الصحراء، يرتع أي يأكل ما يطيب له من الفاكهة والبقول، ويلعب أي ويسعى وينشط ويشاركنا في السباق بالسهام، وإنا له لحافظون من أي أذى ومكروه يصيبه، ونحفظه من أجلك. فأجابهم يعقوب بقوله: إني ليحزنني ويؤلمني ذهابكم به وفراقه لي على أي نحو، وأخشى أن تشتغلوا عنه برميكم ورعيكم، فيأتيه ذئب، فيأكله وأنتم غافلون عنه لا تحسون به.
وبه يتبين أنه اعتذر إليهم بشيئين: أن فراقه إياه مما يحزنه، وخوفه عليه
من الذئب إذا غفلوا عنه برعيهم أو لعبهم، لقلة اهتمامهم به، وكأنه لقنهم الحجة، وشدة الحذر دفعته لقول ذلك.
فأجابوه في الحال: والله لئن أكله الذئب، ونحن جماعة أشداء ندافع عن الحرمات، لكنا خاسرين، أي هالكين عاجزين لا خير فينا ولا نفع.
ثم بدؤوا تنفيذ المؤامرة بالفعل، فلما ذهبوا به من عند أبيه بعد مراجعتهم له في ذلك، صمموا على مرادهم، وعزموا عزما لا تردد فيه على إلقائه في قعر بئر وأسفله، وهو البئر المعروف لديهم، ليذهب حيث شاء، أو يهلك، فيستريحوا منه.
ولكنّ الله تعالى ذا القدرة الشاملة، والإرادة النافذة، والرحمة واللطف، وإنزاله اليسر بعد العسر، والفرج بعد الكرب، أوحى إليه وحي إلهام على الأظهر، مثل قوله: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [النحل ١٦/ ٦٨] وقوله:
وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى [القصص ٢٨/ ٧] تطمينا لقلبه وتثبيتا له ألا تحزن مما أنت فيه، فإن لك فرجا ومخرجا، وسينصرك الله عليهم، وستخبرهم بما فعلوا معك من هذا الصنيع السيء، وهم لا يعرفون ولا يشعرون بأنك يوسف. وهو وعد بالخلاص من هذه المحنة، والنصر عليهم، وصيرورتهم تحت سلطانه.
ثم جاء دور الاعتذار بالأعذار الكاذبة لأبيهم يعقوب عليه السّلام، فحينما رجعوا إليه في آخر اليوم وقت العشاء في ظلمة الليل، أخذوا يتباكون ويظهرون الأسف والجزع على يوسف، وقالوا معتذرين عما زعموا: إنا ذهبنا نتسابق ونترامى بالنبال، وتركنا يوسف عند ثيابنا وأمتعتنا، حارسا لها، فأكله الذئب، وهذا الذي كان قد جزع منه وحذر عليه، ونحن نعلم أنك لا تصدقنا- والحالة هذه- لو كنا صادقين موثوقين عندك، فكيف وأنت تتهمنا في ذلك؟! وأنت معذور في هذا لغرابة ما وقع، وعجيب ما حدث. والحاصل أنا
وإن كنا صادقين، لكنك لا تصدقنا لأنك تتهمنا في يوسف، لشدة محبتك إياه، ولظنك أنا قد كذبنا.
وهذا إيماء بعدم قناعتهم بما يقولون، وإحساسهم بالكذب ضمنا.
وزاد في التلبيس والتدليس أنهم جاؤوا بقميصه ملطّخا بدم مكذوب مفترى، أخذوه من دم سخلة ذبحوها، ولطخوا ثوب يوسف بدمها، موهمين أن هذا قميصه الذي أكله فيه الذئب، لذا قال: عَلى قَمِيصِهِ ولكن إرادة الله أبت إلا أن يظهر آثار جريمتهم، فنسوا أن يخرقوا الثوب ويشقّوه إذ لو كان من افتراس الذئب لتمزق القميص، فلم يصدقهم يعقوب وأعرض عنهم وعن كلامهم إلى ما وقع في نفسه من لبسهم عليه، فقال: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أي بل زينت أو سهلت وهونت لكم أنفسكم السيئة أمرا منكرا غير ما تصفون وتذكرون، فسأصبر صبرا جميلا على هذا الأمر الذي اتفقتم عليه، وأستعين بالله حتى يفرج الكرب بعونه ولطفه، فالصبر الجميل أولى بي،
يروى أن النبي صلى الله عليه وسلّم سئل عن الصبر الجميل فقال: «هو الذي لا شكوى معه».
والله المستعان على ما تذكرون من الكذب، وهو المعين على شر ما تصفون من الحدث الأليم.
روي أن يعقوب قال استهزاء: ما أحلمك يا ذئب تأكل ابني ولا تشق قميصه؟!
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١- نجح إخوة يوسف في حبك المؤامرة، وخداع أبيهم، والمؤمن غر كريم، وتلك حيلة يلجأ إليها الأولاد عادة لأن لعب الصبيان المباح وتنشيطهم مرغوب فيه، لا سيما وقد أظهروا شفقتهم عليه وحبهم له، وتعهدوا بحفظه ورعايته من المخاوف.
٢- كانت إجابة يعقوب لأولاده متضمنة بحكم العاطفة الأبوية المألوفة تحذيرا من التقصير، وتنبيها على شدة الصون والحفظ، وإشعارا بحب ابنه يوسف وعدم تحمله الصبر على فراقه، وهذا أمر طبيعي.
٣- موّه إخوة يوسف على أبيهم الحقيقة، وأظهروا كاذبين أنهم حماة يصونون أخاهم، فهم عصبة أقوياء، وجماعة أشداء، يخشى الناس بأسهم، أفلا يقدرون على مطاردة ذئب يهاجم أخا لهم.
٤- كان إخوة يوسف في أشد ما يكونون قسوة وشدة على أخ لهم من أبيهم، فرموه في البئر، ونزعوا عنه قميصه، ووجد عند كل واحد من الغيظ والحسد والظلم أشد مما عند الآخر.
٥- إن رحمة الله ولطفه قريب من المحسنين، فلا يدع سبحانه مظلوما حتى ينصره، ولا مفجوعا حتى يسلي قلبه ويطمئنه، ويبشره بالسلامة، فألهم يوسف أنه سينجو مما هو فيه، وأنه سينصره عليهم، وأنه سيخبرهم بسوء ما يصنعون به ويوبخهم على ما صنعوا، وسيكونون تحت قهره وسلطانه، وهم لا يدرون أنه يوسف.
وهذا يدل على أن الوحي ليوسف بعد إلقائه في الجب كان تقوية لقلبه، وتبشيرا له بالسلامة.
٦- إنما جاؤوا عشاء، أي ليلا ليكونوا أقدر على الاعتذار في الظلمة، ولذا قيل: لا تطلب الحاجة بالليل، فإن الحياء في العينين، ولا تعتذر بالنهار من ذنب فتتلجلج في الاعتذار.
٧- ودلت آية يَبْكُونَ على أن بكاء المرء لا يدل على صدق مقاله لاحتمال أن يكون تصنّعا، فمن الخلق من يقدر على ذلك، ومنهم من لا يقدر، وقد قيل: إن الدم المصنوع لا يخفى.
٨- الاستباق مباح في السهام أو الرمي، وعلى الفرس، وعلى الأقدام والغرض من المسابقة على الأقدام تدريب النفس على العدو لما له من فائدة في قتال الأعداء، ومطاردة الذئاب. قال ابن العربي: إن المسابقة شرعة في الشريعة، وخصلة بديعة، وعون على الحرب، وقد فعلها النبي صلى الله عليه وسلّم بنفسه وبخيله
فروي أنه سابق عائشة فسبقها، فلما كبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم سابقها فسبقته، فقال لها: هذه بتلك «١». وتسابق النبي أيضا مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فسبقهما.
وسابق سلمة بن الأكوع- فيما رواه مسلم- رجلا لما رجعوا من «ذي قرد» إلى المدينة، فسبقه سلمة.
وروى مالك عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سابق بين الخيل التي قد أضمرت «٢»، وسابق بين الخيل التي لم تضمّر
، وأن عبد الله بن عمر كان ممن سابق بها.
وكذلك المسابقة بالنّصال والإبل،
أخرج النسائي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «لا سبق «٣» إلا في نصل أو خفّ أو حافر».
وروى البخاري عن أنس قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلّم ناقة تسمى العضباء، لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود فسبقها، فشقّ ذلك على المسلمين حتى عرفه فقال: «حق على الله ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه».
وأجمع المسلمون على أن السّبق على وجه الرهان المباح الآتي بيانه لا يجوز إلا في الخف والحافر والنصل. قال الشافعي: ما عدا هذه الثلاثة فالسّبق فيها قمار.
وقد زاد أبو البختري القاضي في الحديث السابق: «أو جناح» لإرضاء الرشيد،
(٢) تضمير الخيل: هو علف الخيل حتى تسمن، ثم لا تعلف إلا قوتا لتخف.
(٣) السبق: ما يجعل للسابق على سبقه من المال، أي لا يحل أخذ المال بالمسابقة إلا في هذه الثلاثة. والسّبق بالسكون: مصدر. والصحيح رواية الفتح.
فترك العلماء حديثه لذلك ولغيره من موضوعاته فلا يكتب العلماء حديثه بحال.
ولا يجوز السّبق في الخيل والإبل إلا في غاية معلومة وأمد معلوم، وكذلك الرمي لا يجوز السّبق فيه إلا بغاية معلومة، ورشق معلوم، ونوع من الإصابة.
والسبق الجائز اثنان: ما يخصصه الوالي أو غيره من ماله تطوعا، وما يخرجه أحد المتسابقين دون صاحبه، فإن سبقه صاحبه أخذه، وإلا بقي له.
والسبق غير الجائر أو الحرام: هو ما يكون من الطرفين المتسابقين، بأن يخرج كل واحد منهما شيئا مثل ما يخرجه صاحبه، فأيهما سبق أحرز سبقه وسبق صاحبه.
ولا يجوز هذا الوجه إلا بمحلّل لا يأمنان أن يسبقهما، فإن سبق المحلّل أحرز السّبقين جميعا وأخذهما وحده، وإن سبق أحد المتسابقين، أحرز سبقه وأخذ سبق صاحبه، ولا شيء للمحلّل فيه، ولا شيء عليه. وإن سبق الثاني منهما الثالث كان كمن لم يسبق واحد منهما.
وسمي محلّلا لأنه يحلل السّبق للمتسابقين أو: له.
واتفق العلماء على أنه إن لم يكن بينهما محلّل، واشترط كل واحد من المتسابقين أنه إن سبق أخذ سبقه وسبق صاحبه، أنه قمار، ولا يجوز.
وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من أدخل فرسا بين فرسين، وهو لا يأمن أن يسبق، فليس بقمار، ومن أدخله وهو يأمن أن يسبق فهو قمار»
وفي الموطأ عن سعيد بن المسيب قال: ليس برهان الخيل بأس إذا دخل فيها محلّل، فإن سبق أخذ السّبق، وإن سبق لم يكن عليه شيء. وهذا قول الجمهور.
ولا يكون سباق الخيل والإبل إلا لمحتلم، أو لأربابها، وهو أولى.
٩- استفاد أولاد يعقوب الحجة من قول أبيهم: وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ لأنه كان أظهر المخاوف عليه.
١٠- لم يصدقهم يعقوب، لما ظهر له منهم من قوة التهمة وكثرة الأدلة على خلاف ما قالوه.
وأحسّوا هم بضعف حجتهم حينما قالوا: وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ أي ولو كنا عندك من أهل الثقة والصدق ما صدقتنا، ولا تتهمنا في هذه القضية لشدة محبتك ليوسف.
١١- دلسوا على أبيهم بالدم المكذوب فيه، فهو دم ظبية، كما قال قتادة، ولما أرادوا أن يجعلوا الدم علامة على صدقهم، قرن الله بهذه العلامة علامة تعارضها، وهي سلامة القميص من التمزيق المعتاد عند اعتداء الذئب على إنسان. قال ابن عباس: لما نظر إليه، قال: كذبتم لو كان الذئب أكله لخرق القميص.
حكى الماوردي أن في القميص- أي في جنسه- ثلاث آيات: حين جاؤوا عليه بدم كذب، وحين قدّ قميصه من دبر، وحين ألقي على وجه أبيه، فارتد بصيرا.
١٢- استدل الفقهاء بقصة القميص الملوث بالدم على جواز الاعتماد على الأمارات، في مسائل فقهية كالقسامة وغيرها، وأجمعوا على أن يعقوب عليه السلام استدل على كذبهم بصحة القميص وسلامته من التخرق. وهكذا على الناظر ملاحظة الأمارات والعلامات، ويقضي بالراجح منها.
١٣- الاعتصام بالصبر، والاستعانة بالله، على التزوير والظلم والكذب والمصيبة وفي المحنة والشدة، فذلك مؤذن بالفرج بعد الكرب، وباليسر بعد العسر، وهو دليل الإيمان بأن لهذا لكون ربا يفعل فيه ما يشاء.
١٤- الصبر الجميل: هو الذي لا شكوى معه، وهو أن يعرف أن منزل البلاء