آيات من القرآن الكريم

لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ

أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (٩٩)
[الأعراف: ٧/ ٩٧- ٩٩].
ثم أمر الله نبيّه أن يعلن مضمون دعوته للثّقلين: الإنس والجنّ بأن طريقته التي يتّبعها، ودعوته إلى توحيد الله، يدعو فيها هو أتباعه على تبصّر ويقين، وتأمّل وإقناع، وبرهان ساطع وحجة دامغة، وسبحان الله، أي أنزّه الله وأقدّسه من أن يكون له شريك أو نظير، وأنا بريء من جميع المشركين على اختلاف أنواعهم.
والخلاصة: إن آية قُلْ هذِهِ سَبِيلِي إشارة إلى دعوة الإسلام والشريعة الإلهية بأسرها.
العبرة من القصة القرآنية
يتذرّع أعداء الرّسالات الإلهية بذرائع واهية وشبهات قديمة من أجل تسويغ ضلالهم وكفرهم، والتماس العذر لسلوكهم ومنهاجهم، ومن شبهاتهم إنكارهم بشرية الرّسل، وأن الرسول في زعمهم ينبغي أن يكون ملكا نورانيّا، كما حكى القرآن عنهم: لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً [فصّلت: ٤١/ ١٤]. ونسوا ما يرون في الكون من آيات دالّة على صدق الرّسل، وثبوت الوحي الإلهي لهم. فإذا ما أصرّوا على كفرهم جاءهم العذاب الشامل. وعلى الناس أن يدركوا أن في إيراد القصص القرآنية عبرة وعظة لذوي العقول، وليس حديثا مفترىّ أو مكذوبا. وهذا ما أبانته الآيات التالية:
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١٠٩ الى ١١١]
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠٩) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠) لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١)

صفحة رقم 1141

«١» «٢» «٣» «٤» «٥» «٦» [يوسف: ١٢/ ١٠٩- ١١١].
الآية الأولى:.. إِلَّا رِجالًا... تتضمن الرّد على مستغربي إرسال الرّسل من البشر، كالطائفة التي قالت: أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا [الإسراء: ١٧/ ٩٤]، وكالطائفة التي اقترحت ملكا وغيرهما. والمعنى: وما أرسلنا يا محمد من قبلك رسلا إلا رجالا، لا ملائكة ولا إناثا، فهم من العنصر البشري القوي الكامل، وكانوا من أهل المدن مدنيّين، لا أعرابا من البوادي، وكنا ننزل عليهم الوحي والتشريع. وهذا يدلّ على أن الرّسل من البشر، لا من الملائكة، ومن أهل المدن المتحضّرين لا من البدائيين، ومن الذّكور الرجال، لا من النّساء، فلم تكن امرأة قطّ نبيّا ولا رسولا، ولم يبعث الله رسولا من أهل البادية، لأن فيهم عادة الجهل والجفاء، ولتتبعهم المدن الأخرى، ولأن أهل المدن أرقّ طبعا وأكثر خبرة وتلطّفا من أهل البوادي.
ثم هدّد الله المشركين على تكذيبهم بالرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم، أفلم يسر هؤلاء المكذّبون لك يا محمد في الأرض، فينظروا ويروا كيف كان مصير الأمم المكذّبة للرّسل، كيف دمّر الله عليهم، كقوم نوح وهود وصالح ولوط عليهم السّلام، وللكافرين أمثال تلك الألوان من العذاب، فإن عاقبة الكافرين الهلاك، وعاقبة المؤمنين النّجاة. ثم حضّ الله تعالى على العمل للدار الآخرة والاستعداد لها، فهي خير للذين خافوا لقاء الله، فلم يشركوا به ولم يعصوه، فهي أفضل من دار الدنيا لأولئك المشركين المكذّبين

(١) يئسوا من النّصر.
(٢) توهّم الرّسل.
(٣) كذبهم رجاؤهم النّصر في الدنيا.
(٤) عذابنا.
(٥) عظة.
(٦) يختلق.

صفحة رقم 1142

بالرّسل، أجهلتم أيها الناس الضّالّون المكذّبون بالآخرة، فلا تعقلون مصائركم، فإنكم لو عقلتم ذلك، لآمنتم واستقمتم.
ثم بشّر الله نبيّه بالنّصر بإخباره بسنّة إلهية دائمة: وهي مجيء النصر الإلهي للرّسل عليهم السّلام، عند اشتداد الأزمة وانتظار الفرج الرّباني، وتيقن الرّسل أن المشركين كذبوهم تكذيبا لا إيمان بعده، وصمموا على ذلك، وألا انحراف عنه، وتكون العاقبة هي الإتيان بنصر الله فجأة، فينجّي الله من يشاء، وهم النّبي والمؤمنون معه، ويحلّ العقاب بالمكذّبين الكافرين، ولا يردّ بأس الله، أي لا يمنع عقاب الله وبطشه عن القوم الذين أجرموا، فكفروا بالله، وكذّبوا رسله. وهذا تهديد ووعيد لكفار قريش وأمثالهم، لإعراضهم عن الإيمان بالنّبي صلّى الله عليه وسلّم وبدعوته، وبما أنزل الله من القرآن المجيد لأن في قوله تعالى: وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا أي عذابنا وعيدا بيّنا، وتهديدا صريحا لمعاصري محمد عليه الصّلاة والسّلام.
ثم أبان الله تعالى الهدف العام من قصص القرآن الكريم، فلقد كان في سرد أخبار الأنبياء المرسلين مع أقوامهم، وإنجاء المؤمنين، وإهلاك الكافرين عبرة وعظة وذكرى لأولي العقول السّوية، والأفكار الصحيحة، ولم يكن هذا القرآن المبين لقصة يوسف وغيرها حديثا مختلقا مكذوبا من دون الله لأنه كلام أعجز البلغاء والفصحاء، وإنما هو كلام الله من طريق الوحي والتّنزيل، لتصديق ما تقدمه من الكتب السماوية في صورتها الأولى الصحيحة، كالتّوراة والإنجيل والزّبور، أي تصديق ما جاء فيها من عند الله من الصحيح والحق، ونفي ما وقع فيها من تحريف وتبديل وتغيير، فالقرآن مصدق أصولها الصحيحة، وهو أيضا مهيمن عليها، وحارس لها. وفي القرآن أيضا تفصيل كل شيء من العقائد والأحكام والحلال والحرام، والمحبوب والمكروه، والأمر والنّهي، والوعد والوعيد، وهو أيضا هدى وإرشاد للعالمين إلى طريق الحق والاستقامة، وهو كذلك رحمة عامّة من الله ربّ العالمين للمؤمنين في الدنيا والآخرة.

صفحة رقم 1143
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية