
معمر عن ابن خيثم عن أبي الطفيل قال: كنت عند ابن عباس يوما فجاء بنو أبي لهب يختصمون في شيء بينهم فاقتتلوا عنده في البيت فقام يحجز بينهم فدفعه بعضهم فوقع على الفراش فغضب ابن عباس فقال: أخرجوا عني الكسب الخبيث، يعني ولده أنهم كسبة «١».
دليل هذا التأويل ما
أخبرني ابن فنجويه [... ] «٢».
أبو حمزة قال: حدّثني عمارة بن عمير التميمي عن عمته سودة قال: قالت لعائشة آكل من مال ولدي فقالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن أطيب ما أكل أحدكم «٣» من كسبه وأن ولده من كسبه» [٣٠٤] «٤».
سَيَصْلى هو سين سوف وقيل سين الوعد.
وقراءة العامة بفتح الياء الاولى وقرأ أبو رجاء بضم الياء، وقرأ شهب العقيلي بضم الياء وتشديد اللام.
ناراً ذاتَ لَهَبٍ.
[سورة المسد (١١١) : الآيات ٤ الى ٥]
وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤) فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥)
وَامْرَأَتُهُ أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان، وكانت عوراء. حَمَّالَةَ الْحَطَبِ يقال: الحديث والكذب قال: ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي: كانت تمشي بالنميمة، يقول العرب: فلان يحطب على فلان إذا ورشى «٥» وأغزى، قال: شاعرهم:
من البيض لم يصطد «٦» على ظهر لامة... ولم تمش بين الحي بالحطب الرطب «٧»
يعني لم يمش بالنمائم، وقال آخر:
فلسنا كمن يرجى المقالة شطره... يفرق العصاة الرطب والغيل اليبس «٨»
وروى معمر عن قتادة قال: كانت تعيّر رسول الله ﷺ بالفقر وكانت تحتطب فعيّرت
(٢) بياض في مصوّرة المخطوط.
(٣) في المصدر الرجل بدل أحدكم.
(٤) كنز العمال: ٤/ ٩، ح ٩٢٣٣. [.....]
(٥) التوريش: التحريش.
(٦) في المصدر: تصطه.
(٧) لسان العرب: ١/ ٣٢٢، تاج العروس: ١/ ٢١٧.
(٨) كذا في المخطوط.

بذلك، وهذا قول غير قوي، لأن الله سبحانه وصفهم بالمال والولد وحمل الحطب ليس بعيب، وقال: الضحاك وابن زيد: كانت تأتي بالشوك والعصاة فتطرحها بالليل في طريق رسول الله ﷺ ليعقرهم، وهي رواية عطية عن ابن عباس، قال الربيع بن أنس: كانت تنشر السعدان على طريق رسول الله ﷺ فيطؤه كما يطأ الحرير والفرند.
مرة الهمداني: كانت أم جميل تأتي كل يوم بإبالة من الحسك فتطرحه على طريق المسلمين فبينما هي ذات يوم حاملة حزمة أعيت فقعدت على حجر تستريح فأتاها ملك فحدّثها من خلفها فأهلكها.
وقال سعيد بن جبير: حمالة الخطايا. دليله قوله سبحانه: وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ «١»، وقول العرب: فلان يحطب على ظهره إذا أساء، فلان حاطب قريته إذا كان الجاني فيهم، وفلان محطوب عليه إذا كان مجنيا عليه.
وقراءة العامة بالرفع فيهما وأختاره أبو عبيد وأبو حاتم ولها وجهان: أحدهما: سَيَصْلى ناراً هو وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، والثاني: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ في النار أيضا.
وحجّة الرافعين ما أخبرنا محمد بن نعيم قال: أخبرنا الحسين بن أيوب قال: أخبرنا علي ابن عبد العزيز قال: أخبرنا أبو عبيد قال: حدّثنا حجاج بن هارون قال: في قراءة عبد الله وامرأته حمالةُ للحطب، وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وابن محتضر والأعرج وعاصم حَمَّالَةَ بالنصب ولها وجهان: أحدهما الحال والقطع لأن أصله وامرأته الحمالة الحطب فلما ألقيت الألف واللام نصب الكلام، والثاني على الذم والشتم كقوله سبحانه: مَلْعُونِينَ «٢».
وروى ابن أبي الزياد عن أبيه قال: كان عامة العرب يقرءون حَمَّالَةَ الْحَطَبِ وقرأ أبو قلابة وامرأته حمالةُ الحطب على فاعله، والحطب جمع واحدتها حطبة.
وقال: بعض أهل اللغة: الحطب ها هنا جمع الحاطب وهو الجانب المذنب يعني أنّها كانت تحملهم بالنميمة على معاداته، ونظيره من الكلام راصد ورصد وحارس وحرس وطالب وطلب وغائب وغيب، والعلة في تشبيههم النميمة بالحطب هي أن الحطب يوقد ويضرم كذلك النميمة، قال: أكثم بن صيفي لبنيه: أياكم والنميمة فإنّها نار محرقة وأن النمام ليعمل في ساعة ما لا يعمل الساحر في شهر، فأخذه الشاعر فقال:
أن النميمة نار ويك محرقة | فعد «٣» عنها وحارب «٤» من تعاطاها «٥» |
(٢) سورة الأحزاب: ٦١.
(٣) في المصدر: ففر.
(٤) في المصدر: وجانب.
(٥) تفسير القرطبي: ٢٠/ ٢٣٩.

ولذلك قيل: نار الحقد لا تخبوا.
والعلة الثانية: أن الحطب يصير نارا والنار سبب التفريق فكذلك النميمة، وأنشدني وأبو القاسم [الحبيبي] قال: أنشدني أبو محمد الهاراني الجويني قال:
إنّ بني الأدرم حمالو الحطب... هم الوشاة في الرضا وفي الغضب «١»
عليهم اللعنة تترى والحرب «٢».
فِي جِيدِها عنقها، قال ذو الرمة:
فعينك عينها ولونك لونها... وجيدك الا أنها غير عاطل «٣»
وجمعها أجياد، قال: الأعمش:
وبيداء تحسب آرامها... رجال إياد بأجيادها «٤»
حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ اختلفوا فيه فقال ابن عباس وعروة بن الزبير: سلسلة من حديد ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً يدخل من فيها فيخرج من دبرها ويلوى سائرها في عنقها، وقال السدي: خلق الحديد وهي السلسلة تختلف في جهنم كما يختلف الحبل والدلو في البئر، وروى الأعمش عن مجاهد: من حديد، منصور عنه: المسد: الحديدة التي تكون في البكرة، ويقال له المحور، وإليه ذهب عطاء وعكرمة، الشعبي ومقاتل: من ليف، ضحاك وغيره: في الدنيا من ليف وهو الحبل الذي كانت تحطب به فخنقها الله تعالى به فأهلكها، وفي الآخرة من نار، قتادة: قلادة من ردع، الحسن: إنما كانت خرزات في عنقها، سعيد بن المسيب: كانت لها قلادة في عنقها فاخرة فقالت لأنفقها في عداوة محمد، ابن زيد: حبال من شجر ينبت في اليمن يقال لها:
المسد وكانت تفتل، المروج من شهر الحرم والسلم والمسد في كلام العرب كل حبل غيروا أمر ليفا كان أو غيره، وأصله من المسد وهو الفتل، ودابة ممسودة الخلق إذا كانت شديدة الأسر، قال: الشاعر:
مسد أمر من أيانق... ليس بأنياب ولا حقائق «٥»
وجمعها أمساد قال: الأعشى:
تمسي فيصرف بابها من دوننا... غلقا صريف محالة الأمساد «٦»
(٢) تفسير القرطبي: ٢٠/ ٢٣٩.
(٣) جامع البيان للطبري: ٣٠/ ٤٤٣، وفيه: فعيناك عيناها.
(٤) لسان العرب: ٣/ ١٣٨.
(٥) لسان العرب: ٣/ ٤٠٢. [.....]
(٦) تفسير الطبري: ٣٠/ ٤٤٥.

وسمعت أبا القاسم الحسن بن محمد النيسابوري يقول: سمعت أبا نصر أحمد بن محمد ابن ملجان البصري يقول: سمعت بشر بن موسى الأسدي يقول: سمعت الأصمعي يقول: صلّى أربعة من الشعراء خلف إمام اسمه يحيى فقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فيتعتع فيها فقال أحدهم:
أكثر يحيى غلطا... في قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
فقال الثاني:
قام طويلا ساكتا... حتى إذا أعيا سجد
فقال الثالث:
يزجر في محرابه... زجير حبلى لولد
فقال الرابع:
كأنّما لسانه... شدّ بحبل من مسد
وفي هذه السورة دلالة واضحة على نبوة نبينا محمد ﷺ وذلك أن الله سبحانه أخبر عن مصير أبي لهب وامرأته الى النار وكانا من أحرص الناس على تكذيب النبي ﷺ فلم يحملهما ذلك على اظهار الإيمان حتى يكذبا رسول الله ﷺ بل داما على كفرهما حتى علم أن وعيد الله سبحانه إياهما وإخباره عن مصيرهما إلى النار حق وصدق.

سورة الإخلاص
مكية، وهي سبعة وأربعون حرفا، وخمس عشر كلمة، وأربع آيات
أخبرنا الإمام أبو بكر محمد بن الحسن الأصبهاني بقرائتي عليه قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس قال: حدّثنا يونس بن حبيب قال: حدّثنا أبو داود الطيالسي قال: حدّثنا شعبة عن قتادة قال: سمعت سالم بن أبي الجعد يحدث عن معد ابن أبي طلحة عن أبي الدرداء أن النبي ﷺ قال: «أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة» قلت: يا رسول الله ومن يطيق ذاك؟ قال: «اقرءوا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» [٣٠٥] «١».
وأخبرني أبو عبد الله الحسين محمد بن الفرج قال: حدّثنا محمد بن الزيرقان قال: حدّثنا مروان بن سالم عن أبي عمر مولى جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حين يدخل منزله نفت الفقر عن أهل ذلك المنزل والجيران» [٣٠٦] «٢»
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن صقلاب قال: حدّثنا ابن أبي الخصيب قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا سعيد بن المغيرة قال: حدّثنا محمد بن مروان عن أبان عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مرة بورك عليه، ومن قرأها مرّتين بورك عليه وعلى أهله، فإن قرأها ثلاث مرات بورك عليه وعلى أهله وعلى جميع جيرانه، فإن قرأها اثنتي عشر مرة بني له اثنتي عشر قصرا في الجنة ويقول الحفظة: انطلقوا بنا ننظر الى قصر أخينا، فإن قرأها مائة كفّر عنه ذنوب خمس وعشرون سنة ما خلا الدماء والأموال، فإن قرأها أربع مائة مرة كفّرت عنه ذنوب أربعمائة سنة ما خلاء الدماء والأموال، فإن قرأها ألف مرة لم يمت حتى يرى مكانه في الجنة أو يرى له» [٣٠٧] «٣».
وأخبرنا أبو عمر وأحمد بن أبي الفراتي قال: حدّثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب قال:
حدّثنا عبد الله بن جامع الحلواني قال: حدّثنا محمد بن العباس قال: حدّثنا عمر بن سعد العطار الفلزمي قال: حدّثنا ابن أبي ذئب قال: حدّثنا محمد بن غيلان عن أبي حازم عن سهل
(٢) مجمع الزوائد: ١٠/ ١٢٨.
(٣) بتمامه في تفسير مجمع البيان: ١٠/ ٤٧٩.

ابن سعد قال: جاء رجل الى النبي ﷺ فشكا إليه الفقر وضيق المعاش فقال له: رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إذا دخلت بيتك فسلم إن كان فيه أحد وان لم يكن فيه أحد فسلّم (عليّ) «١» وأقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مرة واحدة» [٣٠٨] «٢» ففعل الرجل فأدرّ الله عليه رزقا حتى أفاض على جيرانه.
وأخبرنا أبو الحسين عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن يحيى قال: حدّثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد بن بشر قال: حدّثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني قال: حدّثنا يزيد بن هارون قال: حدّثنا العلاء أبو محمد الثقفي قال: سمعت أنس بن مالك قال: كنا مع رسول الله ﷺ بتبوك فطلعت الشمس بضياء وشعاع ونور لم أرها طلعت فيما مضى فأتى جبريل رسول الله ﷺ فقال: يا جبريل مالي أرى الشمس اليوم طلعت بضياء ونور وشعاع لم أرها طلعت فيما مضى فقال: ذاك أن معاوية بن معاوية الليثي مات بالمدينة اليوم فبعث الله سبحانه إليه سبعين ألف ملك يصلّون عليه قال: وفيم ذاك؟ قال: كان يكثر قراءة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ بالليل والنهار وفي ممشاه وقيامه وقعوده، فهل لك يا رسول الله أن أقبض لك الأرض فتصلي عليه قال: «نعم» [٣٠٩] «٣» فصلى عليه ثم رجع.
وأخبرنا أحمد بن أبي قال: حدّثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب قال: حدّثنا محمد بن عيسى بن يزيد قال: حدّثنا سليمان بن داود المنقري قال: حدّثنا عبد العزيز بن محمد عن عبد الله بن عمر عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رجلا كان يصلي على عهد النبي ﷺ فكان لا يقرأ في الصلاة إلا قرأ في أثرها قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فذكر ذلك لرسول الله ﷺ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما حملك على لزومها» ؟ فقال: يا رسول الله، إني أحبها.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حبك إياها يدخلك الجنة» [٣١٠] «٤».
وأخبرنا ناقل بن راقم بن أحمد البابي قال: حدّثنا علي بن الحسن بن بختيار قال: حدّثنا أبو إبراهيم القطان قال: حدّثنا عثمان بن عبد الله القرشي قال: حدّثنا سلمة بن سنان عن محمد ابن المنكدر أن رسول الله ﷺ قال: «نزل ملك من السماء السابعة وخرج من الأرض السابعة ملك فالتقيا على هذه الأرض فقال الذي نزل من السماء: قد رفعت اليوم عملا لم أرفع مثله، قال: الذي خرج من تحت الأرض: ما ذاك؟ قال: قرأ رجل قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مائة مرة قال:
ما صنع به؟ قال: غفر الله له» [٣١١].
وأخبرني محمد بن القاسم قال: حدّثنا محمد بن يزيد قال: حدّثنا أبو يحيى البزاز قال:
(٢) تفسير نور الثقلين: ٥/ ٧٠٥.
(٣) مجمع الزوائد: ٩/ ٣٧٧.
(٤) سنن الترمذي: ٤/ ٢٤٣، بتفاوت بسيط.