
الظالمين بسبب ظلمهم صيحة العذاب كالتى أخذت ثمود فأصبحوا جميعا باركين على ركبهم مكبين على وجوههم فى ديارهم.
(كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها) أي كأنهم لم يقيموا فيها متصرفين فى أطرافها متقلبين فى أكنافها.
ثم دعا عليهم بالهلاك فقال:
(أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ) أي هلاكا لهم وبعدا من رحمة الله كما بعدت من قبلهم ثمود من رحمته بإنزال سخطه بهم.
والخلاصة- إن الله أرسل على كل من ثمود ومدين صاعقة ذات صوت شديد فرجفت أرضها، وزلزلت من شدتها، وخروا ميتين، وكانت صاعقتها أشد من الصاعقة التي أخذت بنى إسرائيل حين قالوا (أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً) وقد أحياهم الله عقبها، لأن هذه تربية لقوم نبىّ فى حضرته، وتلك صاعقة كانت عذاب خزى لمشركين ظالمين معاندين أنجى الله نبىّ كل منهما ومؤمنيهما قبلها.
قصة موسى وفرعون
[سورة هود (١١) : الآيات ٩٦ الى ٩٩]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٩٦) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (٩٧) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (٩٩)
تفسير المفردات
الآيات: هى الآيات التسع المعدودة فى سورة الإسراء والمفصّلة فى سورة الأعراف وغيرها، والسلطان المبين: هو ما آتاه الله من الحجة البالغة فى محاوراته مع فرعون

وملئه، والملأ: أشراف القوم وزعماؤهم، وما أمر فرعون: أي ما شأنه وتصرفه، برشيد: أي بذي رشد وهدى، وقدم يقدم (كنصر ينصر) : تقدم، فأوردهم النار:
أي أدخلهم إياها، والورد بلوغ الماء فى مورده من نهر وغيره، والمورود: الماء والمراد به هنا النار، وأتبعوا: أي وألحقت به لعنة، والرفد: (بالكسر) : العطاء والعون فيقال رفده وأرفده: أعانه وأعطاه، والمرفود: المعطى.
المعنى الجملي
ذكر سبحانه فى هذه الآيات قصص موسى مع فرعون وملئه للإعلام بأن عاقبة فرعون وأشراف قومه اللعنة والهلاك ككفار أولئك الأقوام الظالمين وإن كان عذاب الخزي وهو الغرق فى البحر لم يعمّ جميع قومه، بل لحق من اتبع موسى وسار أثره للأسباب التي سلف ذكرها فى سورة الأعراف.
الإيضاح
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) أي ولقد أرسلنا موسى إلى فرعون وملئه مصحوبا بآيات بينات دالة على توحيد الله، وفيها السلطان المبين، والحجة الواضحة على صدق نبوته، وإنما خص الملأ بالذكر وقد أرسل إلى قومه جميعا، لأنهم أهل الحل والعقد والاستشارة فى دولته، ويعهد إليهم يتنفيذ ما يقرره من الأمور، فغيرهم يكون تبعا لهم فى كل ما يأتون ويذرون.
(فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ) فى كل ما قرره من الكفر بموسى وردّ ما جاءهم به من عند الله، وتشديد الظلم على بنى إسرائيل بتقتيل أبنائهم واستحياء نسائهم إلى نحو أولئك مما جاء فى السور الأخرى مفصلا.
(وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) أي وما شأنه وتصرفه بصالح حميد العاقبة، بل هو محض غىّ وضلال، ظلم وفساد، لغروره بنفسه، وكفرانه بربه، وطغيانه فى حكمه.

ثم ذكر جزاءه مع قومه فى الآخرة فقال:
(يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) أي يتقدم قومه يوم القيامة ويكونون تبعا له كما كانوا تابعين فى الدنيا إلا من آمن، فيوردهم جهنم معه: أي يدخلهم إياها.
وقد ورد أن آله يعرضون على النار منذ ماتوا صباحا ومساء من كل يوم كما قال تعالى: «وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ. النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ».
(وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) أي وبئس الورد الذي يردونه النار، لأن وارد الماء إنما يرده لتبريد كبده وإطفاء غلّته من حر الظمأ، ووارد النار يحترق فيها احتراقا.
قال ابن عباس رضى الله عنه فى الآية: الورود الدخول وقد ذكر فى أربعة مواضع:
فى هود «وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ» وفى مريم «وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها» وفى الأنبياء «حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ» وفى مريم أيضا «وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً» وكان يقول: والله ليردنّ جهنم كلّ برّ وفاجر «ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا».
(وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) أي وألحقت بهم لعنة عظيمة ممن بعدهم من الأمم، ويوم القيامة أيضا يلعنهم أهل الموقف جميعا فهى تابعة لهم حيثما ساروا، ودائرة أينما داروا.
والآية بمعنى قوله: «وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ» وقد سمى الله هذه اللعنات رفدا تهكّما بهم فقال:
(بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) أي بئس العطاء المعطى هذه اللعنة التي أتبعوها فى الدنيا والآخرة.