آيات من القرآن الكريم

وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ

وَالتَّوْفِيقُ: جَعْلُ الشَّيْءِ وَفْقًا لِآخَرَ، أَيْ طِبْقًا لَهُ، وَلِذَلِكَ عَرَّفُوهُ بِأَنَّهُ خَلْقُ الْقُدْرَةِ والدّاعية إِلَى الطَّاعَةِ.
وَجُمْلَة عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ، أَوْ مِنْ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ فِي قَوْلِهِ: تَوْفِيقِي لِأَنَّ الْمُضَافَ هُنَا كَالْجُزْءِ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ فَيُسَوِّغُ مَجِيءَ الْحَالِ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ.
وَالتَّوَكُّلُ مَضَى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [١٥٩].
وَالْإِنَابَةُ تَقَدَّمَتْ آنِفًا فِي قَوْلِهِ: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ [هود: ٧٥].
[٨٩، ٩٠]
[سُورَة هود (١١) : الْآيَات ٨٩ إِلَى ٩٠]
وَيا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (٨٩) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (٩٠)
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى النُّكْتَةِ فِي إِعَادَةِ النِّدَاءِ فِي الْكَلَامِ الْوَاحِدِ لِمُخَاطَبٍ مُتَّحِدٍ قَرِيبًا.
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى لَا يَجْرِمَنَّكُمْ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا فِي أَوَّلِ الْعُقُودِ [٢]، أَيْ لَا يَكْسِبَنَّكُمْ.
وَالشِّقَاقُ: مَصْدَرٌ شَاقَّهُ إِذَا عَادَاهُ. وَقَدْ مَضَتْ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: لِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فِي أَوَّلِ الْأَنْفَالِ [١٣].
وَالْمَعْنَى: لَا تَجُرُّ إِلَيْكُمْ عَدَاوَتُكُمْ إِيَّايَ إِصَابَتَكُمْ بِمِثْلِ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ إِلَى آخِرِهِ، فَالْكَلَامُ فِي ظَاهِرِهِ أَنَّهُ يَنْهَى الشِّقَاقَ أَنْ يُجَرَّ إِلَيْهِمْ ذَلِكَ. وَالْمَقْصُودُ

صفحة رقم 146

نَهْيُهُمْ عَنْ أَنْ يَجْعَلُوا الشِّقَاقَ سَبَبًا لِلْإِعْرَاضِ عَنِ النَّظَرِ فِي دَعْوَتِهِ، فَيُوقِعُوا أَنْفُسَهُمْ فِي أَنْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ مِثْلَ مَا أَصَابَ الْأُمَمَ قَبْلَهُمْ فَيَحْسَبُوا أَنَّهُمْ يَمْكُرُونَ بِهِ بِإِعْرَاضِهِمْ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ.
وَلَقَدْ كَانَ فَضْحُ سُوءِ نَوَايَاهُمُ الدَّاعِيَةِ لَهُمْ إِلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ دَعْوَتِهِ عَقِبَ إِظْهَارِ حُسْنِ نِيَّتِهِ مِمَّا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى مَا أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ [هود: ٨٨] مُصَادِفًا مَحَزَّ جَوْدَةِ الْخَطَابَةِ إِذْ رَمَاهُمْ بِأَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ بِضِدِّ مَا يُعَامِلُهُمْ بِهِ.
وَجُمْلَةُ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ النَّصْبِ فِي قَوْلِهِ:
أَنْ يُصِيبَكُمْ وَالْوَاوُ رَابِطَةُ الْجُمْلَةِ. وَلِمَعْنَى الْحَالِ هُنَا مَزِيدُ مُنَاسَبَةٍ لِمَضْمُونِ جُمْلَتِهَا إِذِ اعْتُبِرَ قُرْبُ زَمَانِهِمْ بِالْمُخَاطِبِينَ كَأَنَّهُ حَالَةٌ مِنْ أَحْوَالِ الْمُخَاطَبِينَ.
وَالْمُرَادُ بِالْبُعْدِ بُعْدُ الزَّمَنِ وَالْمَكَانِ وَالنَّسَبِ، فَزَمَنُ لُوطٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- غَيْرُ بَعِيدٍ فِي زَمَنِ شُعَيْبٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَالدِّيَارُ قَرِيبَةٌ مِنْ دِيَارِهِمْ، إِذْ مَنَازِلُ مَدْيَنَ عِنْدَ عَقَبَةِ أَيْلَةَ مُجَاوِرَةٌ مَعَانٍ مِمَّا يَلِي الْحِجَازَ، وَدِيَارُ قَوْمِ لُوطٍ بِنَاحِيَةٍ الْأُرْدُنِّ إِلَى الْبَحْرِ الْمَيِّتِ وَكَانَ مَدْيَنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- وَهُوَ جَدُّ الْقَبِيلَةِ الْمُسَمَّاةِ بِاسْمِهِ، مُتَزَوِّجًا بِابْنَةِ لُوطٍ.
وَجُمْلَةُ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي.
وَجُمْلَةُ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ تَعْلِيل الْأَمر بِاسْتِغْفَارِهِ وَالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ، وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِمَا
يَقْتَضِيهِ الْأَمْرُ مِنْ رَجَاءِ الْعَفْوِ عَنْهُمْ إِذَا اسْتَغْفَرُوا وَتَابُوا.
وَتَفَنَّنَ فِي إِضَافَةِ الرَّبِّ إِلَى ضَمِيرِ نَفْسِهِ مَرَّةً وَإِلَى ضَمِيرِ قَوْمِهِ أُخْرَى لِتَذْكِيرِهِمْ بِأَنَّهُ رَبُّهُمْ كَيْلَا يَسْتَمِرُّوا عَلَى الْإِعْرَاضِ وَلِلتَّشَرُّفِ بِانْتِسَابِهِ إِلَى مَخْلُوقِيَّتِهِ.
وَالرَّحِيمُ تَقَدَّمَ.

صفحة رقم 147
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية