آيات من القرآن الكريم

وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ

وهذه الآية تبين لنا أن الحق سبحانه لا يغلق أمام العاصي حتى المُصِرّ على شيء من المعصية باب التوبة.
ويقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «الله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة».

صفحة رقم 6625

ولنا أن نتخيل بماذا يشعر من فقد بعيره؛ وهذا البعير يحمل زاد صاحبه ورَحْله؛ ثم يعثر الرجل على بعيره هذا.
لا بد إذن أن يفرح صاحب البعير بالعثور عليه.
والحق سبحانه يقول هنا ما جاء على لسان شعيب عليه السلام لقومه:
﴿واستغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ﴾ [هود: ٩٠].
وما دمتم ستستغفرونه عن الذنوب الماضية؛ وتتوبون إليه؛ بألا تعودوا إلى ارتكابها مرة أخرى؛ فالحق سبحانه لا يرد مَنْ قصد بابه: ﴿إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾ [هود: ٩٠] لأن مغفرته تستر العذاب، ورحمته تمنع العذاب.
وجاء الحق سبحانه هنا بأوسع المعاني: المغفرة، والرحمة، ومعهما صفته «الودود» ؛ وهي من الود؛ والود هو الحب؛ والحب يقتضي العطف على قدر حاجة المعطوف عليه.
ولله المثل الأعلى: نرى الأم ولها ولدان: أولهما قادر ثري يأتي لها بما تريد؛ وثانيهما ضعيف فقير؛ فنجد قلب الأم دائماً مع هذا الضعيف الفقير؛ وتحنِّن قلب القويِّ القادر على الفقير الضعيف.
ونجد المرأة العربية القديمة تجيب على من سألها: أي أبنائك أحب إليك؟ فتقول: الصغير حتى يكبر؛ والغائب حتى يعود؛ والمريض حتى يشفى.
إذن: فالحب يقتضي العطف على قدر الحاجة.
ويقول الحق سبحانه في الحديث القدسي:
«يا بن آدم؛ لا تَخَافنَّ من ذي سلطان؛ ما دام سلطاني باقياً؛ وسلطاني لا ينفد أبداً. يا بن آدم لا تَخْشَ من ضيق رزق؛ وخزائني ملآنة، وخزائني

صفحة رقم 6626

لا تنفد أبداً. يا بن آدم خلقتك للعبادة؛ فلا تلعب، وضمنت لك رزقك فلا تتعب، فَوَعِزَّتي وجلالي إن رضيت بما قسمتُه لك أرحتُ قلبك وبدنك؛ وكنتَ عندي محموداً؛ وإن أنت لم ترض بما قسمتُه لك؛ فوعزتي وجلالي لأسلِّطنَّ عليك الدنيا، تركض فيها ركض الوحوش في البرية؛ ثم لا يكون لك منها إلا ما قسمته لك. يا بن آدم خلقت السموات والأرض ولم أعْيَ بخلقهنَّ؛ أيعييني رغيف عيش أسوقه لك؟ يا بن آدم لا تسألني رزق غد كما أطلب منك عمل غدٍ. يا بن آدم أنا لك مُحِبٌّ؛ فبحقي عليك كنْ لي مُحِبّاً».
وهذا الحديث الكريم يبيِّن مدى مودة الله سبحانه لخلقه؛ تلك المودة التي لا تستوعبها القلوب المشركة.
ويأتي الحق سبحانه وتعالى بعد ذلك بقول أهل مدين رَدّاً على شعيب عليه السلام: ﴿قَالُواْ ياشعيب مَا نَفْقَهُ كَثِيراً﴾

صفحة رقم 6627
تفسير الشعراوي
عرض الكتاب
المؤلف
محمد متولي الشعراوي
الناشر
مطابع أخبار اليوم
سنة النشر
1991
عدد الأجزاء
20
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية