
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الله الذي إليه مرجعكم أيها الناس جميعًا، (وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام)، يقول: أفيعجز من خلق ذلك من غير شيء أن يعيدكم أحياءً بعد أن يميتكم؟
* * *
وقيل: إن الله تعالى ذكره خلق السموات والأرض وما فيهن في الأيام الستة، فاجتُزِئَ في هذا الموضع بذكر خلق السموات والأرض، من ذكر خلق ما فيهنّ.
١٧٩٧١- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني إسماعيل بن أمية، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع، مولى أم سلمة، عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله ﷺ بيدي فقال: خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبثّ فيها من كل دابة يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل. (١)

١٧٩٧٢- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: (في ستة أيام)، قال: بدأ خلق الأرض في يومين، وقدّر فيها أقواتها في يومين.
١٧٩٧٣- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن كعب قال: بدأ الله خلق السموات والأرض يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وفرغ منها يوم الجمعة، فخلق آدم في آخر ساعة من يوم الجمعة. قال: فجعل مكان كل يوم ألف سنة.
١٧٩٧٤- وحدثت عن المسيب بن شريك، عن أبي روق، عن الضحاك: (وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام)، قال: من أيام الآخرة، كل يوم مقداره ألف سنة. ابتدأ في الخلق يوم الأحد، وختم الخلق يوم الجمعة، فسميت "الجمعة"، وسَبَت يوم السبت فلم يخلق شيئًا
* * *
وقوله: (وكان عرشه على الماء)، يقول: وكان عرشه على الماء قبل أن يخلق السموات والأرض وما فيهن، (١) كما:-
١٧٩٧٥- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (وكان عرشه على الماء)، قبل أن يخلق شيئًا.
١٧٩٧٦- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه.

١٧٩٧٧- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
١٧٩٧٨- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وكان عرشه على الماء)، ينبئكم ربكم تبارك وتعالى كيف كان بدء خلقه قبل أن يخلق السموات والأرض.
١٧٩٧٩- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وكان عرشه على الماء)، قال: هذا بدء خلقه قبل أن يخلق السماء والأرض.
١٧٩٨٠- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن يعلى بن عطاء. عن وكيع بن حُدُس، عن عمه أبي رزين العقيلي قال: قلت: يا رسول الله، أين كان ربُّنا قبل أن يخلق السموات والأرض؟ قال: في عَمَاءٍ، (١)
ما فوقه هواء، وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء. (٢)
١٧٩٨١- حدثنا ابن وكيع، ومحمد بن هارون القطان الرازقي قالا حدثنا يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن
(٢) الأثر: ١٧٩٨٠ - " حماد "، هو " حماد بن سلمة "، مضى مرارًا. " ويعلى بن عطاء العامري الطائفي "، ثقة، مضى برقم: ٢٨٥٨، ١١٥٢٧، ١١٥٢٩، ١٦٥٧٩. " ووكيع بن حدس "، أو " ابن عدس " أبو مصعب العقيلي الطائفي، ذكره ابن حبان في الثقات. مترجم في التهذيب، والكبير ٤ / ٢ / ١٧٨، وابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ٣٦. " وأبو رزين العقيلي "، هو " لقيط بن عامر بن المنتفق " أو " لقيط بن صبرة "، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، مضى برقم: ٣٢٢٣ مضى التفريق هناك بينه وبين " لقيط بن صبرة "، وهذا الخبر رواه الطبري في تاريخه ١: ١٩ من هذه الطريق نفسها. ورواه أحمد في مسنده ٤: ١١ من طريق يزيد بن هارون عن حماد، وص: ١٢ من طريق بهز، عن حماد.
ورواه الترمذي في التفسير، من طريق يزيد بن هارون، وقال: " هذا حديث حسن ". ورواه ابن ماجه في سننه ١: ٦٤، رقم: ١٨٢، من طريق يزيد. انظر الأثر التالي رقم: ١٧٩٨١.

حُدُس، عن عمه أبي رزين قال: قلت: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: كان في عَماء ما فوقه هواء، وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء. (١)
١٧٩٨٢- حدثنا خلاد بن أسلم قال، أخبرنا النضر بن شميل قال، أخبرنا المسعودي قال، أخبرنا جامع بن شداد، عن صفوان بن محرز، عن ابن حصين، وكان من أصحاب رسول الله ﷺ قال: أتى قومٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فدخلوا عليه، فجعل يبشِّرهم ويقولون: أعطنا! حتى ساء ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرجوا من عنده. وجاء قوم آخرون فدخلوا عليه، فقالوا: جئنا نسلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونتفقه في الدين، ونسأله عن بدء هذا الأمر؟ قال: فاقبلوا البشرى إذ لم يقبلها أولئك الذين خرجوا! قالوا: قبلنا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان الله ولا شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر قبل كل شيء، ثم خلق سبع سماوات. ثم أتاني آت فقال: تلك ناقتك قد ذهبت، فخرجتُ ينقطع دونها السَّراب، (٢)
" محمد بن هارون القطان الرازقي "، شيخ الطبري، هكذا جاء في المخطوطة أيضًا، ومثله في التاريخ بغير " الرازقي "، ولم أجد ذلك في الذي بين يدي من الكتب. وشيخ الطبري الذي مر مرارًا هو " محمد بن هارون بن إبراهيم الربعي الحربي البزاز "، أبو نشيط "، وجائز أن يكون وضع " القطان " مكان " البزاز " فهما متقاربان في المعنى. أما " الرازقي "، فهذا مشكل. إنما يقال له " الحربي " أو " الربعي " وقد مضى " أبو نشيط " برقم: ٩٥١١، ١٠٣٧١، ١٤٢٩٤.
(٢) هكذا في المخطوطة: " ينقطع دونها السراب "، وهو صواب، ودليله رواية أحمد في مسنده " فإذا السراب ينقطع بيني وبينها "، بمعنى " ينتهي "، كما يقال: " منقطع الوادي أو الرمل "، حيث ينتهي إليه طرفه. يريد: ينتهي الطرف إلى منتهى السراب من قبل بصره، فهو لا يراها. وروى صاحب اللسان حديث أبي ذر " فإذا هي يقطع دونها السراب " (بضم الياء وفتح القاف وتشديد الطاء)، وقال: أي تسرع إسراعًا كثيرًا تقدمت به وفاتت، حتى إن السراب يظهر دونها، أي من ورائها، لبعدها في البر. أما الحافظ ابن حجر في شرح حديث عمران بن حصين هذا، فقد شرح رواية البخاري وهي " فإذا هي يقطع دونها السراب " وقال: يقطع، بفتح أوله، أي: يحول بيني وبين رؤيتها السراب "، (الفتح ٦: ٢٠٧).

ولوددتُ أنّي تركتها. (١)
١٧٩٨٣- حدثنا محمد بن منصور قال، حدثنا إسحاق بن سليمان قال، حدثنا عمرو بن أبي قيس، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: (وكان عرشه على الماء)، قال: كان عرش الله على الماء، ثم اتخذ لنفسه جنّةً، ثم اتخذ دونها أخرى، ثم أطبقهما بلؤلؤة واحدة قال: (ومن دونهما جنتان)، [سورة الرحمن: ٦٢]، قال: وهي التي

(لا تَعْلَمُ نَفْس) = أو قال: وهما التي لا تعلم نفس (مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، [سورة السجدة: ١٧]. قال: وهي التي لا تعلم الخلائق ما فيها = أو: ما فيهما = يأتيهم كل يوم منها = أو: منهما = تحفة.
١٧٩٨٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبير قال: سئل ابن عباس عن قول الله: (وكان عرشه على الماء)، قال: على أي شيء كان الماء؟ قال: على متن الريح. (١)
١٧٩٨٥- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير قال: سُئل ابن عباس عن قوله: (وكان عرشه على الماء)، على أي شيء كان الماء؟ قال: على متن الريح. (٢)
١٧٩٨٦- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن سعيد، عن ابن عباس، مثله. (٣)
١٧٩٨٧-.... قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا مبَشّر الحلبي، عن أرطاة بن المنذر قال: سمعت ضمرة يقول: إن الله كان عرشه على الماء، وخلق السموات والأرض بالحق، وخلق القلم فكتب به ما هو خالق وما هو كائن من خلقه، ثم إن ذلك الكتاب سبّح الله ومجّده ألف عام قبل أن يخلق شيئًا من الخلق. (٤)
وسيأتي في الذي يليه من طريق الأعمش، عن سعيد بن جبير، بلا واسطة. والأعمش يروي عن سعيد بن جبير. ورواه الطبري في تاريخه من هذه والطريق نفسها ١: ٢٠، ٢١.
(٢) الأثر: ١٩٧٨٦ - هو مكرر الأثرين السالفين، من طريق الأعمش، عن سعيد بن جبير، بلا واسطة، ورواه بها الطبري في تاريخه ١: ٢١.
(٣) الأثر: ١٩٧٨٦ - مكرر الثرين السالفين، ورواه الطبري في تاريخه منها ١: ٢١.
(٤) الأثر: ١٧٩٨٧ - " مبشر الحلبي "، هو " مبشر بن إسماعيل الحلبي "، روى له الجماعة، مضى برقم: ١٧٠٠١، وكان في المطبوعة: " ميسر "، وهو خطأ.
و" أرطاة بن المنذر السكوني "، ثقة، من أتباع التابعين، مترجم في التهذيب، والكبير ١ / ٢ / ٥٨ وابن أبي حاتم ١ / ١ / ٣٢٦. " وضمرة بن حبيب بن صهيب الزبيدي " ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير ٢ / ٢ ٣٣٨، وابن أبي حاتم ٢ / ١ / ٤٦٧. وهذا الخبر رواه أبو جعفر في تاريخه ١: ٢١ من هذه الطريق نفسها.

١٧٩٨٨- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال حدثني عبد الصمد بن معقل قال: سمعت وهب بن منبه يقول: إن العرش كان قبل أن يخلق الله السموات والأرض، ثم قبض من صَفاة الماء [قبضة]، (١) ثم فتح القبضة فارتفع دخانًا (٢)، ثم قضاهُنّ سبع سماوات في يومين. ثم أخذ طينة من الماء فوضعها مكان البيت، ثم دحا الأرض منها، ثم خلق الأقوات في يومين والسموات في يومين وخلق الأرض في يومين، ثم فرغ من آخر الخلق يوم السابع. (٣)
* * *
وقوله: (ليبلوكم أيكم أحسن عملا)، يقول تعالى ذكره: وهو الذي خلق السموات والأرض أيها الناس، وخلقكم في ستة أيام = (ليبلوكم)، يقول: ليختبركم (٤) = (أيكم أحسن عملا)، يقول: أيكم أحسن له طاعة، كما:-
١٧٩٨٩- حدثنا عن داود بن المحبر قال، حدثنا عبد الواحد بن زيد، عن كليب بن وائل، عن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه تلا
(٢) في المطبوعة: " ثم قبض قبضة من صفاء الماء "، لم يحسن قراءة ما في المخطوطة، فغيرها. وزدت " قبضة " بين قوسين، من رواية هذا الخبر، بغير هذا الإسناد، في تاريخ الطبري. " وصفاة الماء "، كأنه عنى بها " الزبدة البيضاء " المذكورة في الأثر رقم: ٢٠٤٤، ٧٤٢٨، وفي الدر المنثور ٣: ٣٢٢، من حديث الربيع بن أنس: " كان عرشه على الماء، فلما خلق السماوات والأرض، قسم ذلك الماء قسمين، فجعل صفاء (صفاة) تحت العرش، وهو البحر المسجور، فلا تقطر منه قطرة حتى ينفخ في الصور، فينزل منه مثل الطل، وتنبت منه الأجسام ".
(٣) في الأثر: ١٧٩٨٨ - رواه الطبري في تاريخه ١: ٢٠ من طريق محمد بن سهل بن عسكر، عن إسماعيل بن عبد الكريم، مختصرًا.
(٤) انظر تفسير " البلاء " فيما سلف ١٣: ٤٤٨، تعليق: ٣، والمراجع هناك.

هذه الآية: (ليبلوكم أيكم أحسن عملا)، قال: أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله، وأسرع في طاعة الله؟ (١)
١٧٩٩٠- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: (ليبلوكم أيكم أحسن عملا)، يعني الثقلين.
* * *
وقوله: (ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين)، يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولئن قلت لهؤلاء المشركين من قومك: إنكم مبعوثون أحياء من بعد مماتكم! فتلوت عليهم بذلك تنزيلي ووحيي = (ليقولن إن هذا إلا سحر مبين)، أي: ما هذا الذي تتلوه علينا مما تقول، إلا سحر لسامعه، مبينٌ لسامعه عن حقيقته أنه سحر. (٢)
* * *
وهذا على تأويل من قرأ ذلك: (إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ)،
* * *
(٢) في المطبوعة: " إلا سحر لسامعه مبين حقيقته أنه سحر "، وفي المخطوطة: " إلا سحر لسامعه عن حقيقته أنه سحر "، وبين " سحر " و " لسامعه " حرف " ط " دلالة على الخطأ. وصواب العبارة ما أثبته إن شاء الله. وانظر تفسير " السحر " فيما سلف ص: ١٥٩، تعليق: ١، والمراجع هناك.
= وتفسير " مبين " فيما سلف من فهارس اللغة (بين).