آيات من القرآن الكريم

قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ ۖ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ
ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜﰝﰞﰟﰠ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﰿ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ

قَوْمِ هُودٍ عطف بيان لعاد: فإن قلت: ما الفائدة في هذا البيان «١» والبيان حاصل بدونه؟
قلت: الفائدة فيه أن يوسموا بهذه الدعوة وسما، وتجعل فيهم أمراً محققاً لا شبهة فيه بوجه من الوجوه، ولأنّ عاداً عادان: الأولى القديمة التي هي قوم هود والقصة فيهم، والأخرى إرم.
[سورة هود (١١) : الآيات ٦١ الى ٦٨]
وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (٦١) قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٦٢) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (٦٣) وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (٦٤) فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (٦٥)
فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (٦٦) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٦٧) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (٦٨)

(١). قال محمود: «إن قلت ما الفائدة في هذا البيان وجعل قوم هود عطف بيان على عاد... الخ» قال أحمد:
فيه أيضا فائدتان جليلتان، إحداهما: النسبة بذكر هود الذي إنما استحقوا الهلاك بسببه على موجب الدعاء عليهم، وكأنه قيل: عاد قوم هود الذي كذبوه، والأخرى تناسب الآي بذلك، فان قبلها وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وقبل ذلك حفيظ وغليظ، وغير ذلك مما هو على وزن فعيل المناسب لفعول في القوافي، والله أعلم.

صفحة رقم 406

هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ لم ينشئكم منها إلا هو، ولم يستعمركم فيها غيره. وإنشاؤهم منها خلق آدم من التراب وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها وأمركم بالعمارة، والعمارة متنوعة إلى واجب وندب ومباح ومكروه، وكان ملوك فارس قد أكثروا من حفر الأنهار وغرس الأشجار، وعمروا الأعمار الطوال، مع ما كان فيهم من عسف الرعايا، فسأل نبى من أنبياء زمانهم ربه عن سبب تعميرهم، فأوحى إليه: إنهم عمروا بلادي فعاش فيها عبادي. وعن معاوية بن أبى سفيان أنه أخذ في إحياء الأرض في آخر أمره، فقيل له، فقال: ما حملني عليه إلا قول القائل:

لَيْسَ الفَتَى بِفَتيً لَا يُسْتَضَاءُ بِهِ وَلَا تَكُونُ لَهُ فِى الأَرْضِ آثَارُ «١»
وقبل: استعمركم من العمر، نحو استبقاكم من البقاء، وقد جعل من العمرى. وفيه وجهان، أحدهما: أن يكون استعمر في معنى أعمر، كقولك استهلكه في معنى أهلكه، ومعناه: أعمركم فيها دياركم، ثم هو وارثها منكم عند انقضاء أعماركم. والثاني أن يكون بمعنى جعلكم معمرين دياركم فيها، لأنّ الرجل إذا ورّث داره من بعده فكأنما أعمره إياها، لأنه يسكنها عمره ثم يتركها لغيره قَرِيبٌ دانى الرحمة سهل المطلب مُجِيبٌ لمن دعاه وسأله فِينا فيما بيننا مَرْجُوًّا كانت تلوح فيك مخايل الخير وأمارات الرشد فكنا نرجوك لننتفع بك، وتكون مشاوراً في الأمور ومسترشداً في التدابير، فلما نطقت بهذا القول انقطع رجاؤنا عنك وعلمنا أن لا خير فيك. وعن ابن عباس: فاضلا خيرا نقدّمك على جميعنا. وقيل: كنا نرجو أن تدخل في ديننا وتوافقنا على ما نحن عليه يَعْبُدُ آباؤُنا حكاية حال ماضية مُرِيبٍ من أرابه إذا أوقعه في الريبة وهي قلق النفس وانتفاء الطمأنينة باليقين. أو من «أراب الرجل» إذا كان ذا ريبة على الإسناد المجازى. قيل إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي بحرف الشك وكان على
(١). قوله «بفتى» خبر ليس. و «لا يستضاء به» صفته. ويجوز أنه حال من الفتى الأول، شبهه في حسن الرأى وهداية المستشير بسراج منير. ويمكن أن شبهه بكوكب في السماء، ليقابل الأرض بعده. والجامع ما مر. ويجوز أن الجامع أنه يكشف غمة الفقر، كما أن المشية به يكشف ظلمة الليل، وعلى كل حال فالاستضاءة تخييل. روى أنه قيل لمعاوية: لم أكثرت من حفر الأنهار وغرس الأشجار وإحياء القفار؟ فقال: ما حملني عليه إلا هذا البيت، فالآثار هي ما كان يفعله. ويحتمل أنها المكارم الموجبة للثناء بعد الفناء. [.....]

صفحة رقم 407

يقين أنه على بينة، لأنّ خطابه للجاحدين، فكأنه قال: قدّروا أنى على بينة من ربى، وأنى نبىّ على الحقيقة، وانظروا إن تابعتكم وعصيت ربى في أوامره، فمن يمنعني من عذاب الله؟ فَما تَزِيدُونَنِي إذن حينئذ «١» غَيْرَ تَخْسِيرٍ يعنى تخسرون أعمالى وتبطلونها. أو فما تزيدونني بما تقولون لي وتحملوننى عليه غير أن أخسركم، أى أنسبكم إلى الخسران وأقول لكم إنكم خاسرون آيَةً نصب على الحال قد عمل فيها ما دلّ عليه اسم الإشارة من معنى الفعل. فإن قلت:
فبم يتعلق لَكُمْ قلت: بآية حالا منها متقدّمة، لأنها لو تأخرت لكانت صفة لها، فلما تقدمت انتصبت على الحال عَذابٌ قَرِيبٌ عاجل لا يستأجر عن مسكم لها بسوء إلا يسيراً، وذلك ثلاثة أيام ثم يقع عليكم تَمَتَّعُوا استمتعوا بالعيش فِي دارِكُمْ في بلدكم. وتسمى البلاد الديار، لأنه يدار فيها أى يتصرف. يقال: ديار بكر، لبلادهم. وتقول العرب الذين حوالى مكة:
نحن من عرب الدار، يريدون من عرب البلد. وقيل: في دار الدنيا. وقيل: عقروها يوم الأربعاء وهلكوا يوم السبت غَيْرُ مَكْذُوبٍ غير مكذوب فيه، فاتسع في الظرف بحذف الحرف وإجرائه مجرى المفعول به، كقولك: يوم مشهود، من قوله:
وَيَوْمَ شَهِدْنَاهُ. «٢»....
أو على المجاز، كأنه قيل للوعد: نفى بك، فإذا وفي به فقد صدق ولم يكذب. أو وعد غير كذب، على أنّ المكذوب مصدر كالمجلود والمعقول، وكالمصدوقة بمعنى الصدق وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ قرئ مفتوح الميم لأنه مضاف إلى إذ، وهو غير متمكن، كقوله:
عَلَى حِينَ عَاتَبْتُ المَشِيبَ عَلَى الصِّبَا «٣»

(١). قوله «إذن حينئذ» لعل إحداهما مزيدة. (ع)
(٢).
ويوم شهدناه سليما وعامرا قليل سوى الطعن النهال نوافله
يقول: ورب يوم شهدنا فيه، فحذف الجار وأوصل الضمير بالفعل، فصار الفعل كأنه متعد لمفعولين: الأول الضمير، والثاني: سليما، أى قبيلتيهما «قليل» صفة ليوم. و «نوافله» فاعل به، وقلة الغنائم لأن قومه لا تراعى حيازتها. أو المعنى أن أعداءه لا ينالون من قومه إلا الطعن، تهكما بهم، فالاستثناء متصل. ويجوز أنه منقطع.
ووصف المفرد بالجمع باعتبار أنواعه أو مراته، فهو متعدد أيضا. والنهال: جمع ناهل، أى ريان أو عطشان على التشبيه هنا، فهو من الأضداد، ووصف الطعن بأنه ناهل مجاز عقلى، لأن الذي يوصف به الرمح أو الفارس.
والمعنى: أنهم يتشفون من غيظ قلوبهم بذلك الطعن.
(٣).
على حين عاتبت المشيب على الصبا فقلت ألما أصح والشيب وازع
النابغة الذبياني، وبنى حين على الفتح لاضافته إلى مبنى، وشبه المشيب بمن يصح معه العتاب على طريق المكنية والعتاب تخييل، ويحتمل أن إيقاع العتاب على المشيب مجاز عقلى. والمعنى: عاتبت نفسي زمن الشيب على الصبا، أى الميل إلى الهوى كما يفعل الشبان. وقوله «فقلت» بيان العتاب، أى: إلى الآن لم أفق من سكرة الصبا، والحال أن الشيب زاجرا لي عن موجب العتاب، والاستفهام توبيخي: أى لا ينبغي ذلك، ووزعته فاتزع: كففته فامتنع، فالوازع الذي يصلح الصف ويمنعه عن الاعوجاج، وأوزعنى: ألهمنى ما يصلح شأنى.

صفحة رقم 408
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية