آيات من القرآن الكريم

وَتِلْكَ عَادٌ ۖ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ
ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا مُعْجِزَةٌ قَاهِرَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ الْوَاحِدَ إِذَا أَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ الْعَظِيمِ وَقَالَ لَهُمْ: بَالِغُوا فِي عَدَاوَتِي وَفِي مُوجِبَاتِ إِيذَائِي، وَلَا تُؤَجِّلُونِ فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ هَذَا إِلَّا إِذَا كَانَ وَاثِقًا مِنْ عِنْدِ اللَّه تعالى بأنه يحفظه ويصونه عن كمد الْأَعْدَاءِ.
ثُمَّ قَالَ: مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: النَّاصِيَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ مَنْبَتُ الشَّعْرِ فِي مُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَيُسَمَّى الشِّعْرُ النَّابِتُ هُنَاكَ نَاصِيَةً بَاسِمِ مَنْبَتِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَرَبَ إِذَا وَصَفُوا إِنْسَانًا بِالذِّلَّةِ وَالْخُضُوعِ قَالُوا: مَا نَاصِيَةُ فُلَانٍ إِلَّا بِيَدِ فُلَانٍ، أَيْ أَنَّهُ مُطِيعٌ لَهُ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَخَذْتَ بِنَاصِيَتِهِ فَقَدْ قَهَرْتَهُ، وَكَانُوا إِذَا أَسَرُوا الْأَسِيرَ فَأَرَادُوا إِطْلَاقَهُ وَالْمَنَّ عَلَيْهِ جَزُّوا نَاصِيَتَهُ لِيَكُونَ ذَلِكَ عَلَامَةً لِقَهْرِهِ فَخُوطِبُوا فِي الْقُرْآنِ بِمَا يَعْرِفُونَ فَقَوْلُهُ: مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها أَيْ مَا مِنْ حَيَوَانٍ إِلَّا وَهُوَ تَحْتَ قَهْرِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَمُنْقَادٌ لِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ.
ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَفِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها أَشْعَرَ ذَلِكَ بِقُدْرَةٍ عَالِيَةٍ وَقَهْرٍ عَظِيمٍ فَأَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أَيْ إِنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِمْ لَكِنَّهُ لَا يَظْلِمُهُمْ وَلَا يَفْعَلُ بِهِمْ إِلَّا مَا هُوَ الْحَقُّ وَالْعَدْلُ وَالصَّوَابُ، قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ قَوْلُهُ: مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها يَدُلُّ عَلَى التَّوْحِيدِ وَقَوْلُهُ: إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يَدُلُّ عَلَى الْعَدْلِ، فَثَبَتَ أَنَّ الدين إنما يتم بالتوحيد والعدل. الثاني: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ سُلْطَانَهُ قَهَرَ جَمِيعَ الْخَلْقِ أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مُسْتَتِرٌ، وَلَا يَفُوتُهُ هَارِبٌ، فَذَكَرَ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وَهُوَ يَعْنِي بِهِ الطَّرِيقَ الَّذِي لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مَسْلَكٌ إِلَّا عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ [الْفَجْرِ: ١٤] الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إِنَّ رَبِّي يَدُلُّ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، أَيْ يحث، أو يحملكم بالدعاء إليه.
[سورة هود (١١) : آية ٥٧]
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧)
اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: فَإِنْ تَوَلَّوْا يَعْنِي فَإِنْ تَتَوَلَّوْا ثُمَّ فِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: تَقْدِيرُ الْكَلَامِ فَإِنْ تَتَوَلَّوْا لَمْ أُعَاتَبْ عَلَى تَقْصِيرٍ فِي الْإِبْلَاغِ وَكُنْتُمْ مَحْجُوبِينَ كَأَنَّهُ يَقُولُ: أَنْتُمُ الَّذِينَ أَصْرَرْتُمْ عَلَى التَّكْذِيبِ. الثَّانِي: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ.
ثُمَّ قَالَ: وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ يَعْنِي يَخْلُقُ بَعْدَكُمْ مَنْ هُوَ أَطْوَعُ للَّه مِنْكُمْ، وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى نُزُولِ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا، يَعْنِي أَنَّ إِهْلَاكَكُمْ لَا يُنْقِصُ مِنْ مُلْكِهِ شَيْئًا.
ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: حَفِيظٌ لِأَعْمَالِ الْعِبَادِ حَتَّى يُجَازِيَهُمْ عَلَيْهَا. الثَّانِي: يَحْفَظُنِي مِنْ شَرِّكُمْ وَمَكْرِكُمْ. الثَّالِثُ: حَفِيظٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ يَحْفَظُهُ مِنَ الْهَلَاكِ إِذَا شَاءَ وَيُهْلِكُهُ إذا شاء.
[سورة هود (١١) : الآيات ٥٨ الى ٦٠]
وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٨) وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (٥٩) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (٦٠)

صفحة رقم 365

اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا أَيْ عَذَابُنَا وَذَلِكَ هُوَ مَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ الرِّيحِ الْعَقِيمِ عَذَّبَهُمُ اللَّه بِهَا سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، تَدْخُلُ فِي مَنَاخِرِهِمْ وَتَخْرُجُ مِنْ أَدْبَارِهِمْ وَتَصْرَعُهُمْ عَلَى الْأَرْضِ عَلَى وُجُوهِهِمْ حَتَّى صَارُوا كَأَعْجَازِ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَذِهِ الرِّيحُ كَيْفَ تُؤَثِّرُ فِي إِهْلَاكِهِمْ؟
قُلْنَا: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِشِدَّةِ حَرِّهَا أَوْ لِشِدَّةِ بَرْدِهَا أَوْ لِشَدِّهِ قُوَّتِهَا، فَتَخْطَفُ الْحَيَوَانَ مِنَ الْأَرْضِ، ثُمَّ تَضْرِبُهُ عَلَى الْأَرْضِ، فَكُلُّ ذَلِكَ مُحْتَمَلٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: نَجَّيْنا هُوداً فَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ إِتْيَانُ الْبَلِيَّةِ عَلَى الْمُؤْمِنِ وَعَلَى الْكَافِرِ مَعًا، وَحِينَئِذٍ تَكُونُ تِلْكَ الْبَلِيَّةُ رَحْمَةً عَلَى الْمُؤْمِنِ وَعَذَابًا عَلَى الْكَافِرِ، فَأَمَّا الْعَذَابُ النَّازِلُ بِمَنْ يُكَذِّبُ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي حِكْمَةِ اللَّه تَعَالَى أَنْ يُنَجِّيَ الْمُؤْمِنَ مِنْهُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا عُرِفَ كَوْنُهُ عَذَابًا عَلَى كُفْرِهِمْ، فَلِهَذَا السَّبَبِ قَالَ اللَّه تَعَالَى هاهنا: نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: بِرَحْمَةٍ مِنَّا فَفِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَنْجُو أَحَدٌ وَإِنِ اجْتَهَدَ فِي الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ إِلَّا بِرَحْمَةٍ مِنَ اللَّه، وَالثَّانِي: الْمُرَادُ مِنَ الرَّحْمَةِ: مَا هَدَاهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ باللَّه وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ رَحِمَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَمَيَّزَهُمْ عَنِ الْكَافِرِينَ فِي الْعِقَابِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ فَالْمُرَادُ مِنَ النَّجَاةِ الْأُولَى هِيَ النَّجَاةُ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا، وَالنَّجَاةُ الثَّانِيَةِ مِنْ عَذَابِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّمَا وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ غَلِيظًا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْعَذَابَ الَّذِي حَصَلَ لَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَذَابِ الَّذِي وَقَعُوا فِيهِ كَانَ عَذَابًا غَلِيظًا، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَجَّيْناهُمْ أَيْ حَكَمْنَا بِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ ذَلِكَ الْعَذَابَ الْغَلِيظَ وَلَا يَقَعُونَ فِيهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ قِصَّةَ عَادٍ خَاطَبَ قَوْمَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: وَتِلْكَ عادٌ فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى قُبُورِهِمْ وَآثَارِهِمْ، كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا إِلَيْهَا وَاعْتَبِرُوا. ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى جَمَعَ أَوْصَافَهُمْ ثُمَّ ذَكَرَ عَاقِبَةَ أَحْوَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَأَمَّا أَوْصَافُهُمْ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ.
الصِّفَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَالْمُرَادُ: جَحَدُوا دَلَالَةَ الْمُعْجِزَاتِ عَلَى الصِّدْقِ، أَوِ الْجَحَدِ، وَدَلَالَةَ الْمُحْدَثَاتِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ الْحَكِيمِ، إِنْ ثَبَتَ أَنَّهُمْ كَانُوا زَنَادِقَةً.
الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّهُمْ إِذَا عَصَوْا رَسُولًا وَاحِدًا، فَقَدْ عَصَوْا جَمِيعَ الرُّسُلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [الْبَقَرَةِ: ٢٨٥] وَقِيلَ: لَمْ يُرْسَلْ إِلَيْهِمْ إِلَّا هُودٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَالْمَعْنَى أَنَّ السَّفَلَةَ كَانُوا يُقَلِّدُونَ الرُّؤَسَاءَ فِي قَوْلِهِمْ:
مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ [الْمُؤْمِنُونَ: ٢٤] وَالْمُرَادُ مِنَ الْجَبَّارِ الْمُرْتَفِعُ الْمُتَمَرِّدُ الْعَنِيدُ الْعَنُودُ وَالْمُعَانِدُ، وَهُوَ الْمُنَازِعُ الْمَعَارِضُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ أَوْصَافَهُمْ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَحْوَالَهُمْ فَقَالَ: وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ

صفحة رقم 366
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية