آيات من القرآن الكريم

وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ
ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜﰝﰞﰟﰠ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﰿ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ

قوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا فيه قولان: أحدهما: أنه فعل ماض، معناه: فان أعرضوا: فعلى هذا، في الآية إِضمار، تلخيصه: فان أعرضوا فقل لهم: قد أبلغتكم، هذا مذهب مقاتل في آخرين. والثاني:
أنه خطاب للحاضرين، وتقديره: فان تتولَّوا، فاستثقلوا الجمع بين تاءين متحركتين، فاقتُصر على إِحداهما، وأسقطت الأخرى، كما قال النابغة:

المرءُ يَهْوى أَنْ يَعْي شَ وطُوْلُ عَيْشٍ قدَ يَضُرُّهْ
تَفْنَى بَشَاَشُتُه ويَبْ قَى بَعْد حُلْوِ العَيْشِ مُرُّهْ
وتَصَرَّفُ الأيّامُ حت ى ما يَرَى شيئاً يَسُرُّهْ
أراد: وتتصرف الأيام، فأسقط إِحدى التاءين، ذكره ابن الأنباري.
قوله تعالى: وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ فيه وعيد لهم بالهلاك. إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ فيه قولان: أحدهما: حفيظ على أعمال العباد حتى يجازيَهم بها. والثاني: أن «على» بمعنى اللام، فالمعنى: لكل شيء حافظ، فهو يحفظني من أن تنالوني بسوء.
[سورة هود (١١) : آية ٥٨]
وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٨)
قوله تعالى: وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا فيه قولان: أحدهما: جاء عذابنا، قاله ابن عباس. والثاني: جاء أمرنا بهلاكهم. قوله تعالى: نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا فيه قولان: أحدهما: نجيناهم من العذاب بنعمتنا. والثاني: نجيناهم بأن هديناهم إِلى الإِيمان، وعصمناهم من الكفر، روي القولان عن ابن عباس. قوله تعالى: وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ أي: شديد، وهو ما استحقه قوم هود من عذاب الدنيا والآخرة.
[سورة هود (١١) : آية ٥٩]
وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (٥٩)
قوله تعالى: وَتِلْكَ عادٌ يعني القبيلة وَعَصَوْا رُسُلَهُ. لقائل أن يقول: إِنما أُرسل إِليهم هود وحده، فكيف ذُكر بلفظ الجمع؟
فالجواب من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه قد يذكر لفظ الجمع ويراد به الواحد، كقوله: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ والمراد به النبيّ ﷺ وحده. والثاني: أن من كذَّب رسولاً واحداً فقد كذَّب الكلَّ. والثالث: أن كل مرة ينذرهم فيها هي رسالة مجدَّدة وهو بها رسول.
قوله تعالى: وَاتَّبَعُوا أي: واتبع الأتباع أمر الرؤساء. والجبار: الذي طال وفات اليد.
وللعلماء في الجبار أربعة أقوال: أحدها: أنه الذي يقتل على الغضب ويعاقب على الغضب، قاله الكلبي. والثاني: أنه الذي يجبر الناس على ما يريد، قاله الزجاج. والثالث: أنه المسلَّط. والرابع: أنه العظيم في نفسه، المتكبّر على العباد، ذكرهما ابن الأنباري. والذي ذكرناه يجمع هذه الأقوال، وقد زدنا هذا شرحاً في (المائدة). وأما العنيد: فهو الذي لا يقبل الحق. قال ابن قتيبة: العَنود، والعنيد، والعاند: المعارض لك بالخلاف عليك.
[سورة هود (١١) : الآيات ٦٠ الى ٦٩]
وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (٦٠) وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (٦١) قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٦٢) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (٦٣) وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (٦٤)
فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (٦٥) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (٦٦) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٦٧) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (٦٨) وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩)

صفحة رقم 381

قوله تعالى: وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً أي: أُلحقوا لعنة تنصرف معهم. وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أي: وفي يوم القيامة لُعنوا أيضاً أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أي بربهم، فحذف الباء، وأنشدوا «١» :
أَمَرتُكَ الخيرَ فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ به قال الزجاج: قوله: «ألا» ابتداء وتنبيه، و «بُعدا» منصوب على معنى: أبعدهم الله فبعدوا بعداً، والمعنى: أبعدهم من رحمته.
قوله تعالى: هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ فيه قولان: أحدهما: خلقكم من آدم، وآدم خُلق من الأرض. والثاني: أنشأكم في الأرض.
وفي قوله: وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها ثلاثة أقوال: أحدها: أعمركم فيها، أي: جعلكم ساكنيها مدة أعماركم، ومنه العمرى، وهذا قول مجاهد. والثاني: أطال أعماركم، وكانت أعمارهم من ألف سنة إِلى ثلاثمائة، قاله الضحاك. والثالث: جعلكم عُمَّارها، قاله أبو عبيدة.
قوله تعالى: قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا فيه ثلاثة أقوال «٢» : أحدها: أنهم كانوا يرجونه للمملكة بعد ملكهم، لأنه كان ذا حسب وثروة، قاله كعب. والثاني: أنه كان يبغض أصنامهم ويعدل عن دينهم، وكانوا يرجون رجوعه إِلى دينهم، فلما أظهر إِنذارهم، انقطع رجاؤهم منه، وإِلى نحو هذا ذهب مقاتل. والثالث: أنهم كانوا يرجون خيره، فلما أنذرهم، زعموا أن رجاءهم لخيره قد انقطع، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ إِن قال قائل: لم قال ها هنا: «وإِننا» وقال في «إِبراهيم» :«وإِنا» ؟
فالجواب: أنهما لغتان من لغات قريش السبع التي نزل القرآن عليها. قال الفراء: من قال: «إِننا» أخرج

(١) هذا صدر بيت لعمرو بن معديكرب الزبيدي، كما في الكتاب: ١/ ١٧، وعجزه:
فقد تركتك ذا مال وذا نشبِ وفي «اللسان» نشب: من النشب وهو المال الأصيل من الناطق والصامت، والنّشب: المال والعقار.
(٢) قال ابن كثير رحمه الله ٢/ ٥٥٥: أي كنا نرجوك في عقلك قبل أن تقول ما قلت.

صفحة رقم 382

الحرف على أصله، لأن كناية المتكلمين «نا» فاجتمعت ثلاث نونات، نونا «إِن» والنون المضمومة إلى الألف ومن قال: «إنا» اسثقل الجمع بين ثلاث نونات، فأسقط الثالثة، وأبقى الأولتين وكذلك يقال:
إنّ وإٍنني، ولعلّي ولعلني، وليتي وليتني، قال الله تعالى في اللغة العليا: لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ «١»، وقال الشاعر في اللغة الأخرى:

أريني جواداً مات هَزْلاً لعلَّني أرى ما تَرَيْنَ أو بخيلاً مخلَّدا «٢»
وقال الله تعالى: يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ «٣»، وقال الشاعر:
كمُنيةِ جابرٍ إِذ قال ليتي أصادقه وأُتلفُ بعضَ مالي «٤»
فأما المريب، فهو الموقع للرّيبة والتّهمة. والرّحمة يراد بها ها هنا: النبوَّة.
قوله تعالى: فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ التخسير: النقصان. وفي معني الكلام قولان: أحدهما: فما تزيدونني غيرَ بَصَارَةٍ في خسارتكم، قاله ابن عباس. وقال الفراء: المعنى: فما تزيدونني غير تخسيرٍ لكم، أي: كلما اعتذرتم عندي بعذر فهو يزيدكم تخسيراً. وقال ابن الأعرابي: غير تخسير لكم، لا لي. وقال بعضهم: المعنى: فما تزيدونني بما قلتم إِلا نسبتي لكم إِلى الخسارة. والقول الثاني: فما تزيدونني غير الخسران إِن رجعتُ إِلى دينكم، وهذا معنى قول مقاتل. فان قيل: فظاهر هذا أنه كان خاسراً، فزادوه خساراً، فقد أسلفنا الجواب في قوله: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا «٥».
قوله تعالى: هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً قد شرحناها في سورة الأعراف «٦».
قوله تعالى: تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ أي: استمتعوا بحياتكم، وعبَّر عن الحياة بالتمتع، لأن الحيَّ يكون متمتِّعاً بالحواسِّ.
قوله تعالى: ثَلاثَةَ أَيَّامٍ قال المفسرون: لمَّا عُقرت الناقة صَعِدَ فصيلُها إِلى الجبل، ورغا ثلاث مرات، فقال صالح: لكل رغوة أجل يوم، ألا إِن اليوم الأول تصبح وجوهُكم مُصْفَرَّةً، واليوم الثاني مُحْمَرَّةً، واليوم الثالث مُسْوَدَّةً فلما أصبحوا في اليوم الأول، إِذا وجوههم مصفرة، فصاحوا وضجوا، وبَكَوْا، وعَرَفوا أنَّه العذاب، فلما أصبحوا في اليوم الثاني، إِذا وجوههم محمرة، فضجوا، وبكَوا، فلما أصبحوا في اليوم الثالث، إِذا وجوههم مسودة كأنما طليت بالقار، فصاحوا جميعاً: ألا قد حضركم العذاب فتكفَّنوا وألقَوْا أنفسهم بالأرض، لا يدرون من أين يأتيهم العذاب، فلما أصبحوا في اليوم الرابع، أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كلِّ صاعقة، فتقطَّعتْ قلوبُهم في صدورهم. وقال مقاتل:
حفروا لأنفسهم قبوراً، فلما ارتفعت الشمس من اليوم الرابع ولم يأتهم العذاب ظنوا أن الله قد رحمهم فخرجوا من قبورهم يدعو بعضهم بعضاً، إِذ نزل جبريل فقام فوق المدينة فسدّ ضوءَ الشمس فلما عاينوه
(١) غافر: ٣٦.
(٢) ذكره ابن منظور في «اللسان»، مادة «أنن»، وقال: هو لحطائط بن يعفر، ويقال: هو لدريد وقال الجوهري:
أنشد أبو زيد لحاتم قال: وهو الصحيح، قال: وقد وجدته في شعر معن بن أوس المزني.
(٣) سورة النساء: ٧٣.
(٤) ذكره ابن منظور في «اللسان» مادة «ليت» ونسبه لزيد الخيل.
(٥) سورة التوبة: ٤٧.
(٦) عند الآية: ٧٣.

صفحة رقم 383

دخلوا قبورهم فصاح بهم صيحة: موتوا عليكم لعنة الله، فخرجت أرواحهم وتزلزلت بيوتهم فوقعت على قبورهم.
قوله تعالى: ذلِكَ وَعْدٌ أي: العذاب غَيْرُ مَكْذُوبٍ أي: غير كذب.
قوله تعالى: وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر «يومِئِذٍ» بكسر الميم. وقرأ الكسائي بفتحها مع الإِضافة. قال مكي: من كسر الميم، أعرب وخفض، لإِضافة الخزي إِلى اليوم، ولم يَبْنِهِ ومن فتح، بنى اليوم على الفتح، لإِضافته إِلى غير متمكّن، وهو «إِذ». وقرأ ابن مسعود «ومن خزيٍ» بالتنوين، «يومَئذ» بفتح الميم. قال ابن الأنباري: هذه الواو في قوله «ومن خزي» معطوفة على محذوف، تقديره: نجيناهم من العذاب ومن خزي يومئذ. قال: ويجوز أن تكون دخلت لفعل مضمر، تأويله: نجينا صالحاً والذين آمنوا معه برحمة منا، ونجيناهم من خِزْي يومئذ. قال: وإِنما قال: «وأخذَ» لأن الصيحة محمولة على الصياح.
قوله تعالى: أَلا بُعْداً لِثَمُودَ اختلفوا في صرف «ثمود» وترك إِجرائه في خمسة مواضع: في (هود:) أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ، وفي (الفرقان) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ «١»، وفي (العنكبوت) وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ «٢»، وفي (النجم) وَثَمُودَ فَما أَبْقى «٣». قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع، وابن عامر بالتنوين في أربعة مواضع منها، وتركوا أَلا بُعْداً لِثَمُودَ فلم يصرفوه. وقرأ حمزة بترك صرف هذه الخمسة الأحرف، وصرفهنَّ الكسائي. واختلف عن عاصم، فروى حسين الجعفي عن أبي بكر عنه أنه أجرى الأربعة الأحرف مثل أبي عمرو وروى يحيى بن آدم أنه أجرى ثلاثة، في (هود) أَلا إِنَّ ثَمُودَ، وفي (الفرقان) و (العنكبوت). وروى حفص عنه أنه لم يجر شيئاً منها مثل حمزة.
واعلم أن ثموداً يراد به القبيلة تارة ويراد به الحي تارة. فإذا أريد به القبيلة لم يصرف، وإِذا أريد به الحي صرف. وما أخللنا به فقد سبق تفسيره إِلى قوله: وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ. والرسل ها هنا:
الملائكة. وفي عددهم ستة أقوال: أحدها: أنهم كانوا ثلاثة، جبريل، وميكائيل، وإِسرافيل، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير. وقال مقاتل: جبريل، وميكائيل، وملك الموت. والثاني: أنهم كانوا اثني عشر، روي عن ابن عباس أيضاً. والثالث: ثمانية، قاله محمد بن كعب. والرابع: تسعة، قاله الضحاك. والخامس: أحد عشر، قاله السدي. والسادس: أربعة، حكاه الماوردي. وفي هذه البشرى أربعة أقوال «٤» : أحدها: أنها البشرى بالولد، قاله الحسن، ومقاتل. والثاني: بهلاك قوم لوط، قاله

(١) سورة الفرقان: ٣٨.
(٢) سورة العنكبوت: ٣٨. [.....]
(٣) سورة النجم: ٥١.
(٤) قال ابن كثير رحمه الله ٢/ ٥٥٧: البشرى أي بولد لها يكون له ولد وعقب ونسل، فإنه يعقوب ولد إسحاق كما قال في آية البقرة: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا: نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.
ومن ها هنا استدل من استدل بهذه الآية على أن الذبيح إنما هو إسماعيل وأنه يمتنع أن يكون هو إسحاق لأنه وقعت البشارة به، وأنه سيولد له يعقوب، فكيف يؤمر إبراهيم بذبحه وهو طفل صغير، ولم يولد له بعد يعقوب الموعود بوجوده، ووعد الله حق لا خلف فيه فيمتنع أن يؤمر بذبح هذا، والحالة هذه، فتعين أن يكون هو إسماعيل. وهذا من أحسن الاستدلال وأصحه وأبينه.

صفحة رقم 384
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية