آيات من القرآن الكريم

وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ
ﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏ

أُوحِيَ إِلَيْهِ هَذَا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُ: فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً [نوح: ٦، ٧].
وَتَأْكِيدُ الْفِعْلِ بِ قَدْ فِي قَوْلِهِ: مَنْ قَدْ آمَنَ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ حَصَلَ مِنْهُمُ الْإِيمَانُ يَقِينًا دُونَ الَّذين ترددوا.
[٣٧]
[سُورَة هود (١١) : آيَة ٣٧]
وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧)
لَمَّا كَانَ نَهْيُهُ عَنِ الِابْتِئَاسِ بِفِعْلِهِمْ مَعَ شِدَّةِ جُرْمِهِمْ مُؤْذِنًا بِأَنَّ اللَّهَ يَنْتَصِرُ لَهُ، أَعْقَبَهُ بِالْأَمْرِ بِصُنْعِ الْفُلْكِ لِتَهْيِئَةِ نَجَاتِهِ وَنَجَاةِ مَنْ قَدْ آمَنَ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ لِقَوْمِهِ، كَمَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُ فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ [الْقَمَر: ١٠، ١١] الْآيَةَ، فَجُمْلَةُ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ فَلا تَبْتَئِسْ [هود: ٣٦] وَهِيَ بِذَلِكَ دَاخِلَةٌ فِي الْمُوحَى بِهِ فَتَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيْهِ كَيْفِيَّةَ صُنْعِ الْفُلْكِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:
وَوَحْيِنا، وَلِذَلِكَ فَنُوحٌ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَوَّلُ مَنْ صَنَعَ الْفُلْكَ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَعْرُوفًا لِلْبَشَرِ، وَكَانَ ذَلِكَ مُنْذُ قُرُونٍ لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا يُوجَدُ فِي الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ مِنْ إِحْصَاءِ قُرُونِهَا.
وَالْفُلْكُ اسْمٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُفْرَدُ وَالْجَمْعُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٦٤].
وَالْبَاءُ فِي بِأَعْيُنِنا لِلْمُلَابَسَةِ وَهِيَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ (اصْنَعِ).
وَالْأَعْيُنُ اسْتِعَارَةٌ لِلْمُرَاقَبَةِ وَالْمُلَاحَظَةِ. وَصِيغَةُ الْجَمْعِ فِي بِأَعْيُنِنا بِمَعْنَى الْمُثَنَّى، أَيْ بِعَيْنَيْنَا، كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا [الطّور: ٤٨]. وَالْمُرَادُ الْكِنَايَةُ بِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ عَنْ لَازِمِهِ وَهُوَ الْحِفْظُ مِنَ الْخَلَلِ وَالْخَطَأِ فِي الصُّنْعِ.

صفحة رقم 66
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية