آيات من القرآن الكريم

وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ
ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ

ثم علل هذا بقوله:
إنى أخاف عليكم إلخ، أي إن لم تخصوه بالعبادة وتفردوه بالتوحيد وتخلعوا ما دونه من الأنداد والأوثان- أخف عليكم من الله عذاب يوم مؤلم عقابه وعذابه، لمن عذّب فيه.
وقد أجابوه عن مقالته بأربع حجج داحضة ظنا منهم أنها تكفى فى رد دعوته.
(١) (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) أي إن الأشراف والزعماء بادروا إلى الجواب بقولهم: ما أنت إلا بشر مثلنا فى الجنس لا مزية لك علينا تجعلنا نطيعك ونذعن لنبوتك.
(٢) (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ) أي وإنا لم نر متبعيك إلا الأخساء كالزرّاع والصناع ومن فى حكمهم فى المكانة الاجتماعية، بادى الرأى قبل التأمل فى عواقبه، والنظر فى مستنده، وترجيح العقل له، وهذا مما يرجح رد الدعوة والتولي عنها.
(٣) (وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) أي وما نرى لك ولمن اتبعك أدنى امتياز عنا من قوة أو كثرة أو علم أو أصالة رأى يحملنا على اتباعكم ويجعلنا ننزل عن جاهنا ومالنا ونكون نحن وأنتم سواء.
(٤) (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) أي بل إنا نرجح الحكم عليك وعليهم بالكذب، فأنت كاذب فى دعوى النبوة، وهم كاذبون فى تصديقك، وهذه الشبهة الأخيرة طعن على نوح عليه السلام أشركوا فيها أتباعه ولم يجابهوه بها وحده كما أنهم جعلوها ظنا ولم يجزموا بها، لأن ذلك كاف فى رد دعوته، وعدم الدخول فى دينه.
[سورة هود (١١) : الآيات ٢٨ الى ٣١]
قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (٢٨) وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٩) وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣٠) وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٣١)

صفحة رقم 25

تفسير المفردات
أرأيتم: أي أخبرونى، والبينة. ما يتبين به الحق، وعميت: أخفيت، وطرده:
أبعده ونحّاه، وتجهلون: أي تسفهون عليهم، وهو من الجهالة التي تضادّ العقل والحلم، وتذكرون أصله تتذكرون، وزرى على فلان زراية: عابه واستهزأ به.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر مقالتهم وطعنهم فى نوح عليه السلام بتلك الشبه السالفة، قفى على ذلك بدحض نوح لها، ورد شبهات أخرى قد تكون صدرت منهم ولم يحكها، لعلها من الرد عليها، وربما لم يقولوها وإن كان كلامهم يستلزمها، وهذا من خواصّ أسلوب الكتاب الكريم، وسرّ من أسرار بلاغته.
الإيضاح
(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) أي قال يا قومى: أخبرونى ماذا ترون وماذا تقولون، إن كنت على حجة فيما جئتكم به من ربى يتبين لى بها أنه الحق من عنده، لا من عندى ومن كسبى البشرى الذي تشاركوننى فيه، وآتاني رحمة من عنده وهى النبوة وتعاليم الوحى التي هى سبب رحمة

صفحة رقم 26

خاصة لمن يهتدى بها، فحجبها عنكم جهلكم وغروركم بالمال والجاه فلم تتبينوا منها ما تدل عليه من التفرقة بينى وبينكم، فمنعتم فضل الله عنى بحرمانى من النبوة.
(أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) أي أنكرهكم على قبولها وأنتم معرضون عنها غير متدبرين لها، كلا، إنا لا نفعل ذلك، بل نكل أمركم إلى الله حتى يقضى فى أمركم ما يرى ويشاء، وما علىّ إلا البلاغ.
وهذا أول نصّ فى دين الله على أنه لا ينبغى أن يكون الإيمان بالإكراه.
وفى هذه الآية إثبات لنبوته عليه السلام، وردّ لإنكارهم لها وتكذيبه ومن معه فيها، وإبطال لشبهتهم فى أنه بشر مثلهم، وقد فاتهم أن المساواة فى البشرية لا تقتضى استواء أفراد الجنس فى الكمالات والفضائل؟ فالمشاهدة والتجارب تدل على التفاوت العظيم بين أفراد البشر فى العقل والفكر والرأى والأخلاق والأعمال، حتى إن الواحد منهم ليأتى بضروب من الإصلاح لقومه بالعلم والعمل يعجز عن مثلها الألوف من الناس فى أجيال كثيرة.

والناس ألف منهم كواحد وواحد كالألف إن أمر عرا
فما بالك بمن يختصهم الله من عباده بما شاء مما لا كسب لهم فيه كالأنبياء والرسل الكرام.
(وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالًا إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ) أي لا أسألكم على نصيحتى لكم ودعوتكم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له إلا خيركم ومصلحتكم ولا أريد بذلك مالا فأكون متهما فيه عندكم لمكانة حبّ المال من أنفسكم واعتزازكم به علىّ وعلى الفقراء من أتباعى، فما أجري على ذلك إلا على الله الذي أرسلنى، فهو الذي يجازينى ويثيبنى عليه.
ومثل هذه المقالة قد صدرت من جميع الأنبياء بعده، فجاءت على لسان هود وصالح وشعيب ومحمد، صلوات الله عليهم أجمعين كما ترى ذلك فى سورة الشعراء محكيا عنهم.

صفحة رقم 27

(وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا) أي ليس من شأنى ولا بالذي يكون منى أن أبعد من يؤمن بي، وأنحّيه عنى احتقارا له على أىّ حال كانت صفته.
وفى هذا إيماء إلى الجواب عن قولهم (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) وقد روى أنهم قالوا له يا نوح إن أحببت أن نتبعك فاطرد هؤلاء، فإنا لن نرضى أن نكون نحن وهم فى الأمر سواء.
ثم علل الامتناع من طردهم بقوله:
(إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) أي إن هؤلاء الذين تسألوننى طردهم- صائرون إلى ربهم وهو سائلهم عما كانوا يعملون فى الدنيا، ولا يسألهم عن حسبهم وشرفهم.
(وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) أي تجهلون ما يمتاز به البشر بعضهم عن بعض من اتباع الحق والتحلي بالفضائل وعمل البر والخير، وتظنون أن الميزة إنما تكون بالمال والجاه.
وقد جاء هذا المعنى فى قصته من سورة الشعراء: «قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ. قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ. وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ. إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ».
(وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ) أي ويا قوم لا أجد أحدا يمنع عنى ما أستحقه من عقاب الله إن طردتهم بعد إيمانهم واتباعهم إياى فيما بلغتهم- فإن ذلك ظلم عظيم يستحق شديد العقاب مهما تكن صفة من اجترحه كما قال فى سورة الأنعام:
«فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ».
(أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أي أفلا تتفكرون فيما تقولون، وهو ظاهر الخطأ لائحه فتنتهوا عنه؟، فإن لهم ربّا ينصرهم وينتقم لهم.
(وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ) أي ولا أقول لكم بادعائى للنبوة والرسالة إن عندى خزائن رزق الله: (أنواع رزقه التي يحتاج إليها عباده للانفاق منها)

صفحة رقم 28

أتصرّف فيها بغير وسائل الأسباب المسحرة لسائر الناس، فأنفق على نفسى وعلى من تبعني بالتصرف فيها بخوارق العادات، بل أنا وغيرى فى الكسب سواء، إذ ذلك ليس من موضوع الرسالة ولا من خصائص النبي، ولو كان كذلك لا تبع الناس الرسل لأجلها. بل الغاية من بعث الرسل تزكية الأنفس بمعرفة الله وعبادته، وتأهيلها لمثوبته فى دار كرامته، ورضاه عنها يوم لا ينفع مال ولا بنون.
(وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) فلا أمتاز عن سائر البشر بعلم ما لا يصل إليه علمهم الكسبي من مصالحهم ومنافعهم ومضارهم فى معايشهم وكسبهم، فأخبر بها أتباعى ليفضلوا عليكم، ومن ثم أمر الله نبيه أن يقول لقومه: «قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ» (وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) من الملائكة أرسلت إليكم فأكون كاذبا فيما أدعى، بل أنا بشر مثلكم أمرت بدعائكم إلى الله وقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم.
وفى هذا دحض لشبهتهم، إذ زعموا أن الرسول من الله إلى البشر يجب أن يفضلهم ويمتاز عنهم، ولا سبيل إلى ذلك إلا بأن يكون ملكا يعلم ما لا يعلمه البشر، ويقدر على ما لا يقدر عليه البشر.
(وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً) أي ولا أقول للذين اتبعونى وآمنوا بالله وحده، وأنتم تنظرون إليهم نظرة استصغار واحتقار فتزدريهم أعينكم لفقرهم ورثاثة حالهم: لن يؤتيهم الله خيرا وهو ما وعدوه على الأيمان والهدى من سعادة الدنيا والآخرة.
(اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ) أي الله أعلم بما فى صدورهم وبما آتاهم من الإيمان على بصيرة، ومن اتباع رسوله بإخلاص وصدق سريرة، لا كما زعمتم من اتباعهم إياى بادى الرأى بلا بصيرة ولا علم.
(إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) أي إنى إذا قضيت على سرائرهم بخلاف ما أبدته لى ألسنتهم على غير علم منى بما فى نفوسهم أكون ظالما لهم بهضم حقوقهم.

صفحة رقم 29
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية