
فالمعنى: فقال: إني: ومن فتح فَعَلَى تقدير حذف الجر.
والمعنى: أنذركم بأسه، وعقابه إن تماديتم على الكفر.
﴿مُّبِينٌ﴾: أي: أبين لم ما أرسلت به إليكم. ثم بين تعالى: بأي شيء أرسل، فقال: ﴿أَن لاَّ تعبدوا إِلاَّ الله إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ إن تماديتم على كفركم. ﴿إلى قَوْمِهِ﴾: وقف إن كسرت " إني "، وجعلت " ألا " تعبدوا متعلقاً بنذير.
قوله: ﴿فَقَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا﴾ إلى قوله: ﴿قَوْماً تَجْهَلُونَ﴾:
المعنى: أنهم قالوا له: ما نواك إلا آدمياً مثلنا في الخلق، ثم قالوا: ﴿وَمَا نَرَاكَ اتبعك إِلاَّ الذين هُمْ أَرَاذِلُنَا﴾ أي: السفلة، دون الأكابر. وقيل: هم الفقراء، وقيل: هم الخسيسو

الصناعات. وروي في الحديث أنهم كانوا حاكة، وحجامين. ولا يقال رجل أرذل، ولا امرأة رذلاء حتى تدخل الألف واللام، أو يضاف.
وقوله: ﴿بَادِيَ الرأي﴾ مَنْ همزه جعله من الابتداء، أي: ابتعوك ابتداء، ولو فكروا لم يتبعوك. ومن لم يهمز، جاز أن يكون على تخفيف الهمزة، وجاز أن يكون من بَدَا يَبْدو: إذا ظهر، أي: اتبعوك في ظاهر الرأي، وباطنهم على خلاف ذلك.
وقيل: المعنى: ابتعوك في ظاهر الرأي، ولو تدبروا لم يتبعوك.

وقيل: المعنى: اتبعوك في ظاهر الرأي الذي ترى، وليس تدري باطنهم.
ونصبه عند الزجاج على حذف " في " أو على مثل: ﴿واختار موسى قَوْمَهُ﴾ [الأعراف: ١٥٥].
وقيل: المعنى: أنه نعت لمصدر محذوف، والمعنى " اتباعاً ظاهراً ".
ثم حكى الله تعالى، عنهم قالوا لمن آمن بنوح ﷺ: ﴿ وَمَا نرى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ﴾ إذ آمنتم بنوح ﴿بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾: أي: في دعوتكم أن الله تعالى، ابتعث نوحاً رسولاً. وهذا خطاب لنوح، لأنهم به كذبوا، فخرج الخطاب له مخرج خطاب الجميع.
قال نوح لقومه: ﴿ياقوم أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيِّنَةٍ مِّن ربي﴾: أي: على معرفة به، وعلم.
﴿وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ﴾: أي: رزقني التوفيق، والنبوءة، والحكمة، فآمنت، وأطعت.

﴿فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ﴾: أي: عميت عليكم الرحمة، أي: خفيت، فلم تهتدوا لها.
والرحمة عند الفراء: الرسالة. ومن شدد فمعناه: " فَعَمَّها " الله عليكم، أي: خفاها. وفي قراءة عبد الله، وأُبَيّ: " فَعَمَّاهَا الله عليكم " وقد أجمع الجميع على التخفيف في " القصص "، ولا يجوز غيره.
ثم قال: ﴿أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ﴾ أي: أنآخِذُكُمْ بالدخول في الإسلام على كره منكم، فنلزمكم ما لا تريدون.
يقول ﷺ: " لا تَفْعَل ذلك، بل نكل أمرهم إلى الله، سبحانه ".

قال النحاس: ﴿أَنُلْزِمُكُمُوهَا﴾: أنجبها عليكم. وأنتم لها كارهون. وقيل: معنى ﴿أَنُلْزِمُكُمُوهَا﴾: هي شهادة أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له.
وقيل: الهاء في ﴿أَنُلْزِمُكُمُوهَا﴾ للرحمة. وقيل: للبينة.
ثم حكى الله عنه أنه قال: ﴿وياقوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً﴾: أي: لا آخذ منكم على نصحي إياكم، ودعائيَ لكم إلى الإيمان ﴿مَالاً﴾: ما أجري في ذلك إلا على الله، هو يجازيني ويثيبني. ﴿وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الذين آمنوا﴾: أي: لست أطردهم، ولا الذين آمنوا بي. وذلك أنهم سألوه أن يطردهم.
قال ابن جريج: قالوا: " إن أحببت أن نتبعك فاطردهم. فقال: لا أطردهم ملاقوا ربهم، فيجازي من طردهم وآذاهم، ويسألهم عن أعمالهم.
ثم قال لهم: ﴿ولكني أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ﴾: أي: تجهلون ما يجب عليكم من