فى عدم إذعانهم للقرآن الذي طريق تلقيه السمع أشد منه فى عدم قبولهم لسائر الآيات المنوطة بالأبصار بالغ فى نفى الاول حيث نفى عنهم الاستطاعة واكتفى فى الثاني بنفي الابصار أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ
باشتراء عبادة الآلهة بعبادة الله تعالى فى البحرانه على حذف مضاف اى راحة او سعادة أنفسهم والا فانفسهم باقية معذبة انتهى ولعل الإبقاء على حاله انسب لمرام المقام وان البقاء معذبا كلا بقاء إذا لمقصود من البقاء انتفاع به وَضَلَ
بطل وضاع عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ
من الهية الآلهة وشفاعتها لا جَرَمَ فيه ثلاثة أوجه. الاول ان لا نافية لما سبق وجرم فعل بمعنى حق وان مع ما فى حيزه فاعله. والمعنى لا ينفعهم ذلك الفعل اى حق أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ وهذا مذهب سيبويه. والثاني ان جرم بمعنى كسب وما بعده مفعوله وفاعله ما دل عليه الكلام اى كسب ذلك خسرانهم فالمعنى ما حصل من ذلك إلا ظهور خسرانهم. والثالث ان لا جرم بمعنى لا بد انهم فى الآخرة هم الأخسرون وأياما كان فمعناه انهم أخسر من كل خاسر قال الكاشفى [بي شك وشبهه ايشان دران سراى ايشان زيانكارتر از همه زيانكاران چهـ پرستش بتان را بپرستش خداى تعالى خريده اند ومتاع دنياى فانى را بر نعيم عقباى باقى اختيار كرده ودرين سودا غبن فاحش است]
مايه اين را بدنيا دادن از دون همتيست
زانكى دنيا جملگى رنج است ودين آسايش است
نعمت فانى ستانى دولت باقى دهى
اندرين سودا خرد داند كه غبن فاحش است
- وروى- ابن ابى الدنيا عن الضحاك انه قال اتى النبي ﷺ رجل فقال يا رسول الله من ازهد الناس قال (من لم ينس القبر والبلى وترك زينة الدنيا واثر ما يبقى على ما يفنى ولم يعد غدا من أيامه وعد نفسه من الموتى) وفى الحديث (بادروا بالأعمال فان بين ايديكم فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا) ومن البائع دينه بالدنيا المدعى مع الله رتبة طلبا للرياسة واستجلاب حظوظ النفس بطريق التزهد والشيخوخة وهو ملعون على ألسنة الأولياء الذين هم شهداء الله فى الأرض لانه نزل نفسه منزلة السادة الكبراء فظلم واستحق اللعنة: وفى المثنوى
تو ملاف از مشك كان بوى پياز
از دم تو ميكند مكشوف راز
گلشكر خوردم همى گوئى وبوى
ميزند از سير كه ياوه مگوى
ومن أوصاف المدعين انهم بادعائهم الشيخوخة يقطعون سبيل الله على طالبيه بالدعوة الى أنفسهم ويمنعونهم ان يتمسكوا بذيل ارادة صاحب ولاية يهديهم الى الحق وهم بالآخرة هم كافرون على الحقيقة لان من يؤمن بالآخرة ولقاء الله والحساب والجزاء على الأعمال لا يجرى مع الله بمثل هذه المعاملات ولهم عذاب الضلال عن سبيل الله بطلب الدنيا والقدوة فيها وعذاب إضلال اهل الارادة عن طريق الحق باستتباعهم وهم مؤاخذون بخسرانهم وخسران اتباعهم وبحسبان انهم يحسنون صنعا فهم الأخسرون
ترسم نرسى بكعبه اى أعرابي
كين ره كه تو ميروى بتركستانست
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اى بكل ما يجب ان يؤمن به وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فيما بينهم وبين
صفحة رقم 113
ربهم وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ الإخبات الخضوع والخشوع ويستعمل باللام يقال اخبت لله واستعماله بالى فى الآية لتضمينه معنى الاطمئنان والانقطاع. والمعنى اطمأنوا وسكنوا اليه وانقطعوا الى عبادته بالخشوع والتواضع أُولئِكَ المنعوتون بتلك النعوت أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ دائمون لم يأت هنا ضمير الفصل للاشارة والله اعلم الى ان الخلود فيها ليس بمختص بهؤلاء الموصوفين فان المؤمن وان لم يعمل الصالحات مآله الخلود فى الجنة على ما هو مذهب اهل السنة كذا فى حواشى سعدى المفتى وقال فى التأويلات النجمية إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بطلب الله وطلبوه على أقدام المعاملات الصالحات للطلب المفيدات للوصول الى المطلوب وانابوا الى ربهم بالكلية ولم يطلبوا منه الا هو واطمأنوا به أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ اى ارباب الجنة كما يقال رب الدار لصائب الدار وهم مطلوبوا الجنة لا طلابها وانما هم طلاب الله هم فيها خالدون طلابا مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ الكافر والمؤمن اى حالهما العجيب لان المثل لا يطلق الا على ما فيه غرابة من الأحوال والصفات قال ابن الشيخ لفظ المثل حقيقة عرفية فى القول السائر المشبه مضربه بمورده ثم يستعار للصفة العجيبة والخال الغريبة تشبيها لهما بالقول المذكور فى الغرابة فانه لا يضرب الا ما فيه غرابة كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ اى كهؤلاء فيكون ذواتهم كذواتهم فان تشبيه حال الشيء بحال شىء آخر يستلزم تشبيه الشيء الاول بالثاني فالاعمى والأصم هم الكافرون والبصير والسميع هم المؤمنون. والواو فى والأصم والسميع لعطف الصفة على الصفة كقولك هو الجواد والشجاع فان الادخل فى المبالغة ان يشبه الكافر بالذي جمع بين العمى والصمم كالموتى وذلك ان الكفرة حين لا ينظرون الى ما خلق الله نظر اعتبار ولا يسمعون ما يتلى عليهم من آيات الله سماع تدبر كان بصرهم كلا بصر وسماعهم كلا سماع فكان حالهم لانتفاء جدوى البصر والسماع كحال الموتى الذي فقدوا مصحح البصر والسمع قال ابن الشيخ الأعمى إذا سمع شيأ ربما يهتدى الى الطريق والأصم ربما ينتفع بالاشارة ومن جمع بينهما فلا حيلة له وقس عليه الشخص الذي جمع بين الوصفين الشريفين اللذين هما البصر والسمع فانه يكون بذلك على احسن حال. وقدم الأعمى لكونه اظهر وأشهر فى سوء الحال من الأصم هَلْ يَسْتَوِيانِ يعنى الفريقين المذكورين والاستفهام إنكاري مَثَلًا اى حالا وصفة وهو تمييز من فاعل يستويان منقول من الفاعلية والأصل هل يستوى مثلهما أَفَلا تَذَكَّرُونَ اى أتشكون فى عدم الاستواء وما بينهما من التباين او أتغفلون عنه فلا تتذكرون بالتأمل فيما ضرب لكم من المثل فيكون الإنكار واردا على المعطوفين معا او أتسمعون هذا فلا تتذكرون فيكون راجعا الى عدم التذكر بعد تحقق ما يوجب وجوده وهو المثل المضروب وفى التأويلات النجمية الأعمى الذين لا يبصر الحق حقا والباطل باطلا بل يبصر الباطل حقا والحق باطلا. والأصم من لا يسمع الحق حقا والباطل باطلا بل يسمع الباطل حقا والحق باطلا. والبصير الذي يرى الحق حقا ويتبعه ويرى الباطل باطلا ويجتنبه. والسميع الذي من كان الله سمعه فيسمع به ومن ابصر بالله لا يبصر غير الله ومن