آيات من القرآن الكريم

مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ
ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ

سألوك؟ أو معنى الكلام النّفي مع استبعاد، أي لا يكون منك ذلك، بل تبلغهم كل ما أنزل إليك لأن مشركي مكة قالوا للنّبي صلى الله عليه وسلّم: لو أتيتنا بكتاب ليس فيه سبّ آلهتنا لاتّبعناك، فهمّ النّبي صلى الله عليه وسلّم أن يدع سبّ آلهتهم فنزلت.
٢- لا مجاملة ولا مهادنة ولا إرجاء في تبليغ الوحي، فسواء كره الناس تبليغهم ما أنزل الله أم قالوا: لولا أنزل عليه كنز أو ملك، فلا تراجع عن تبليغ الوحي.
٣- تحدّى الله العرب في هذه السّورة بأن يأتوا بعشر سور مثل سور القرآن، بعد أن كان تحدّاهم بالإتيان بمثل القرآن، فعجزوا في الحالين، كما عجزوا عن الإتيان بمثل سورة منه، في سورة أخرى. والتحدي ليثبت أن القرآن كلام الله المعجز.
٤- ثبت بقوله: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ عجزهم عن المعارضة، فقامت عليهم الحجة بأن القرآن ليس من عند محمد أو غيره، وإنما هو كلام الله، وليعلم الجميع أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ.
٥- إن وجوه إعجاز القرآن كثيرة منها البلاغة والفصاحة، ومنها الاشتمال على الغيبيات، ومنها الأحكام التّشريعية، ومنها مواكبه الاكتشافات العلمية الحديثة.
من أراد الدنيا وحدها حرم نعيم الآخرة
[سورة هود (١١) : الآيات ١٥ الى ١٦]
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٦)

صفحة رقم 36

الإعراب:
وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ابتداء وخبر، أي وباطل عمله.
المفردات اللغوية:
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها أي من قصد بعمله الطّيب وإحسانه وبرّه الدّنيا.
نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ نؤتهم ثمار أعمالهم وافية تامة، جزاء ما عملوه من خير كصدقة وصلة رحم.
فِيها بأن نوسع عليهم رزقهم. وَهُمْ فِيها أي الدّنيا. لا يُبْخَسُونَ ينقصون شيئا من أجورهم. حَبِطَ فسد وبطل ولم ينتفعوا به.
سبب النّزول:
قيل: إن الآية مختصّة بالكفار، أو بالمنافقين، وقيل: إنها عامّة مطلقة في أهل الرّياء، والظاهر أن المراد بهذا العام هو الكافر لأن قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ لا يليق إلا بالكفار.
المناسبة:
بعد أن أثبت الله تعالى أن القرآن من عند الله تعالى، وليس بالمفترى من محمد صلى الله عليه وسلّم كما يزعم المشركون، ذكر أن سبب المعارضة والتّكذيب هو الهوى والشهوة ومحض الحسد وحظوظ الدّنيا.
التفسير والبيان:
من كانت إرادته مقصورة على حبّ الدّنيا وزينتها، من متاع ولباس، وزينة وأثاث، ولم يكن طالبا السعادة الأخروية، يوصل الله إليه جزاء عمله في الدّنيا من الصّحة والرّياسة وسعة الرّزق وكثرة الأولاد، ويوفّيه ثمرة جهده تماما دون أن ينقصه شيئا من مردود العمل ونتيجة الكسب لأن الأرزاق منوطة بالأعمال، لا بالنّيات.

صفحة رقم 37

وذلك يدلّ على أن ثمرة العمل في الدّنيا مرتبطة بالكسب وتقدير الله، وأما جزاء الآخرة فهو محصور بإرادة الله وفضله وإحسانه.
وأولئك الذين لا همّ لهم إلا الدّنيا، لا حظّ لهم في الآخرة إلا النّار في مقابلة ما عملوا لأنهم استوفوا في الدّنيا ثمرة العمل الحسن، وبقي لهم في الآخرة وزر العمل السّيء، وتبدد أثر عملهم في الدّنيا، وبطل ثواب عملهم في الآخرة لأنهم لم يريدوا وجه الله تعالى، والعمدة في الثواب الأخروي هو الإخلاص لله عزّ وجلّ.
ونظير الآية قوله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ، ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً. وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ، فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً [الإسراء ١٧/ ١٨- ١٩]، وقوله سبحانه: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ، وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها، وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ [الشورى ٤٢/ ٢٠].
ويؤيّده الحديث المشهور في الصّحيحين عن عمر رضي الله عنه: «إنما الأعمال بالنّيات، وإنما لكلّ امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» وقال قتادة: من كانت الدّنيا همّه ونيّته وطلبته، جازاه الله بحسناته في الدّنيا، ثم يفضي إلى الآخرة، وليس له حسنة يعطى بها جزاء. وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدّنيا، ويثاب عليها في الآخرة. أي أن للمؤمن على عمله الحسن ثوابين، ثواب الدّنيا وثواب الآخرة، وللكافر ثوابا واحدا وهو في الدّنيا فقط.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلّت الآيتان على ما يأتي:

صفحة رقم 38
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية