
وقال ابن الأنباري: التأويل وضائق بإظهاره صدرك. قال: ويجوز أن تكون ﴿أَنَ﴾ في موضع خفض بالرد على الهاء في به، يراد: وضائق صدرك بأن يقولوا لولا أنزل عليه (١) كنز.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ﴾، قال الزجاج (٢): أي إنما عليك أن تنذرهم وتأتيهم من الآيات بما يوحى إليك، وليس عليك أن تأتيهم بشهواتهم في الاقتراح، ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾، أي حافظ لكل شيء، وذكرنا بيان هذا عند قوله ﴿وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾ (٣) في آخر سورة يونس (٤).
١٣ - قوله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ﴾ يعني مثل القرآن في البلاغة؛ وذلك أن القرآن من البلاغة في أعلاها، وأعلى البلاغة معجز.
وقوله تعالى ﴿مُفْتَرَيَاتٍ﴾ أي: بزعمكم، أي إن أصبتم في تكذيب القرآن وقولكم فيه إنه مُفترى، يوجب عليكم أن تأتوا بالمعارضة، كما ادعيتم على النبي - ﷺ -، فقوله ﴿مُفْتَرَيَاتٍ﴾ للمقابلة لا لتحقيق وصف القرآن بأنه مفترى (٥) ﴿وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ أي إلى المعاونة على
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٤١.
(٣) في الأصل: (عند قوله.. ﴿وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾) وهو خطأ.
(٤) قال عند قوله تعالى: ﴿وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾ يونس: ١٠٨: "أي: في منعكم من اعتقاد الباطل، فانظروا لأنفسكم نظر من يطالب بعمله، من غير أن يطالب غيره بحفظه، كأنه قيل: بحفيظ من الهلاك، كما يحفظ الوكيل المتاع من الهلاك".
(٥) وهذا كثير في أسلوب القرآن، ومنه قوله تعالى: كلي وَ {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ =

المعارضة، وهذا أتمّ ما لِكون من التحدي (١) في المحاجة ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ في قولكم افتراه. وتفسير مثل هذه الآية قد سبق في سورة يونس عند قوله: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ﴾ [يونس: ٣٨].
قوله تعالى: ﴿فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ﴾ [يعني المشركين، لم يستجيبوا لكم] (٢) إلى المعارضة، والخطاب في قوله ﴿لَكُمْ﴾ (٣) للنبي - ﷺ -[وأصحاب في قول مجاهد (٤)؛ لأنه قال: عني به أصحاب محمد - ﷺ -.
قال الفراء (٥): هذا كقوله: ﴿عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ﴾، [يونس: ٨٣] يريد أن خطاب النبي - ﷺ - في الآية الأولى كخطاب أصحاب النبي - ﷺ -]، (٦)، فكأنه قال: قولوا: فأتوا بعشر سور، كما قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق: ١].
قال ابن الأنباري (٧): العرب قد تذكر الاسم موحدًا ثم ترجع إلى قوم الاسم وأهله وأصحابه فيجمعون، من ذلك قول الشاعر (٨):
دالت علينا (٩) يمينًا لا تكلمنا | من غير (١٠) بأس ولا من ريبة حلفوا |
(١) ساقط من (ب).
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٣) ساقط من (ي).
(٤) الطبري ١٢/ ١٠، الثعلبي ٧/ ٣٥ أ، أبو الشيخ كما في "الدر" ٣/ ٥٨٣.
(٥) "معاني القرآن" ٢/ ٥.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٧) "زاد المسير" ٤/ ٨٣، القرطبي ٩/ ١٣، الثعلبي ٧/ ٣٥ أ، البغوي ٤/ ١٦٥.
(٨) لم أقف عليه، وهو من بحر البسيط.
(٩) في (ب): (عليها).
(١٠) في (أ، ب، ج): بزيادة (ما) وبها ينكسر البيت.

فجعل دالت لواحدة مؤنثة ثم رجع إليها وإلى قومها فجمع
وقوله تعالى: ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ﴾، قال ابن الأنباري: هذا خطاب لأهل الكفر بإضمار قول قبله، يراد به: فقولوا لهم: اعلموا أنما أنزل بعلم الله، أي أنزل والله عز وجل عالم بإنزاله، وعالم أنه حق من عنده، ويجوز أن يكون معنى (بعلم الله) أي بما أنبأ الله به من غيب ودلَّ (١) على ما سيكون وما سلف مما لم (٢) يقرأ به النبي - ﷺ - كتاباً، والوجهان ذكرهما أبو إسحاق (٣).
وقال أبو بكر: اعلموا أنما أنزل بعلم الله الذي لكم فيه النفع والشفاء والرشد من أمره ونهيه ووعده ووعيده، وغير ذلك من تعليمه وتشديده، هذا الذي ذكرنا من أن قوله: ﴿فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ﴾ خطاب للنبي - ﷺ - وأصحابه، مذهب المفسرين وأصحاب المعاني (٤) وقال بعضهم (٥): الخطاب فيه للمشركين؛ أي فإن لم يستجيبوا (٦) لكم من تدعونهم إلى المعاونة ولا تهيأ لكم المعارضة، فقد قامت عليه الحجة ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ﴾.
وقوله تعالى: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ استفهام (٧) معناه الأمر، وقد
(٢) ساقط من (ي).
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٤٢.
(٤) الثعلبي ٧/ ٣٥ أ، البغوي ٤/ ١٦٥، ابن عطية ٧/ ٢٥٢، "زاد المسير" ٤/ ٨٣، القرطبي ٩/ ١٣، ابن كثير ٢/ ٤٨١.
(٥) رجحه الطبري ١٢/ ١٠، واستبعد الأول، ابن عطية ٧/ ٢٥٢، القرطبي ٩/ ١٣، ورجحه الرازي ١٧/ ١٩٦، أبو حيان في "البحر" ٥/ ٢٠٩.
(٦) في (ب): (يستجيب).
(٧) ساقص من (ب).