
﴿وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ﴾ أي: وضائق بما يوحى إليك صدرك، فلا تبلغهم إياه مخافة أن يقولوا: فهلا ﴿أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ﴾: من مال ﴿أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ﴾ يصدقه فيما يقول، وينذر معه. إنما عليك يا محمد الإنذار. ﴿والله على كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾: أي: لست يا محمد عليهم بوكيل. الله هو الوكيل عليهم، أي: هو القائك بمجازاتهم وأمورهم.
فالهاء في " به " تعود على " ما "، أو على " بعض "، أو على التبليغ، أو على التكذيب.
قوله: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افتراه قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ﴾ إلى قوله ﴿يَعْمَلُونَ﴾:
المعنى: أيقولون افتراه، أي: اختلق القرآن من عند نفسه. و " أَمْ " هنا هي المنقطعة التي هي بمعنى الألف قل لهم يا محمد ﴿فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ﴾: أي: مثل القرآن. ﴿مُفْتَرَيَاتٍ﴾: مختلفات، أي: مختلفات، أي: مفتعلات. كما زعمتم أني اختلقت

القرآن، فاختلقوا أنتم أيضاً. إذ محال أن أقدر على ما لا تقدرون، لأنا أهل لسان واحد.
﴿وادعوا مَنِ استطعتم مِّن دُونِ الله﴾: أي: ادعوا للاختلاق والعون من شئتم إلا الله سبحانه ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾: في قولكم إن محمداً ﷺ، افترى القرآن من عند نفسه.
ثم قال تعالى: ﴿فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ﴾: أي: إلم يستجب لكم أيها المشركون من (تدعون لأن يأتوا) بعشر سور مثل هذا القرآن ﴿مُفْتَرَيَاتٍ﴾ ولم تطيقوا أن تأتوا بذلك، ﴿فاعلموا أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ الله﴾: أي: أيقنوا أن هذا القرآن أنزل على محمد بعلم الله، وألاَّ معبود إلا الله تعالى.

وقيل: المعنى: فإلم يستجب لكم يا محمد هؤلاء المشركون في أن يأتوا بذلك ﴿فاعلموا﴾: أيها المشركون أنه إنما أنزل بعلم الله. وأتى بـ " لكم " لأن المراد النبي ﷺ، والمؤمنون.
وقيل: خوطب النبي ﷺ، بلفظ الجماعة كما يخاطب العظيم، والشريف. والنبي ﷺ، أشرف مَنْ على وجه الأرض.
﴿فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾: أي: مذعنون بالطاعة، مُخْلصُون لله تعالى، العبادة.
ثم قال تعالى: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا﴾. المعنى: من " كان يريد بعمله الحياة الدنيا وزينتها، نوف إليهم أجورهم فيها ".
﴿وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ﴾: هذا للكافر، فأما المؤمن فيجازى بحسناته في

الدنيا، ويثاب عليها في الآخرة.
وقيل: إن قوله: ﴿وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ﴾: يعني: في الآخرة لا يظلمون.
قال مجاهد: هي في أهل الرياء.
وقيل: المعنى: لئن كان يريد بغزوه الغنيمة وفي ذلك، ولم ينقص منه شيئاً.
وقال ابن عباس: نسختها ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ العاجلة عَجَّلْنَا (لَهُ) فِيهَا مَا نَشَآءُ / لِمَن نُّرِيدُ﴾ [الإسراء: ١٧]. وهذا مردود، لأنه خبرٌ، والأخبار لا ننسخ.
روى أبو هريرة أن النبي ﷺ، قال: " إن الله جل ثناؤه، إذا كان يوم القيامة نزل إلى العباد ليقضي بينهم، وكل أمة جاثية. فأول من يدعى به: رجل جمع القرآن،

ورجل قتل في سبيل الله، ورجل كثير المال. فيقول الله تعالى، للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى، يا رب. قال فما عَمِلتَ فما علِمْت؟ قال: كنت اقرأ آناء الليل، وآناء النهار (ابتغاء وجهك)، فيقول الله، جلَّ ثناؤه: " كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله تعالى: أردتَ أن يُقالَ: فلان " قارئ. فقد قيل ذلك. ويؤتى بصاحب المال، فيقول الله تعالى، له: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى، يا رب، قال: فماذا عملت فيما أتيتك؟ قال: كنت اصِل الرحم، وأتصدق " ابتغاء وجهك ". فيقول الله تعالى له: كذبت، وتقول الملائكة له: كذبت، بل أردت أن يقال: فلان جواد. فقد قيل ذلك. ويؤتى بالذي قُتل في سبيل الله تعالى، فيقال له: فبماذا قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك، فقاتلت حتى قتلت. فيقول الله، تعالى، له: كذبت، وتقول الملائكة له: كذبت. فيقول الله تعالى له: بل أردت أن يقال: فلان جريء، فقد قيل ذلك. ثم ضرب رسول الله ﷺ، على ركبتيَّ، فقال: يا أبا هريرة! أولئك الثلاثة أول خلق الله تُسَعَّر بهم النار يوم القيامة ".
صفحة رقم 3362