
قال ع «١» : وذلك أن اللَّه تعالى خلق خَلْقاً للسعادة، وخَلْقاً للشقاوةِ، ثم يَسَّر كُلاًّ لما خلق له، وهذا نصٌّ في الحديث الصحيحِ، وجعل بَعْدُ ذلك الاختلاف في الدِّين على الحَقِّ هو أمارةَ الشقاوةِ، وبه علَّق العقابَ، فيصحُّ أَنْ يُحْمَلَ قولُ الحَسَن هنا:
وللاختلافِ خَلَقُهُمْ، أي: لثمرة الاختلافِ، وما يكونُ عنه مِنْ شقاوةٍ أو سعادةٍ، وقال أشْهَبُ: سألتُ مالكاً عن هذه الآية، فقال: خَلَقَهُمْ ليكونَ فريقٌ في الجنةِ، وفريقٌ في السعيرِ، وقيل غير هذا.
وقوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ أي: نفذ قضاؤه، وحَقَّ أمره، واللام في لَأَمْلَأَنَّ: لام قسم.
[سورة هود (١١) : الآيات ١٢٠ الى ١٢٣]
وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (١٢٠) وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٢٣)
وقوله سبحانه: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ، و «كُلاًّ» مفعولٌ مقدَّم ب «نَقُصُّ»، و «ما» بدلٌ من قوله: وَكُلًّا، ونُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ أي: نؤنِّسك فيما تلْقَاه، ونجعل لك الإِسْوَة.
وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ قال الحسنُ: هذِهِ إِشارة إِلى دار الدنيا «٢»، وقال ابن عباس: هذِهِ، إِشارة إِلى السورة «٣»، وهو قولُ الجمهور.
قال ع «٤» : ووجه تخصيص هذه السُّورة بوَصْفها بحقٍّ، والقرآن كلُّه حق أنَّ ذلك يتضمَّن معنى الوعيد للكفَرَة، والتنبيهِ للنَّاظر، أي: جاءك في هذه السورة الحَقُّ الذي أصَابَ الأُمَم الماضيةَ، وهذا كما يقالُ عند الشدائدِ: جَاءَ الحَقُّ، وإِن كان الحَقُّ يأتي في غَيْر الشدائدِ، ثم وصَف سبحانَه أنَّ ما تضمَّنته السورةُ هو موعظةٌ وذكْرَى للمؤمنينَ.
(٢) أخرجه الطبري (٧/ ١٤٢- ١٤٣) برقم: (١٨٧٥٧، ١٨٧٦١)، وذكره ابن عطية (٣/ ٢١٦)، والبغوي في «تفسيره» (٢/ ٤٠٧)، وابن كثير (٢/ ٤٥٦)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٦٤٦).
(٣) أخرجه الطبري (٧/ ١٤٤) برقم: (١٨٧٧٧)، وذكره ابن عطية (٣/ ٢١٦)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٦٤٦)، وعزاه إلى عبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه.
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ٢١٦).

وقوله سبحانه: وَقُلْ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ... الآية: آية وعيد.
وقوله تعالى: وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ... الآية: أية تعظيمٍ وانفراد بما لا حَظَّ لمخلوقِ فيهِ، ثم أمر سبحانه العَبْدَ بِعِبَادَتِهِ، والتوكُّلِ عليه، وفيهما زوالُ هَمِّهِ وصَلاَحُهُ، ووصُولُهُ إِلى رضوان اللَّه تعالى، فقال: فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ، اللَّهم اجعلنا مِمَّن توكَّل عليك، ووفَّقْتَهُ لِعَبَادَتِكَ كما ترضَى، وصلَّى اللَّه على سيِّدنا محمَّد وآله وصحبه وسلَّم تسليماً، والحمد لله على جزيل ما به أنعم.