
روى أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فذكر له كأنه يسأله عن كفارتها فأنزلت الآية وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ فقال: يا رسول الله، إلىّ هذه؟ قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «هي لمن عمل بها من أمّتى».
المعنى:
في الحديث أن الذنب الذي قارفه السائل ليس فيه حد وإنما يكفره العمل الصالح من إسباغ وضوء، وإقامة صلاة، وإحسان في العمل فذلك كله يطهر النفس ويزكيها من أثر الدنس الذي ألم بها.
ومراحل التوبة الصادقة علم بالذنب وخطره على صاحبه، وحال عند الشخص من ندم على الذنب، وألم في النفس يوجب العزم على عدم العودة، والعمل الصالح الذي يطهر النفس من خب الذنب إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً. [مريم ٦٠]، ذلك الذي مر من الوعظ الصادق والأمر النافع الذي يقتضى المراقبة التامة لله في السر والعلن ذكرى وموعظة حسنة للذاكرين ذوى الألباب والأرواح الطاهرة واصبر..
يا سبحان الله!! أمرتنا بالصبر المطلق العام في كل شيء صبر على الطاعة وما فيها من تحمل المشاق، وصبر على الابتعاد عن المحرمات والمنكرات التي تهواها النفس البشرية، وصبر على الشدائد والمصائب والأزمات التي تعترض الإنسان في حياته الخاصة والعامة، واصبر أيها المسلم فإن الله لا يضيع أجر المحسنين الصابرين اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [سورة البقرة آية ١٥٣] والله يوفى الصابرين أجرهم بغير حساب.
السبب العام في هلاك الأمم السابقة [سورة هود (١١) : الآيات ١١٦ الى ١١٩]
فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦) وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (١١٧) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩)

المفردات:
الْقُرُونِ جمع قرن ويطلق على عدد من السنين قيل: مائة سنة، وعلى الجماعة من الناس المقترنين في زمن واحد بَقِيَّةٍ أصحاب طاعة وعقل وبصر بالأمور، والأصل أن البقية ما يبقى من الشيء بعد ذهاب أكثره، ومن الناس كذلك ثم استعمل في الخيار الصالحين النافعين إذ الغالب أن المنفق ينفق الرديء ويبقى الحسن وهذا مما يدخل في قاعدة بقاء الأصلح الْجِنَّةِ الجن سموا بهذا لاستتارهم.
هذه الآيات لبيان السبب في هلاك الأمم التي قص خبرها في السورة مع إرشادنا إلى تجنب تلك الأسباب، والابتعاد عن المزالق التي انزلق فيها السابقون من ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، واتباع دواعي الترف والبطر، والإجرام والظلم بأنواعه، والبعد عن الاختلاف والتفرق في اتجاهنا العام.
المعنى:
فهل كان من الأمم السابق قصصها، والتي مضت قبلكم جماعة أولو بقية وعقل، وأصحاب رأى وعزم ينهون عن الفساد في الأرض، ويأمرون بالمعروف لا يبالون شيئا ولا يخافون خطرا، لا يمنعهم منه لومة لائم، ولا جاه سلطان جائر. ولولا التي في الآية للتحضيض والحث على عمل ما بعدها مع الإشارة إلى الأسف لعدم تحقيقه فيما مضى.

لكن قليلا من الذين أنجيناهم مع رسلهم كانوا أولى بقية نهوا عن المنكر وأمروا بالمعروف، واتبع الذين ظلموا أنفسهم- وهم الأكثرية الكثيرة في تلك الأمم- ما أترفوا فيه، من نعمة وعافية ودولة وسلطان، فكانت الأكثرية لا تأمر بمعروف ولا تنهى عن منكر، ولكنهم عقدوا عزمهم على اتباع الشهوات، وساروا وراء ما فيه التنعم والترف من حب الرياسة والثروة وطلب أسباب العيش الهنيء ورفضوا ما وراء ذلك، ونبذوه وراءهم ظهريا، وكانوا مجرمين! وأى إجرام أكثر من هذا؟
ومن هنا يعلم أن الترف هو الذي يدعو إلى السرف المفضى إلى الفسوق والعصيان والظلم والإجرام، يظهر هذا في الكبار والموسرين ثم ينتقل إلى الفقراء المعوزين فتسوء حال الأمم وتتدهور أخلاقها وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً
[سورة الإسراء آية ١٦].
وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون، نعم ليس من شأنه سبحانه وتعالى، أن يهلك القرى ظالما لها وأهلها مصلحون. وقيل المعنى: وما كان ربك مهلكا القرى بسبب الظلم الذي هو الشرك والحال أن أهلها مصلحون في المعاملة بينهم وبين الناس بمعنى أنهم لا يطففون الكيل كما فعل قوم شعيب، ولا يأتون الرجال كما فعل قوم لوط، ولا يتبعون كل جبار عنيد كما فعل قوم فرعون، ولا يبطشون بالناس بطش الجبارين كما فعل قوم هود، بل لا بد أن يضموا إلى الشرك الإفساد في الأعمال والأحكام، وهو الظلم المقوض للأمم ولذا قيل الأمم تبقى مع الكفر. ولا تبقى مع الظلم.
وتحتمل الآية: وما كان ربك مهلكا لهم بظلم قليل يقع من الأقلية البسيطة، والأكثرون مصلحون، والآية الكريمة تحتمل كل هذا وفوق هذا، وسبحان من هذا كلامه- تبارك وتعالى-!! ولو شاء ربك أيها الحريص على إيمان قومه لجعل الناس أمة واحدة، وآمن من في الأرض كلهم جميعا.
ولو شاء ربك لخلق الناس وفي غريزتهم وفطرتهم قبول الدين بلا تفكير ولا نظر فكانوا كالنمل والنحل أو الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم، ولكنه شاء لهم ذلك وقدر لهم