
باطل. فهم يرون أن التحدث عن البعث كالسحر في الخديعة أو البطلان. وهذا موقف متناقض، فهم يقرّون بأن الله خالق السماوات والأرض، ثم ينكرون ما هو أيسر من ذلك، وهو البعث من القبور، لأن البداءة للخلق أعسر من الإعادة، وخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس.
موقف الإنسان من النعمة الإلهية أو النقمة
لا يدرك الإنسان إدراكا كافيا مدى نعم الله تعالى عليه، ولا يقدرها حقّ قدرها، ولا يشكر ربّه المنعم بها، وقد يستبدّ به الغرور والطيش فيطلب نزول العذاب، وربما تكبّر وبطر وتفاخر وقت النعمة. وإذا تعرّض لنقمة أو محنة، جحد وجود الإله القادر، ويئس من رحمة الله، إلا القليل من الناس الذين يصبرون في وقت المحنة، ويشكرون الله على أي حال. وهذا هو خلق الإنسان، كما صوّره القرآن الكريم في قوله تعالى:
[سورة هود (١١) : الآيات ٨ الى ١١]
وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١١)
«١» «٢» «٣» «٤» «٥» [هود: ١١/ ٨- ١١].
تصوّر هذه الآيات سوء طبع الإنسان، فإنه يجهل سنّة الله وحكمته، ويطلب أن يكون كل شيء على وفق هواه، فتراه كما أقسم الحقّ سبحانه، إذا أخّر الله العذاب
(٢) حاق: معناه حلّ وأحاط، وهي مستعملة في المكروه.
(٣) شديد اليأس.
(٤) نائبة أصابته.
(٥) لبطر النعمة مغتر بها.

وقتا من الزمان عن بعض الكفار، بحسب توعّد الله إياهم، بادر إلى القول استهزاء وتكذيبا: ما يحبس هذا العذاب؟ أي ما الذي يؤخّره عنّا؟ فأجاب الله تعالى بأنه إذا حان الوقت وحلّ الأجل الذي حدّده الله لنزول العذاب الذي يستهزئون به، لم يصرفه عن الكفار صارف، وسيحيط بهم من كل جانب، جزاء بما كانوا يستهزئون به من العذاب قبل وقوعه. وعلى الجميع أن يعلموا أن وعد الله بالخير كائن حتما، ووعيده بالجزاء واقع قطعا، كما قال تعالى: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ [الرّعد: ١٣/ ٣٨]، وقال سبحانه: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (٧) ما لَهُ مِنْ دافِعٍ (٨) [الطّور: ٥٢/ ٧- ٨].
ومن صفات الإنسان الذّميمة إلا من رحم ربّك: أنه إذا منحه الله نعمة من صحة ورزق وأمن وولد بارّ، رحمة منه، ثم سلبه تلك النّعمة، وأبدله بها نقمة من مرض أو فقر أو خوف أو موت أو كارثة، إذا أنعم الله عليه، ثم تغيّر حاله، يئس وتحرّج وسخط، وجحد وكفر، ونسي النّعمة، ولم يذكر إلا المحنة والمصيبة، ولو تأمل قليلا، ونظر إلى نعمة الله الباقية عليه في عقله وحواسه وغير ذلك، أو قارن المصاب بغيره، لهان عليه الأمر، ولم يكفر ولم يجحد.
وإذا منح الله الإنسان (أي جنس الإنسان) نعمة من بعد ضرّاء، كشفاء من مرض، وقوة من بعد ضعف، ويسر من بعد عسر، لقال: ذهب ما كان يسوؤني من المصائب، ولن ينالني بعد اليوم ضيم ولا سوء، وأصبح شديد الفرح والبطر بتلك النعمة، وتفاخر وتعاظم على غيره، محتقرا من دونه. فكان في موقفه هذا أيضا مخطئا خطأ شديدا، لأنه لا يقابل النعمة بالشكر عليها، بل تفاخر على الناس، وقصر في حقوق الله عليه. والسّيئات في قوله تعالى: ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي كل ما يسوء في الدنيا. وقوله سبحانه: إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ أي متماد في الفرح والبطر، متفاخر على غيره.

وكل من هذين الموقفين خطأ وسوء طبع ومرض شديد، ففي حال المحنة أو النقمة يجب على الإنسان الصبر وطلب الفرج والرّضا بالقضاء والقدر، لأن الصبر مفتاح الفرج، وفي حال النعمة يلزمه الشكر والاعتراف بالجميل والوفاء بالمعروف، لأن بالشكر تدوم النّعم، وبالحمد لله والتفويض له يظهر الإيمان، ويتم الإحسان.
ثم استثنى الله تعالى من جنس الإنسان إذا ساء طبعه غالبا جماعة تميّزوا بالصبر على الشدائد والمكاره، كالجهاد والفقر والمصيبة، وعملوا الأعمال الصالحة، أي الأفعال الطيبة المفيدة، كأداء الفرائض وشكر النعمة، وعمل الخير والإحسان للناس، والتّقرب إلى الله بصالح الأعمال، أولئك لهم مغفرة لذنوبهم بسبب عملهم الصالح أو بصبرهم على الضرّ، ولهم ثواب كبير في الآخرة على ما عملوا من أعمال الخير، وما أسلفوا في زمن الرخاء، وأقل مراتب هذا الثواب الظفر بالجنة.
وفي معنى الآية قوله تعالى: وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (٣) [العصر: ١٠٣/ ١- ٣].
كل هذا يذكرنا بأن الإنسانية السّوية والأصول الرشيدة تقتضي من كل إنسان الصبر عند الشدائد ومثابرة عبادة الله، والشكر عند النعم، حتى لا يتعرض المرء للسخط الإلهي أو العذاب الرّبّاني. والذي يحمل على الصبر هو حبّ الله وخوف الدار الآخرة. والعمل الصالح لا ينفع إلا مع هداية وإيمان.
تحدي العرب بالقرآن
وقف العرب في مكة من القرآن والنبي ودعوة الإسلام موقف المعاند والمكابر، وحاولوا أن يدافعوا عن أنفسهم بأساليب ملتوية، والمطالبة بأمور تعجيزية غير مقنعة ولا متفقة مع أصول المنهج العقلاني أو الخصام السياسي الشريف، وتجاوز التمرد