
سورة هود
مكية إلا الآيات ١٢ و ١٧ و ١١٤ فمدنية وآياتها ١٢٣ نزلت بعد سورة يونس بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (سورة هود عليه السلام)
الر كِتابٌ يعني القرآن، وهو خبر ابتداء مضمر أُحْكِمَتْ أي أتقنت فهو من الإحكام للشيء ثُمَّ فُصِّلَتْ قيل معناه بينت وقيل قطعت سورة سورة، وثم هنا ليست للترتيب في الزمان، وإنما هي لترتيب الأحوال: كقولك فلان كريم الأصل ثم كريم الفعل أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ أن مفسرة وقيل مصدرية في موضع مفعول من أجله، أو بدل من الآيات، أو يكون كلاما مستأنفا منقطعا عما قبله، على لسان رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم، ويدل على ذلك قوله: إنني لكم منه نذير وبشير وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ
أي استغفروه مما تقدم من الشرك والمعاصي، ثم ارجعوا إليه بالطاعة والاستقامة عليها يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً أي ينفعكم في الدنيا بالأرزاق، والنعم، والخيرات، وقيل:
هو طيب عيش المؤمن برجائه في الله ورضاه بقضائه، لأنه الكافر قد يتمتع في الدنيا بالأرزاق إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى يعني إلى الموت وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ أي يعطي في الآخرة كل ذي عمل جزاء عمله، والضمير يحتمل أن يعود على الله تعالى أو على ذي فضل وَإِنْ تَوَلَّوْا خطاب للناس، وهو فعل مستقبل حذفت منه إحدى التاءين عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ يعني يوم القيامة أو غيره كيوم بدر
أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ قيل:
كان الكفار إذا لقيهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يردون إليه ظهورهم، لئلا يرونه من شدة البغض والعداوة، والضمير في منه على هذا يعود إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقيل: إن ذلك عبارة عما تنطوى عليه صدورهم من البغض والغل، وقيل: هو عبارة عن إعراضهم لأن من أعرض عن شيء انثنى عنه وانحرف، والضمير في منه على هذا يعود على الله تعالى أي يريدون أن يستخفوا من الله تعالى فلا يطلع رسوله ولا المؤمنون على ما في قلوبهم أَلا حِينَ

يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ
أي يجعلونها أغشية وأغطية، كراهية لاستماع القرآن، والعامل في حين يعلم ما يسرون، وقيل: المعنى يريدون أن يستخفوا حين يستغشون ثيابهم، فيوقف عليه على هذا، ويكون يعلم استئنافا وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وعد وضمان صادق، فإن قيل: كيف قال: على الله بلفظ الوجوب، وإنما هو تفضل، لأن الله لا يجب عليه شيء؟ فالجواب: أنه ذكره كذلك تأكيدا في الضمان، لأنه لما وعد به صار واقعا لا محالة لأنه لا يخلف الميعاد وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها المستودع صلب الأب والمستقر بطن المرأة وقيل: المستقر المكان في الدنيا والمستودع القبر وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ دليل على أن العرش والماء كانا موجودين قبل خلق السموات والأرض لِيَبْلُوَكُمْ أي ليختبركم اختبارا تقوم به الحجة عليكم، لأنه كان عالما بأعمالكم قبل خلقكم ويتعلق ليبلوكم بخلق سِحْرٌ مُبِينٌ يحتمل أن يشيروا إلى القرآن، أو إلى القول بالبعث يعنون أنه باطل كبطلان السحر وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ يحتمل أن يريد عذاب الدنيا أو الآخرة إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ أي إلى وقت محدود لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أي أي شيء يمنع هذا العذاب الموعود به، وقولهم ذلك على وجه التكذيب والاستخفاف وَلَئِنْ أَذَقْنَا الآية: ذم لمن يقنط عند الشدائد، ولمن يفتخر ويتكبر عند النعم، والرحمة هنا والنعماء يراد بهما الخيرات الدنيوية، والإنسان عام يراد به الجنس والاستثناء على هذا متصل، وقيل: المراد بالإنسان الكافر فالاستثناء منقطع فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ الآية: كان الكفار يقترحون على رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم أن يأتي بكنز أو يأتي معه ملك، وكانوا يستهزؤن بالقرآن فقال الله تعالى له: فلعلك تارك أن تلقى إليهم بعض ما أنزل إليك ويثقل عليك تبليغهم من أجل استهزائهم، أو لعلك يضيق صدرك من أجل أن يقولوا: لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك، والمقصود بالآية تسلية النبي صلّى الله عليه وسلّم عن قولهم حتى يبلغ الرسالة، ولا يبالي بهم، وإنما قال ضائق، ولم يقل ضيق ليدل على اتساع صدره عليه السلام وقلة ضيقه إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ أي ليس عليك إلا الإنذار والتبليغ والله هو الوكيل، الذي يقضي