آيات من القرآن الكريم

أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ
ﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞ

وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ مَا فَعَلَ بِهِمْ فقال:
[سورة الفيل (١٠٥) : آية ٢]
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢)
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ الْكَيْدَ هُوَ إِرَادَةٌ مُضِرَّةٌ بِالْغَيْرِ عَلَى الْخُفْيَةِ، إِنْ قِيلَ: فَلِمَ سَمَّاهُ كَيْدًا وَأَمْرُهُ كَانَ ظَاهِرًا، فَإِنَّهُ كَانَ يُصَرِّحُ أَنَّهُ يَهْدِمُ الْبَيْتَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، لَكِنَّ الَّذِي كَانَ فِي قَلْبِهِ شَرٌّ مِمَّا أَظْهَرَ، لِأَنَّهُ كَانَ يُضْمِرُ الْحَسَدَ لِلْعَرَبِ، وَكَانَ يُرِيدُ صَرْفَ الشَّرَفِ الْحَاصِلِ لَهُمْ بِسَبَبِ الْكَعْبَةِ مِنْهُمْ وَمِنْ بَلَدِهِمْ إِلَى نَفْسِهِ وَإِلَى بَلْدَتِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: إِضَافَةُ الْكَيْدِ إِلَيْهِمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَرْضَى بِالْقَبِيحِ، إِذْ لَوْ رَضِيَ لَأَضَافَهُ إِلَى ذَاتِهِ،
كَقَوْلِهِ: الصَّوْمُ لِي
وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ ثَبَتَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي حُسْنِ الْإِضَافَةِ أَدْنَى سَبَبٍ، فَلِمَ لَا يَكْفِي فِي حُسْنِ هَذِهِ الْإِضَافَةِ وُقُوعُهُ مُطَابِقًا لِإِرَادَتِهِمْ وَاخْتِيَارِهِمْ؟.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي تَضْلِيلٍ أَيْ فِي تَضْيِيعٍ وَإِبْطَالٍ يُقَالُ: ضَلَّلَ كَيْدَهُ إِذَا جَعَلَهُ ضَالًّا ضَائِعًا وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ [الرعد: ١٤] وَقِيلَ لِامْرِئِ الْقَيْسِ الْمَلِكُ الضَّلِيلُ، لِأَنَّهُ ضَلَّلَ مُلْكَ أَبِيهِ أَيْ ضَيَّعَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ كَادُوا الْبَيْتَ أَوَّلًا بِبِنَاءِ الْقُلَّيْسِ وَأَرَادُوا أَنْ يَفْتَتِحُوا أَمْرَهُ بِصَرْفِ وُجُوهِ الْحَاجِّ إِلَيْهِ، فَضَلَّلَ كَيْدَهُمْ بِإِيقَاعِ الْحَرِيقِ فِيهِ، ثُمَّ كَادُوهُ ثَانِيًا بِإِرَادَةِ هَدْمِهِ فَضَلَّلَ بِإِرْسَالِ الطَّيْرِ عَلَيْهِمْ، وَمَعْنَى حَرْفِ الظَّرْفِ كَمَا يُقَالُ: سَعْيُ فُلَانٍ فِي ضَلَالٍ، أَيْ سَعْيُهُمْ كَانَ قَدْ ظَهَرَ لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنَّهُ كَانَ ضَلَالٌ وَخَطَأٌ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:
[سورة الفيل (١٠٥) : آية ٣]
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (٣)
وَفِيهِ سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: لِمَ قَالَ: طَيْراً عَلَى التَّنْكِيرِ؟ وَالْجَوَابُ: إِمَّا لِلتَّحْقِيرِ فَإِنَّهُ مَهْمَا كَانَ أَحْقَرَ كَانَ صُنْعُ اللَّهِ أَعْجَبَ وَأَكْبَرَ، أَوْ لِلتَّفْخِيمِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: طَيْرًا وَأَيُّ طَيْرٍ تَرْمِي بِحِجَارَةٍ صَغِيرَةٍ فَلَا تُخْطِئُ الْمَقْتَلَ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: مَا الْأَبَابِيلُ الْجَوَابُ: أَمَّا أَهْلُ اللُّغَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَبَابِيلُ جَمَاعَةٌ فِي تَفْرِقَةٍ، يُقَالُ:
جَاءَتْ الْخَيْلُ أبابيل أبابيل من هاهنا وهاهنا، وَهَلْ لِهَذِهِ اللَّفْظَةِ وَاحِدٌ أَمْ لَا؟ فِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: وَهُوَ قَوْلُ الْأَخْفَشِ وَالْفَرَّاءِ أَنَّهُ لَا وَاحِدَ لَهَا وَهُوَ مِثْلُ الشَّمَاطِيطِ وَالْعَبَادِيدِ، لَا وَاحِدَ لَهَا وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَهُ وَاحِدٌ، ثُمَّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَكَرُوا ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا: زَعَمَ أَبُو جَعْفَرٍ الرُّؤَاسِيُّ وَكَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا أَنَّهُ سَمِعَ وَاحِدَهَا إِبَّالَةٌ، وَفِي أَمْثَالِهِمْ: ضِغْثٌ عَلَى إِبَّالَةٍ، وَهِيَ الْحُزْمَةُ الْكَبِيرَةُ سُمِّيَتِ الْجَمَاعَةُ مِنَ الطَّيْرِ فِي نِظَامِهَا بِالْإِبَّالَةِ وَثَانِيهَا: قَالَ الْكِسَائِيُّ: كُنْتُ أَسْمَعُ النَّحْوِيِّينَ يَقُولُونَ: إِبُولٌ وَأَبَابِيلُ كَعُجُولٍ وَعَجَاجِيلَ وَثَالِثُهَا: قَالَ الْفَرَّاءُ: وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: وَاحِدُ الْأَبَابِيلِ إِيبَالَةٌ كَانَ صَوَابًا كَمَا قَالَ: دِينَارٌ وَدَنَانِيرُ.
السُّؤَالُ الثَّالِثُ: مَا صِفَةُ تِلْكَ الطَّيْرِ؟ الْجَوَابُ: رَوَى ابْنُ سِيرِينَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتْ طَيْرًا لَهَا خَرَاطِيمُ كَخَرَاطِيمِ الْفِيلِ وَأَكُفٌّ كَأَكُفِّ الْكِلَابِ، وَرَوَى عَطَاءٌ عَنْهُ قَالَ: طَيْرٌ سُودٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْبَحْرِ فَوْجًا فَوْجًا، وَلَعَلَّ السَّبَبَ أَنَّهَا أُرْسِلَتْ إِلَى قَوْمٍ كَانَ فِي صُورَتِهِمْ سَوَادُ اللَّوْنِ وَفِي سِرِّهِمْ سَوَادُ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهَا بِيضٌ صِغَارٌ وَلَعَلَّ السَّبَبَ أَنَّ ظُلْمَةَ الْكُفْرِ انْهَزَمَتْ بِهَا، وَالْبَيَاضُ ضد السواد، وقيل: كانت

صفحة رقم 291
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية