آيات من القرآن الكريم

قَالَ مُوسَىٰ أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ ۖ أَسِحْرٌ هَٰذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ
ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ

٧٧ - قوله (١) تعالى: ﴿قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا﴾ [الآية، يقال في هذا: لِمَ دخل الاستفهام في قولهم: ﴿أَسِحْرٌ هَذَا﴾] (٢) وهم قد قالوا هو سحر بغير استفهام ولا شك؟ وذكر (٣) الفراء في هذا ثلاثة أوجه:
أحدها: قال قوم: قد يكون هذا من قولهم على أنه سحر عندهم وإن استفهموا، كما ترى الرجل تأتيه الجائزة فيقول: أحق هذا؟ وهو يعلم أنه حق لا شك فيه (٤)، وزاد أبو بكر لهذا (٥) بيانًا فقال: إنهم أدخلوا الاستفهام على جهة تفظيع الأمر والزيادة فيه كما يقول الرجل إذا نظر إلى الكسوة الفاخرة: أكسوة هذه؟! يريد بالاستفهام تعظيمها وأنها تزيد على معاني الكسى، وتأتي الرجل جائزة فيقول: أحق ما أرى، معظمًا لما ورد عليه منها (٦).
الوجه الثاني: قال (٧): ويكون أن تزيد الألف في قولهم، وإن كانوا

= تعرفهم الملائكة بها، وقال بعضهم: الطبع هو شهادة الله بأنهم لا يؤمنون، وقال آخرون: هو تسمية الرب تعالى الكفرة بالكفر والضلال.
انظر: "مقالات الإسلاميين" ١/ ٣٢٣، "الإرشاد إلى قواطع الأدلة" ص ١٩٢.
(١) لم يتطرق المؤلف لتفسير آيتين قبل هذه الآية، وقد بين في "الوسيط" ٢/ ٥٥٥، علة ذلك بعد أن ترك عدة آيات حيث قال بعد بيان معنى الطبع في الآية السابقة: وما بعد هذا ظاهر التفسير.
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ى).
(٣) هكذا في جميع النسخ، ولم يسبق ذكر قولٍ يستوجب هذا العطف.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٤٧٤.
(٥) في (ج) و (ز): (هذا).
(٦) انظر: "زاد المسير" ٤/ ٥٠.
(٧) يعني الفراء.

صفحة رقم 274

لم يقولوها، فيخرج الكلام على لفظه وإن كانوا لم يتكلموا به كما يقول الرجل: فلان أعلم منك، فيقول المتكلم (١): أقلت أحد أعلم بذا مني (٢)؟ [فحكى (٣) قوله على غير لفظه الذي قال.
وقال أبو بكر في هذا الجواب: إن ألف الاستفهام دخلت في كلام قوم فرعون على معنى رد الخبر على (٤) موسى إذ كان هو المخبر والمتكلم، كما يقول رجل لرجل: فلان أعلم منك، فيقول له المخاطب: أقلت أحد أعلم بذا مني] (٥) فبدّل (٦) الياء من الكاف؛ لأنه صرف الكلام إلى نفسه، وإن كان مخبرًا به عن غيره، وحقيقة هذا الكلام أنه أخبر عنهم كما كان موسى يقوله إذا أجابهم (٧).
الوجه الثالث: أن تجعل القول بمنزلة الصلة؛ لأنه فصل في الكلام، ألا ترى أنك تقول للرجل: أتقول عندك مال؟ ويكفيك أن تقول: ألك مال؟ فالمعنى قائم ظهر القول أو لم يظهر (٨).
قال أبو بكر: تقدير هذا الجواب: قال موسى أسحر هذا؟ فدخل القول توكيدًا للكلام، كما ذكره الفراء من المثال، قال: وفيه وجه آخر وهو أن يكون التقدير: أتقولون للحق لما جاءكم هو سحر؟ ثم قال: أسحر هذا؟

(١) هكذا وهو موافق لما في "معاني القرآن"، والصواب: المكلَّم. وستأتي الجملة على الصواب.
(٢) اهـ. كلام الفراء، انظر: "معاني القرآن" ١/ ٤٧٤.
(٣) في (ى): (فحكوا).
(٤) في (م): (إلى).
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ح) و (ز).
(٦) في (ح) و (ز): (فيبدل).
(٧) لم أعثر على مصدر كلام ابن الأنباري هذا.
(٨) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٤٧٤.

صفحة رقم 275

فأضمر (هو سحر) بعد القول؛ لأن الكلام المحكي يصلح إضماره إذا ظهر ما يدل عليه، والإضمار مع القول أمكن منه مع غيره، والدليل على المضمر قوله: ﴿أَسِحْرٌ هَذَا﴾ قال الشاعر (١):
قلنا لهم وقالوا... وكل له (٢) مقال
فأضمر المحكي مع القول ثقة بعلم المخاطب به ولم يذكر أَيش (٣) قالوا، وأَيش قيل لهم.
وقال أبو إسحاق: قوله: ﴿أَسِحْرٌ هَذَا﴾ هو تقرير لقوله: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ﴾ ثم قررهم فقال (٤): ﴿أَسِحْرٌ هَذَا﴾ (٥)، وهذا من كلامه (٦) يدل على أنه اختار الوجه الثالث من الأوجه التي ذكرها الفراء، وهو أنه جعل قوله: ﴿أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ﴾ صلة.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ﴾ قال (٧): المفلح الذي يفوز بإرادته (٨)، أي: فكيف يكون هذا سحرًا، وقد أفلح الذي أتى به، أي فاز وفلح (٩) في حجته.

(١) البيت من أمثلة العروض المشهورة.
(٢) في (ح) و (ز): (لهم).
(٣) سبق بيان معنى هذه الكلمة في أول الأنفال، ومعناها: أي شيء.
(٤) في (ى): (فقالوا)، والمثبت موافق للمصدر.
(٥) اهـ كلام الزجاج، انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢٩.
(٦) يعني الزجاج.
(٧) يعني الزجاج، انظر المصدر السابق، نفس الموضع.
(٨) أي: بما يريد.
(٩) هكذا في جميع النسخ بالحاء، وهو كذلك في "معاني القرآن وإعرابه"، قال الجوهري في "الصحاح" (فلح) ١/ ٣٩٢: الفلح لغة في الفلاح، وفي "لسان =

صفحة رقم 276
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
عدد الأجزاء
1