وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لِيُغْنِي. وَ (مِنَ الْحَقِّ) حَالٌ مِنْهُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٣٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ) :(هَذَا) اسْمُ كَانَ، وَ (الْقُرْآنُ) نَعْتٌ لَهُ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ. وَ (أَنْ يُفْتَرَى) : فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ ; أَيْ وَمَا كَانَ الْقُرْآنُ افْتِرَاءً، وَالْمَصْدَرُ هُنَا بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ ; أَيْ مُفْتَرًى. وَالثَّانِي: التَّقْدِيرُ مَا كَانَ الْقُرْآنُ ذَا افْتِرَاءٍ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ خَبَرَ كَانَ مَحْذُوفٌ ; وَالتَّقْدِيرُ: مَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ مُمْكِنًا أَنْ يُفْتَرَى. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: لِأَنْ يُفْتَرَى.
وَ (تَصْدِيقَ) : مَفْعُولٌ لَهُ ; أَيْ وَلَكِنْ أُنْزِلَ لِلتَّصْدِيقِ.
وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: وَلَكِنْ كَانَ التَّصْدِيقَ الَّذِي ; أَيْ مُصِدِّقَ الَّذِي.
(وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ) : مِثْلَ تَصْدِيقٍ.
(لَا رَيْبَ فِيهِ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْكِتَابِ، «وَالْكِتَابِ» مَفْعُولٌ فِي الْمَعْنَى وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا.
(مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا أُخْرَى، وَأَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِالْمَحْذُوفِ ; أَيْ وَلَكِنْ أُنْزِلَ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
قَالَ تَعَالَى: (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: «كَيْفَ» خَبَرُ كَانَ. وَ «عَاقِبَةُ» اسْمُهَا.
قَالَ تَعَالَى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (٤٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) : الْجَمْعُ مَحْمُولٌ عَلَى مَعْنَى (مَنْ)، وَالْإِفْرَادُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (مَنْ يَنْظُرُ) مَحْمُولٌ عَلَى لَفْظِهَا.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا ; أَيْ لَا يَنْقُصُهُمْ شَيْئًا، وَأَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الْمَصْدَرِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا) : الْكَلَامُ كُلُّهُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ (يَحْشُرُهُمْ)، وَكَأَنْ هَاهُنَا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَاسْمُهَا مَحْذُوفٌ ; أَيْ كَأَنَّهُمْ.
وَ (سَاعَةً) : ظَرْفٌ لِيَلْبَثُوا، وَ (مِنَ النَّهَارِ) : نَعْتٌ لِسَاعَةٍ وَقِيلَ: «كَأَنْ لَمْ» صِفَةُ الْيَوْمِ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ ; أَيْ لَمْ يَلْبَثُوا قَبْلَهُ. وَقِيلَ: هُوَ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ حَشْرًا كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا قَبْلَهُ، وَالْعَامِلُ فِي «يَوْمٍ» اذْكُرْ.
(يَتَعَارَفُونَ) حَالٌ أُخْرَى، وَالْعَامِلُ فِيهَا «يَحْشُرُهُمْ» وَهِيَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ ; لِأَنَّ التَّعَارُفَ لَا يَكُونُ حَالَ الْحَشْرِ.
(قَدْ خَسِرَ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا ; وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: يَقُولُونَ: قَدْ خَسِرَ، وَالْمَحْذُوفُ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يَتَعَارَفُونَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (٤٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ) : ثُمَّ هَاهُنَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ تَرْتِيبًا فِي الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا رَتَّبَتِ الْأَخْبَارَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، كَقَوْلِكَ: زَيْدٌ عَالِمٌ، ثُمَّ هُوَ كَرِيمٌ.