تفسير سورة الفاتحة

الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية

تفسير سورة سورة الفاتحة من كتاب الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المعروف بـالفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية.
لمؤلفه النخجواني . المتوفي سنة 920 هـ
حكمه واسرار أحكامه. وبالجملة من استشعر بحكم القرآن واعتبر من عبره فقد استهدى منها الى معارفه وحقائقه ورموزه وإشاراته ومكاشفاته ومشاهداته التي ما نزل عموم ما نزل من عند الله الا لأجلها. وبالجملة من تشبث بالقرآن وامتثل بما فيه من الحكم والاحكام وتخلق بأخلاقه واتصف بآدابه فقد تحقق بمرتبة الإنسان الكامل الذي هو مرآة الحق يتراءى منه عموم أوصافه وأسمائه الذاتية جعلنا الله من زمرة من امتثل بأوامر القرآن واجتنب عن نواهيه واعتبر من عبره وأمثاله وتخلق بما فيه من أخلاقه المأمورة بها لخلص عباد الله ومن جملة من أطاع الله ورسوله واستن بسننه السنية وآدابه الرضية المرضية بمنه وجوده فها أنا اشرع فيما اقصد وافتتح ما أريد والله الموفق والملهم للخير والصواب وعنده أم الكتاب.
[سورة الفاتحة]
فاتحة سورة الفاتحة «١»
[الآيات]
لا يخفى على من أيقظه الله تعالى من منام الغفلة ونعاس النسيان ان العوالم وما فيها انما هي من آثار الأوصاف الإلهية المترتبة على الأسماء الذاتية إذ للذات في كل مرتبة من مراتب الوجود اسم خاص وصفة مخصوصة لها اثر مخصوص هكذا بالنسبة الى جميع مراتب الوجود ولو حبة وذرة وطرفة وخطرة والمرتبة المعبر عنها بالأحدية الغير العددية والعمآء الذي لاحظ لأولى البصائر والنهى منها الا الحسرة والحيرة والوله والهيمان وهي غاية معارج عروج الأنبياء ونهاية مراتب سلوك الأولياء فهم بعد ذلك يسيرون فيه لا به واليه الى ان يستغرقوا فيتحيروا الى ان يفنوا لا اله الا هو كل شيء هالك الا وجهه ثم لما أراد سبحانه ارشاد عباده الى تلك المرتبة ليتقربوا إليها ويتوجهوا نحوها حتى ينتهى توجههم وتقربهم الى العشق والمحبة الحقيقية الحقية المؤدية الى إسقاط الاضافة المشعرة للكثرة والاثنينية وبعد ذلك خلص نيتهم وصح طلبهم للفناء فيه نبه سبحانه الى طريقه إرشادا لهم وتعليما في ضمن الدعاء له والمناجاة معه متدرجا من نهاية الكثرة الى كمال الوحدة المفنية لها متيمنا بِسْمِ اللَّهِ المعبر به عن الذات الاحدية باعتبار تنزلها عن تلك المرتبة العمائية إذ لا يمكن التعبير عنها باعتبار
(١) اعلم ان كل امر من الأمور التي يبين بها شيء من الأشياء او يوضح بها حكم من الاحكام او ينسب إليها بداية لا بد وان يكون له فاتحة خاصة له حافظة لمرتبة بدايته وأوليته وخاتمة مخصوصة إياه حافظة لمرتبة نهايته وآخريته وامر ثالث بينهما يكون مرجع الحكمين ومآل الطرفين اليه يجمعهما ويتعين بهما ويتبين منهما ولا شك ان كل سورة من سور القرآن بل كل كتاب وصحف سماوية واسفار الهية نازلة على الأنبياء العظام والرسل الكرام صلوات الله عليهم ما نزلت ووردت حقيقة ومعنى من عنده سبحانه الا ليبين ويوضح به سبحانه لخلص عباده ظهور وحدته الذاتية وهويته الشخصية السارية في عموم الكوائن والفواسد غيبا وشهادة ظاهرا وباطنا الظاهرة في الأنفس والآفاق وفي جميع الأقطار والجهات بكمال الاستقلال والاستحقاق بلا شركة وكثرة أصلا وينبهها عليهم من كل منها بطريق مخصوص وطرز معين إذ زبدة عموم الكتب والصحف الإلهية ما هي الا هذا البيان والتبيان الا وهو العلة الغائية المترتبة على مطلق الإرسال والإنزال حقيقة وكذا على عموم مراتب الولاية المطلقة والنبوة والرسالة بل على بروز عموم الملل والنحل وجميع الأديان والمذاهب ومطلق الشرائع والاحكام الجارية على السنة الرسل الكرام والأنبياء الأمناء العظام عليهم التحية والسّلام فلا بد ان يكون لكل سورة من سور القرآن فاتحة مخصوصة وخاتمة معينة لتكون كل منها ممتازة عن صاحبتها إذ كل سورة من السور القرآنية انما هي رسالة مخصوصة مفرزة مستقلة وسفر مخصوص معين لبيان هذه المصلحة العلية المذكورة آنفا لذلك ما صدرنا كل سورة منها الا بفاتحة خاصة لها وما ختمناها ايضا الا بخاتمة معينة مخصوصة إياها مناسبة كل منهما لما فيها من الحكم والمصالح بتوفيق الله وتيسيره تأمل تفز بسرائرها والعلم عند الله والعالم هو الله هو يرشد نحوه وهو يهدى اليه وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه أنيب
تلك المرتبة أصلا وباعتبار شمولها واحاطتها جميع الأسماء والصفات الإلهية المستندة إليها المظاهر كلها المعبر عنها عند ارباب المكاشفة بالأعيان الثابتة وفي لسان الشرع باللوح المحفوظ والكتاب المبين" الرَّحْمنِ". المعبر به عن الذات الاحدية باعتبار تجلياتها على صفحات الأكوان وتطوراتها في ملابس الوجوب والإمكان وتنزلاتها عن المرتبة الاحدية الى المراتب العددية وتعيناتها بالتشخصات العلمية والعينية وانصباغها بالصبغ الكيانية والكونية الرَّحِيمِ المعبر به عن الذات الاحدية باعتبار توحيدها بعد تكثيرها وجمعها بعد تفريقها وطيها بعد نشرها ورفعها بعد خفضها وتجريدها بعد تقييدها
الْحَمْدُ والثناء الشامل لجميع الاثنية والمحامد الصادرة عن السنة ذرائر الكائنات المتوجهة نحو مبدعها طوعا المعترفة بشكر منعمها حالا ومقالا ازلا وابدا ثابتة مختصة لِلَّهِ اى للذات المستجمع لجميع الأسماء والصفات المظهرة المربية للعوالم وما فيها بأسرها رَبِّ الْعالَمِينَ ولولا تربيته إياها وإمداده لها طرفة لفنى العالم دفعة
الرَّحْمنِ المبدأ المبدع لها في النشأة الاولى بامتداد اظلال أسمائه الحسنى وصفاته العليا على مرآة العدم المنعكس منها العالم كله وجزؤه شهادته وغيبه أولاه وأخراه بلا تفاوت الرَّحِيمِ المعيد للكل في النشأة الاخرى بطى سماء الأسماء وارض الطبيعة السفلى الى ما منه الابتداء واليه الانتهاء
مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ والجزاء المسمى في الشرع بيوم القيامة والطامة الكبرى المندكة فيها الأرض والسماء المطوية عند قيامها سجلات الاولى والاخرى إذ فيها ارتجت الآراء والأفكار وارتفعت الحجب والأستار واضمحلت اعيان السوى والأغيار ولم يبق الا الله الواحد القهار ثم لما تحقق العبد وتمكن في هذا المقام ووصل الى هذا المرام وفوض أموره كلها الى الملك العلام القدوس السّلام حق له ان يلازم ربه ويخاطب معه بلا ستر ولا حجاب تتميما لمرتبة العبودية الى ان يرتفع كاف الخطاب عن البين وينكشف الغين عن العين وعند ذلك قال لسان مقاله مطابقا بلسان حاله
إِيَّاكَ لا الى غيرك إذ لا غير في الوجود معك نَعْبُدُ نتوجه ونسئلك على وجه التذلل والخضوع إذ لا معبود لنا سواك ولا مقصد الا إياك وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اى ما نطلب الإعانة والأقدار على العبادة لك الا منك إذ لا مرجع لنا غيرك
اهْدِنَا بلطفك الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ الذي يوصلنا الى ذروة توحيدك
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ من المترددين الشاكين المنصرفين بمتابعة العقل المشوب بالوهم عن الطريق المستبين وَلَا الضَّالِّينَ بتغريرات الدنيا الدنية وتسويلات الشياطين عن منهج الحق ومحجة اليقين آمِّينَ اجابة منك يا ارحم الراحمين
خاتمة سورة الفاتحة
عليك ايها المحمدي المتوجه نحو توحيد الذات يسر الله أمرك وبلغك املك ان تتأمل في الأبحر السبعة المشتملة عليها هذه السبع المثاني من القرآن العظيم المتفرعة على الصفات السبع الذاتية الإلهية الموافقة للسماوات السبع والكواكب السبعة الكونية وتتدبر فيها حق التدبر وتتصف بما رمز فيها من الأخلاق المرضية حتى تتخلص من الأودية السبعة الجهنمية المانعة من الوصول الى جنة الذات المستهلكة عندها جميع الإضافات والكثرات ولا يتيسر لك هذا التأمل والتدبر الا بعد تصفية ظاهرك بالشرائع النبوية والنواميس المصطفوية المستنبطة من الكلم القرآنية وباطنك بعزائمه وأخلاقه صلى الله عليه وسلّم المقتبسة من حكمها المودعة فيها فيكون القرآن الجامع لهما خلق النبي صلّى الله عليه وسلّم
18
ظاهرا وباطنا الموروث له من ربه المستخلف له فالقرآن خلق الله المنزل على نبيه من تخلق به فاز بما فاز. لذلك قال النبي صلّى الله عليه وسلّم تخلقوا بأخلاق الله التي هي القرآن والفاتحة منتخبة من جميع القرآن على ابلغ وجه وأوضح بيان من تأمل فيها نال بما نال من جميع القرآن لذلك فرض قراءتها عند الميل والتوجه الى الذات الاحدية المعبر عنه بلسان الشرع بالصلوة التي هي معراج اهل الايمان كما قال صلّى الله عليه وسلّم الصلاة معراج المؤمن وقال ايضا لا صلاة الا بفاتحة الكتاب فعليك ايها المصلى المتوجه الى الكعبة الحقيقية الحقية والقبلة الاصلية الاحدية الصمدية ان تواظب على الصلوات المفروضة المقربة إليها وتلازم الحكم والأسرار المودعة في تشريعها بحيث إذا أردت الميل الى جنابه والتوجه نحو بابه لا بد لك أولا من التوضى والتطهر من الخبائث الظاهرة والباطنة كلها والتخلي عن اللذات والشهوات برمتها بحيث يتيسر لك التحريمة بلا وسوسة شياطين الأهواء المضلة فإذا قلت مكبرا لله محرما على نفسك جميع حظوظك من دنياك (الله اكبر) لا بد لك ان تلاحظ معناه بانه الذات الأعظم الأكبر في ذاته لا بالنسبة الى الغير إذ لا غير معه وافعل هذا للصفة لا للتفضيل وتجعلها نصب عينك وعين مطلبك ومقصدك وإذا قلت متيمنا متبركا بسم الله انبعثت رغبتك نحوه ومحبتك اليه وإذا قلت الرّحمن استنشقت من النفس الرحمانى ما يعينك على الترقي نحو جنابه وإذا قلت الرّحيم استروحت من نفحات لطفه ونسمات رحمته وجئت بمقام الاستيناس معه سبحانه بتعديد نعمه على نفسك وإذا قلت مثنيا عليه شاكرا لنعمه الحمد لله توسلت بشكر نعمه اليه وإذا قلت رب العالمين تحققت بمقام التوحيد وانكشفت باحاطته وشموله سبحانه وتربيته على عموم الأكوان وإذا قلت الرّحمن رجوت من سعة رحمته وعموم اشفاقه ومرحمته وإذا قلت الرّحيم نجوت من العذاب الأليم الذي هو الالتفات الى غير الحق ووصلت اليه بعد ما فصلت عنه بل اتصلت وإذا قلت مالك يوم الدين قطعت سلسلة الأسباب مطلقا وتحققت بمقام الكشف والشهود فحينئذ ظهر لك ولاح عليك ما ظهر فلك ان تقول في تلك الحالة بلسان الجمع إياك نعبد بك مخاطبين لك وإياك نستعين بإعانتك مستعينين منك وإذا قلت اهدنا الصراط المستقيم تمكنت بمقام العبودية وإذا قلت صراط الذين أنعمت عليهم تحققت بمقام الجمع وإذا قلت غير المغضوب عليهم استوحشت عن سطوة سلطة صفاته الجلالية وإذا قلت ولا الضالين خفت من الرجوع بعد الوصول فإذا قلت مستجيبا راجيا آمين أمنت من الشيطان الرجيم فلك ان تصلى على الوجه الذي تلى حتى تكون لك صلاتك معراجا الى ذروة الذات الاحدية ومرقاة الى السماء السرمدية ومفتاحا للخزائن الازلية والابدية وذلك لا يتيسر الا بعد الموت الإرادي عن مقتضيات الأوصاف البشرية والتخلق بالأخلاق المرضية والخصائل السنية الإلهية ولا يحصل لك هذا عند الميل الا بالعزلة والفرار عن الناس المنهمكين في الغفلة والانقطاع عنهم وعن رسومهم وعاداتهم بالمرة والا فالطبيعة سارقة والأمراض سارية والنفوس آمرة بالهوى مائلة عن المولى عصمنا الله من شرورها وخلصنا من غرورها بمنه وجوده
[سورة البقرة]
فاتحة سورة البقرة
لا يخفى على السالكين المتدرجين في مسالك التحقيق المتعطشين بزلال التوحيد ان الطرق الى الله بعدد أنفاس الخلائق إذ ما من ذرة من ذرائر العالم الا وله طريق منها وأقوم الطرق وأحسنها وأوضح السبل وأبينها هو الذي اختاره الله سبحانه لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم ولورثته من الأولياء زاد الله فتوحهم في كتابه
19
سورة الفاتحة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الفاتحةِ) أعظمُ سورةٍ في القرآن الكريم، خصَّ الله بها نبيَّه ﷺ من دون الأنبياء، فلم يُؤتَها أحدٌ قبلَه، وهي من أوائل السُّور التي نزلت في مكَّةَ المكرَّمة، وهي (القرآنُ العظيمُ) الذي أُوتيَهُ النبيُّ ﷺ، بها افتُتح الكتاب؛ ولهذا سُمِّيت بـ(الفاتحةِ)، وقد حُقَّ لها أن تكونَ فاتحةً لهذا الكتاب العظيم؛ فقد اشتملت على مقاصدِ الدِّين، وعلى كلِّ أنواع التوحيد (الرُّبوبية، والألوهية، والأسماء والصفات)؛ فجاءت أُمًّا للكتاب، وأصلًا له، وجامعةً لمقاصدِه. ولعظيمِ شأنها، وعظيم ما اشتملت عليه؛ فإنه يُفترض على كُلِّ مسلمٍ أن يقرَأَها كُلَّ يومٍ (17) مرةً في الصلوات المفروضات؛ فلا تصحُّ صلاةُ عبدٍ إلا بها، وكان ﷺ يقطِّعُها آيةً آية؛ وهذا أدعى للتدبُّر.

ترتيبها المصحفي
1
نوعها
مكية
ألفاظها
29
ترتيب نزولها
5
العد المدني الأول
7
العد المدني الأخير
7
العد البصري
7
العد الكوفي
7
العد الشامي
7

أُطلِقَ على هذه السُّورةِ الكريمة أسماءٌ كثيرة؛ منها:

* (الفاتحةُ)، أو (فاتحة الكتاب):

دلَّ على ذلك حديثُ ابن عباس رضي الله عنهما: أن جِبْريلَ قال للنبي ﷺ: «أبشِرْ بنُورَينِ أُوتِيتَهما، لم يُؤتَهما نبيٌّ قبلك: فاتحةِ الكتابِ، وخواتيمِ سورةِ البقرةِ، لن تَقرأ بحرفٍ منهما إلَّا أُعطِيتَه». أخرجه مسلم (806).

* (أمُّ الكتاب)، أو (أمُّ القرآن):

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه: «{اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}: أمُّ القرآنِ، وأمُّ الكتابِ، والسَّبْعُ المَثَاني». أخرجه أبو داود (١٤٥٧).

* (السَّبْعُ المَثَاني):

دلَّ على ذلك حديثُ النبي ﷺ، قالَ: «{اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}: هي السَّبْعُ المَثَاني والقُرْآنُ العظيمُ الذي أُوتِيتُهُ». أخرجه البخاري (٤٤٧٤).

* سورة (الصَّلاة):

فعن رسولِ الله ﷺ أنه قال: «قال اللهُ تعالى: قسَمْتُ الصلاةَ بَيْني وبين عبدي نِصْفَينِ، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبدُ: {اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}، قال اللهُ تعالى: حَمِدَني عبدي، وإذا قال: {اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ}، قال اللهُ تعالى: أثنَى عليَّ عبدي، وإذا قال: {مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ}، قال: مجَّدني عبدي، (وقال مرَّةً: فوَّض إليَّ عبدي)، فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اْهْدِنَا اْلصِّرَٰطَ اْلْمُسْتَقِيمَ ٦ صِرَٰطَ اْلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ اْلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا اْلضَّآلِّينَ} [الفاتحة: 6-7]، قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سألَ». أخرجه مسلم (395).

* سورة (الرُّقْية):

دلَّ عليه حديثُ النبي ﷺ أنه قال: «وما أدراكَ أنَّها رُقْيَةٌ؟! خُذوها، واضرِبوا لي بسَهْمٍ». أخرجه البخاري (5736).

وثمَّةَ أسماءٌ أخرى، أوصلها السيوطيُّ إلى (25) اسمًا. ينظر: "الإتقان في علوم القرآن" (1 /52، 53).

* أفضَلُ سورةٍ في القرآن الكريم:

فعن أبي سعيدِ بن المعلَّى رضي الله عنه، قال: «كنتُ أُصلِّي في المسجدِ، فدعاني رسولُ اللهِ ﷺ، فلم أُجِبْهُ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي كنتُ أُصلِّي، فقال: «ألَمْ يقُلِ اللهُ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْۖ} [الأنفال: 24]»، ثم قال لي: «لأُعلِّمَنَّك سورةً هي أعظَمُ السُّوَرِ في القرآنِ قبل أن تخرُجَ مِن المسجدِ»، ثم أخَذ بيدي، فلمَّا أراد أن يخرُجَ، قلتُ له: ألَمْ تقُلْ: لأُعلِّمَنَّك سورةً هي أعظَمُ سورةٍ في القرآنِ؟! قال: «{اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}؛ هي السَّبْعُ المَثَاني والقرآنُ العظيمُ الذي أُوتيتُه»». أخرجه البخاري (٤٤٧٤).

* خُصَّ بها النبيُّ ﷺ دون غيرِه من الأنبياء:

لِما رواه ابنُ عبَّاس رضي الله عنهما، قال: «بينما جِبْريلُ قاعدٌ عند النبيِّ ﷺ، سَمِع نَقِيضًا مِن فوقِه، فرفَع رأسَه، فقال: هذا بابٌ مِن السماءِ فُتِح اليومَ، لم يُفتَحْ قطُّ إلا اليومَ، فنزَل منه ملَكٌ، فقال: هذا ملَكٌ نزَل إلى الأرضِ، لم يَنزِلْ قطُّ إلا اليومَ، فسلَّم، وقال: أبشِرْ بنُورَينِ أُوتيتَهما، لم يؤتَهما نبيٌّ قبلك: فاتحةِ الكتابِ، وخواتيمِ سورةِ البقرةِ، لن تقرأَ بحرفٍ منهما إلا أُعطيتَهُ». أخرجه مسلم (806).

* لا تصحُّ الصلاةُ إلا بها:

لِما جاء عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «مَن صلَّى صلاةً لم يَقرأْ فيها بأُمِّ القرآنِ، فهي خِدَاجٌ - ثلاثًا - غيرُ تمامٍ»، فقيل لأبي هُرَيرةَ: إنَّا نكونُ وراءَ الإمامِ؟ فقال: اقرَأْ بها في نفسِك؛ فإنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: «قال اللهُ تعالى: قسَمْتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نِصْفَينِ، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبدُ: {اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}، قال اللهُ تعالى: حَمِدني عبدي، وإذا قال: {اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ}، قال اللهُ تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: {مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ}، قال: مجَّدني عبدي، (وقال مرَّةً: فوَّض إليَّ عبدي)، فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اْهْدِنَا اْلصِّرَٰطَ اْلْمُسْتَقِيمَ ٦ صِرَٰطَ اْلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ اْلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا اْلضَّآلِّينَ}، قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل». أخرجه مسلم (395).

* مِن أعظَمِ ما يَرقِي به المؤمنُ نفسَه سورةُ (الفاتحة):

فعن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ: «أنَّ ناسًا مِن أصحابِ النبيِّ ﷺ أتَوْا على حيٍّ مِن أحياءِ العرَبِ، فلم يَقْرُوهم، فبينما هم كذلك، إذ لُدِغَ سيِّدُ أولئك، فقالوا: هل معكم مِن دواءٍ أو راقٍ؟ فقالوا: إنَّكم لم تَقْرُونا، ولا نفعلُ حتى تَجعَلوا لنا جُعْلًا! فجعَلوا لهم قطيعًا مِن الشَّاءِ، فجعَلَ يقرأُ بـ(أمِّ القرآنِ)، ويَجمَعُ بُزاقَهُ ويتفُلُ، فبرَأَ، فأتَوْا بالشَّاءِ، فقالوا: لا نأخذُه حتى نسألَ النبيَّ ﷺ، فسألوه، فضَحِكَ، وقال: «وما أدراك أنَّها رُقْيةٌ؟! خُذوها، واضرِبوا لي بسَهْمٍ»». أخرجه البخاري (5736).

* تعلَّقتْ هذه السُّورةُ بشكلٍ يومي بقراءة النبيِّ ﷺ في صلواته:

فقد كان يقطِّعُ آياتِها آيةً آية؛ كما وصَفتْ لنا أمُّ سلمةَ رضي الله عنها قراءةَ النبي ﷺ، فقالت: «قراءةُ رسولِ اللَّهِ ﷺ: {بِسْمِ اْللَّهِ اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ ١ اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ ٢ اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ ٣ مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ}؛ يقطِّعُ قراءتَهُ آيةً آيةً». أخرجه أبو داود (٤٠٠١).

اشتمَلتْ هذه السُّورةُ على عدَّةِ موضوعات هي أصولٌ عظيمة للقرآن الكريم، ملخِّصةٌ لِما فيه؛ بيانها كما يلي:

أولًا: الألوهيَّة.

ثانيًا: اليوم الآخر.

ثالثًا: توحيد العبادة، والاستعانةِ بالله وحدَه (توحيد الرُّبوبية).

رابعًا: الهداية إلى الصراط المستقيم، والالتزام به، وبيان هذا الصراط.

وفي ذلك يقول السعديُّ - رحمه الله -: «فقد تضمَّنتْ - أي الفاتحةُ - أنواعَ التَّوحيد الثَّلاثة:

توحيد الرُّبوبية؛ يؤخذ من قوله: {رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}.

وتوحيد الألوهيَّة: وهو إفرادُ الله بالعبادة؛ يؤخذ من لفظ: {اْللَّهِ}، ومِن قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}.

وتوحيد الأسماء والصفات: وهو إثباتُ صفات الكمال لله تعالى، التي أثبَتها لنفسه، وأثبتها له رسولُه ﷺ؛ مِن غير تعطيلٍ، ولا تمثيل، ولا تشبيه؛ وقد دل على ذلك: لفظُ: {اْلْحَمْدُ}.

وإثباتَ الجزاء على الأعمال في قوله: {مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ}، وأنَّ الجزاءَ يكون بالعدل.

وتضمَّنتْ إخلاصَ الدِّين لله تعالى - عبادةً واستعانة - في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.

وتضمَّنتْ إثباتَ النُّبوة في قوله: {اْهْدِنَا اْلصِّرَٰطَ اْلْمُسْتَقِيمَ}؛ لأن ذلك ممتنِعٌ بدون الرسالة.

وتضمَّنتْ إثباتَ القَدَر، وأن العبد فاعلٌ حقيقةً.

وتضمَّنتِ الردَّ على جميع أهل البِدَع والضَّلال في قوله: {اْهْدِنَا اْلصِّرَٰطَ اْلْمُسْتَقِيمَ}؛ لأنه معرفةُ الحقِّ، والعملُ به، وكلُّ مبتدِع وضالٍّ فهو مخالِف لذلك». "تيسير الكريم الرَّحمن" للسعدي (ص17).

بسببِ ما لهذه السورةِ من فضائلَ عظيمة، جاءت مقاصدُها جامعةً لأمور الدِّين كلِّه؛ فكانت مقاصدُها على النحو الآتي:

أولًا: الثناء على الله ثناءً جامعًا لوصفِه بجميع المحامد، وتنزيهِه عن جميع النقائص؛ وهذا يدلُّ على توحيد الألوهية، ويدل على تفرُّده بالإلهية، وإثباتِ البعث والجزاء؛ وذلك من قوله: {اْلْحَمْدُ لِلَّهِ} إلى قوله: {مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ}.

ثانيًا: الأوامرُ والنَّواهي؛ من قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}؛ وفي هذا توحيدُ الرُّبوبية والعبادة.

ثالثًا: الوعدُ والوعيد؛ من قوله: {صِرَٰطَ اْلَّذِينَ} إلى آخرها.

فهذه هي أنواعُ مقاصدِ القرآن كلِّه، وغيرُها تكملاتٌ لها؛ لأن القصدَ من القرآن إبلاغُ مقاصدِه الأصلية؛ وهي: صلاحُ الدارَينِ؛ وذلك يحصُلُ بالأوامر والنَّواهي.

ولمَّا توقَّفتِ الأوامرُ والنَّواهي على معرفة الآمِرِ، وأنه اللهُ الواجبُ وجودُه خالقُ الخَلق: لَزِم تحقيقُ معنى الصفات.

ولمَّا توقَّف تمامُ الامتثال على الرجاءِ في الثواب، والخوف من العقاب: لَزِم تحقُّقُ الوعد والوعيد.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (1 /133).