تفسير سورة الفاتحة

التفسير الواضح

تفسير سورة سورة الفاتحة من كتاب التفسير الواضح
لمؤلفه محمد محمود حجازي .
سورة الفاتحة
مكية وآياتها سبع
[سورة الفاتحة (١) : الآيات ١ الى ٧]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (٧)
تسمى سورة الفاتحة. لافتتاح القرآن بها، وأم الكتاب لاشتمالها على ما فيه من الثناء على الله- عز وجل- والتوحيد، والتعبد بأمره ونهيه، وبيان وعده ووعيده، والأخبار والقصص، وكذا الحكم العملية كسلوك الصراط المستقيم، وتسمى السبع المثاني لأنها سبع آيات تثنى في الصلاة، أى: تعاد.
المفردات:
اللَّهِ: علم على الذات العلية الرَّحْمنِ: المتصفة ذاته بالرحمة وهي صفة
9
خاصة به الرَّحِيمِ: من يرحم غيره بالفعل وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً وهما في الأصل صفتان مأخوذتان من الرحمة، وهي رقة في القلب تقتضي الإحسان والتفضل بالنعم، والمراد هنا: الإحسان والتفضل بالنعم. الْحَمْدُ لِلَّهِ الحمد: الثناء بالجميل على الجميل الاختياري. رَبِّ الرب: المالك والسيد، وفيه معنى الربوبية والتربية والعناية الْعالَمِينَ: جمع عالم، وهو ما سوى الله، وهو أنواع كعالم الإنسان والحيوان والنباتات... إلخ. مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ: المراد أن الأمر في قبضة قدرته يوم القيامة إِيَّاكَ نَعْبُدُ العبادة: الطاعة مع غاية الخضوع الناشئ من استشعار القلب عظمة المعبود، والمعنى: لا نعبد غيرك. وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ الاستعانة: طلب المعونة منه، أى: نخصك بطلب المعونة. اهْدِنَا: عرفنا ووفقنا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ: الطريق المعتدل، والمراد طريق الإسلام. الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ: المبعدون عن رحمة الله المعاقبون أشد العقاب لأنهم عرفوا الحق وتركوه، وقيل: هم اليهود الضَّالِّينَ: الذين ضلوا الطريق، وقيل: هم النصارى.
آمِّينَ: تقبل منا واستجب دعاءنا، وليست من القرآن ولكن يسن ختم الفاتحة بها.
المعنى:
ابتدأ الله- سبحانه- بالبسملة ليرشدنا إلى أن نبدأ كل أمورنا بها متبركين مستعينين باسمه الكريم، ولا حول ولا قوة إلا به، ثم قال: الثناء بالجميل لله- سبحانه- الواجب الوجود المنزه عن كل نقص، فالحمد ثابت لله. فاحمدوه دون سواه، لأنه مالك الملك ورب العالمين قد تولاهم بعنايته ورعايته، وتفضل على كل موجود بنعمه التي لا تحصى، لا لنفع يعود عليه بل لأنه الرحمن الرحيم، مالك الأمر يوم الجزاء والحساب والقضاء. ومن كانت هذه صفاته- جل شأنه- وجب أن تكون العبادة له دون سواه، ومن تمام عبادته والخضوع له ألا نطلب المعونة من غيره، بل علينا أن نطرق الأسباب الظاهرة بكل ما أوتينا من حيلة وعلم وتجربة، ثم بعد هذا لا نستعين إلا به ولا نتوكل إلا عليه،
وفي الحديث: «اللهمّ أعنّى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك»
تقولها دبر كل صلاة.
10
ثم أرشدنا إلى طلب الهداية والتوفيق منه حتى نسير على الطريق المستقيم: طريق الحق والعدل، ولما كان الطريق المستقيم: طريقا لا يسلكه إلا القليل وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ «١» وفيه من الوحشة ما فيه، أرشدنا إلى أننا سنكون مع المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء، فهو طريق الذين أنعم الله عليهم بنعمة الإيمان والهداية، ولا شك أنهم غير من عرفوا الحق وابتعدوا عنه كفرا وعنادا أو جهلا وضلالا، فهؤلاء هم المغضوب عليهم الضالون عن طريق الهدى والسداد.
اللهم اقبل منا هذا الثناء، واستجب منا هذا الدعاء، واجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم.
هذه السورة مكية.
والفرق بين السورة المكية والمدنية يمكن إجماله فيما يلي:
١- المكي ما نزل قبل الهجرة والمدني ما نزل بعدها سواء نزل في المدينة أو ضواحيها أو في مكة عام الفتح أو في غزوة من الغزوات.
٢- المكي أكثر إيجازا لأن المخاطبين به أبلغ العرب ومعظمه تنبيهات وزواجر وبيان لأصول الدين بالإجمال، اقرأ إن شئت: الحاقّة، والقارعة، والواقعة... إلخ.
٣- المدني في أسلوبه شيء من الإسهاب، وفيه كثير من خطاب أهل الكتاب، وفيه بيان الأحكام العملية في العبادات والمعاملات الشخصية والمدنية والسياسية والحربية وأصول الحكومة الإسلامية والتشريع فيها... إلخ.
(١) سورة سبأ آية رقم ١٣.
11
سورة البقرة
نزلت بالمدينة إلا آية ٢٨١ فنزلت بمنى في حجة الوداع أول سورة في ترتيب المصحف، وأطول سورة في القرآن، إذ عدد آياتها ٢٨٦ آية، وفيها أطول آية في القرآن: «آية الدّين».
وهذه السورة الكريمة اشتملت على منهجين عظيمين:
الأول جاء في صدرها إلى آية ١٤٢ وطابعه أنه خطاب عام لجميع الناس فقد بدئت السورة بالكلام على القرآن، وأثره، ثم بيان موقف الناس منه، فمنهم المؤمن المسالم، والكافر المجاهر، والمنافق المخادع. ثم اتجهت لخطاب أمة الدعوة- الناس جميعا- حيث دعاهم الله إلى الإيمان الصحيح، مبينا لهم إعجاز القرآن وصدق الرسول. ثم ذكر قصة خلق الإنسان وتكريمه، وموقف الشيطان منه.
ثم التفت إلى بنى إسرائيل- الطبقة الواعية في المجتمع المدني- فدعاهم إلى ما فيه خيرهم وذكرهم بنعم الله عليهم، وحذرهم من نقمه، وبين لهم قبائحهم وسيئات آبائهم، وأطال في ذلك، وتعرض لأبى الأنبياء إبراهيم- عليه السلام- وإلى علاقته بالعرب، وإلى موقفهم منه، وكل هذا لا يعرفه الرسول إلا عن طريق الوحى.
أما المنهج الثاني فطابعه أنه خطاب للمسلمين- أمة الإجابة- وهو واقع في عجز السورة وقد بدئ بالكلام على أول حادثة دينية تمس المسلمين وأهل الكتاب- تحويل القبلة- ثم عالجت السورة المجتمع الإسلامى فذكرت الكثير من التشريعات والقوانين، وما يجب أن يكون عليه المجتمع المثالي المسلم.
وكان الأساس الأول الدعوة إلى التوحيد الخالص لله، وتعرضت لأحكام القصاص والوصية والقتال والإنفاق في سبيل الله، ولبيان بعض العبادات كالصيام والحج، وظهرت أحكام الخمر، ونكاح المشركات والعدة والإيلاء والطلاق والرضاع، والربا وأحكام التداين والمعاملات وخاصة الرهن، وفي خلال ذلك قصص وحكم، ثم ختمت السورة بالدعاء الإسلامى الكامل.
12
سورة الفاتحة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الفاتحةِ) أعظمُ سورةٍ في القرآن الكريم، خصَّ الله بها نبيَّه ﷺ من دون الأنبياء، فلم يُؤتَها أحدٌ قبلَه، وهي من أوائل السُّور التي نزلت في مكَّةَ المكرَّمة، وهي (القرآنُ العظيمُ) الذي أُوتيَهُ النبيُّ ﷺ، بها افتُتح الكتاب؛ ولهذا سُمِّيت بـ(الفاتحةِ)، وقد حُقَّ لها أن تكونَ فاتحةً لهذا الكتاب العظيم؛ فقد اشتملت على مقاصدِ الدِّين، وعلى كلِّ أنواع التوحيد (الرُّبوبية، والألوهية، والأسماء والصفات)؛ فجاءت أُمًّا للكتاب، وأصلًا له، وجامعةً لمقاصدِه. ولعظيمِ شأنها، وعظيم ما اشتملت عليه؛ فإنه يُفترض على كُلِّ مسلمٍ أن يقرَأَها كُلَّ يومٍ (17) مرةً في الصلوات المفروضات؛ فلا تصحُّ صلاةُ عبدٍ إلا بها، وكان ﷺ يقطِّعُها آيةً آية؛ وهذا أدعى للتدبُّر.

ترتيبها المصحفي
1
نوعها
مكية
ألفاظها
29
ترتيب نزولها
5
العد المدني الأول
7
العد المدني الأخير
7
العد البصري
7
العد الكوفي
7
العد الشامي
7

أُطلِقَ على هذه السُّورةِ الكريمة أسماءٌ كثيرة؛ منها:

* (الفاتحةُ)، أو (فاتحة الكتاب):

دلَّ على ذلك حديثُ ابن عباس رضي الله عنهما: أن جِبْريلَ قال للنبي ﷺ: «أبشِرْ بنُورَينِ أُوتِيتَهما، لم يُؤتَهما نبيٌّ قبلك: فاتحةِ الكتابِ، وخواتيمِ سورةِ البقرةِ، لن تَقرأ بحرفٍ منهما إلَّا أُعطِيتَه». أخرجه مسلم (806).

* (أمُّ الكتاب)، أو (أمُّ القرآن):

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه: «{اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}: أمُّ القرآنِ، وأمُّ الكتابِ، والسَّبْعُ المَثَاني». أخرجه أبو داود (١٤٥٧).

* (السَّبْعُ المَثَاني):

دلَّ على ذلك حديثُ النبي ﷺ، قالَ: «{اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}: هي السَّبْعُ المَثَاني والقُرْآنُ العظيمُ الذي أُوتِيتُهُ». أخرجه البخاري (٤٤٧٤).

* سورة (الصَّلاة):

فعن رسولِ الله ﷺ أنه قال: «قال اللهُ تعالى: قسَمْتُ الصلاةَ بَيْني وبين عبدي نِصْفَينِ، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبدُ: {اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}، قال اللهُ تعالى: حَمِدَني عبدي، وإذا قال: {اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ}، قال اللهُ تعالى: أثنَى عليَّ عبدي، وإذا قال: {مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ}، قال: مجَّدني عبدي، (وقال مرَّةً: فوَّض إليَّ عبدي)، فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اْهْدِنَا اْلصِّرَٰطَ اْلْمُسْتَقِيمَ ٦ صِرَٰطَ اْلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ اْلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا اْلضَّآلِّينَ} [الفاتحة: 6-7]، قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سألَ». أخرجه مسلم (395).

* سورة (الرُّقْية):

دلَّ عليه حديثُ النبي ﷺ أنه قال: «وما أدراكَ أنَّها رُقْيَةٌ؟! خُذوها، واضرِبوا لي بسَهْمٍ». أخرجه البخاري (5736).

وثمَّةَ أسماءٌ أخرى، أوصلها السيوطيُّ إلى (25) اسمًا. ينظر: "الإتقان في علوم القرآن" (1 /52، 53).

* أفضَلُ سورةٍ في القرآن الكريم:

فعن أبي سعيدِ بن المعلَّى رضي الله عنه، قال: «كنتُ أُصلِّي في المسجدِ، فدعاني رسولُ اللهِ ﷺ، فلم أُجِبْهُ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي كنتُ أُصلِّي، فقال: «ألَمْ يقُلِ اللهُ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْۖ} [الأنفال: 24]»، ثم قال لي: «لأُعلِّمَنَّك سورةً هي أعظَمُ السُّوَرِ في القرآنِ قبل أن تخرُجَ مِن المسجدِ»، ثم أخَذ بيدي، فلمَّا أراد أن يخرُجَ، قلتُ له: ألَمْ تقُلْ: لأُعلِّمَنَّك سورةً هي أعظَمُ سورةٍ في القرآنِ؟! قال: «{اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}؛ هي السَّبْعُ المَثَاني والقرآنُ العظيمُ الذي أُوتيتُه»». أخرجه البخاري (٤٤٧٤).

* خُصَّ بها النبيُّ ﷺ دون غيرِه من الأنبياء:

لِما رواه ابنُ عبَّاس رضي الله عنهما، قال: «بينما جِبْريلُ قاعدٌ عند النبيِّ ﷺ، سَمِع نَقِيضًا مِن فوقِه، فرفَع رأسَه، فقال: هذا بابٌ مِن السماءِ فُتِح اليومَ، لم يُفتَحْ قطُّ إلا اليومَ، فنزَل منه ملَكٌ، فقال: هذا ملَكٌ نزَل إلى الأرضِ، لم يَنزِلْ قطُّ إلا اليومَ، فسلَّم، وقال: أبشِرْ بنُورَينِ أُوتيتَهما، لم يؤتَهما نبيٌّ قبلك: فاتحةِ الكتابِ، وخواتيمِ سورةِ البقرةِ، لن تقرأَ بحرفٍ منهما إلا أُعطيتَهُ». أخرجه مسلم (806).

* لا تصحُّ الصلاةُ إلا بها:

لِما جاء عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «مَن صلَّى صلاةً لم يَقرأْ فيها بأُمِّ القرآنِ، فهي خِدَاجٌ - ثلاثًا - غيرُ تمامٍ»، فقيل لأبي هُرَيرةَ: إنَّا نكونُ وراءَ الإمامِ؟ فقال: اقرَأْ بها في نفسِك؛ فإنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: «قال اللهُ تعالى: قسَمْتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نِصْفَينِ، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبدُ: {اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}، قال اللهُ تعالى: حَمِدني عبدي، وإذا قال: {اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ}، قال اللهُ تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: {مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ}، قال: مجَّدني عبدي، (وقال مرَّةً: فوَّض إليَّ عبدي)، فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اْهْدِنَا اْلصِّرَٰطَ اْلْمُسْتَقِيمَ ٦ صِرَٰطَ اْلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ اْلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا اْلضَّآلِّينَ}، قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل». أخرجه مسلم (395).

* مِن أعظَمِ ما يَرقِي به المؤمنُ نفسَه سورةُ (الفاتحة):

فعن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ: «أنَّ ناسًا مِن أصحابِ النبيِّ ﷺ أتَوْا على حيٍّ مِن أحياءِ العرَبِ، فلم يَقْرُوهم، فبينما هم كذلك، إذ لُدِغَ سيِّدُ أولئك، فقالوا: هل معكم مِن دواءٍ أو راقٍ؟ فقالوا: إنَّكم لم تَقْرُونا، ولا نفعلُ حتى تَجعَلوا لنا جُعْلًا! فجعَلوا لهم قطيعًا مِن الشَّاءِ، فجعَلَ يقرأُ بـ(أمِّ القرآنِ)، ويَجمَعُ بُزاقَهُ ويتفُلُ، فبرَأَ، فأتَوْا بالشَّاءِ، فقالوا: لا نأخذُه حتى نسألَ النبيَّ ﷺ، فسألوه، فضَحِكَ، وقال: «وما أدراك أنَّها رُقْيةٌ؟! خُذوها، واضرِبوا لي بسَهْمٍ»». أخرجه البخاري (5736).

* تعلَّقتْ هذه السُّورةُ بشكلٍ يومي بقراءة النبيِّ ﷺ في صلواته:

فقد كان يقطِّعُ آياتِها آيةً آية؛ كما وصَفتْ لنا أمُّ سلمةَ رضي الله عنها قراءةَ النبي ﷺ، فقالت: «قراءةُ رسولِ اللَّهِ ﷺ: {بِسْمِ اْللَّهِ اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ ١ اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ ٢ اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ ٣ مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ}؛ يقطِّعُ قراءتَهُ آيةً آيةً». أخرجه أبو داود (٤٠٠١).

اشتمَلتْ هذه السُّورةُ على عدَّةِ موضوعات هي أصولٌ عظيمة للقرآن الكريم، ملخِّصةٌ لِما فيه؛ بيانها كما يلي:

أولًا: الألوهيَّة.

ثانيًا: اليوم الآخر.

ثالثًا: توحيد العبادة، والاستعانةِ بالله وحدَه (توحيد الرُّبوبية).

رابعًا: الهداية إلى الصراط المستقيم، والالتزام به، وبيان هذا الصراط.

وفي ذلك يقول السعديُّ - رحمه الله -: «فقد تضمَّنتْ - أي الفاتحةُ - أنواعَ التَّوحيد الثَّلاثة:

توحيد الرُّبوبية؛ يؤخذ من قوله: {رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}.

وتوحيد الألوهيَّة: وهو إفرادُ الله بالعبادة؛ يؤخذ من لفظ: {اْللَّهِ}، ومِن قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}.

وتوحيد الأسماء والصفات: وهو إثباتُ صفات الكمال لله تعالى، التي أثبَتها لنفسه، وأثبتها له رسولُه ﷺ؛ مِن غير تعطيلٍ، ولا تمثيل، ولا تشبيه؛ وقد دل على ذلك: لفظُ: {اْلْحَمْدُ}.

وإثباتَ الجزاء على الأعمال في قوله: {مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ}، وأنَّ الجزاءَ يكون بالعدل.

وتضمَّنتْ إخلاصَ الدِّين لله تعالى - عبادةً واستعانة - في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.

وتضمَّنتْ إثباتَ النُّبوة في قوله: {اْهْدِنَا اْلصِّرَٰطَ اْلْمُسْتَقِيمَ}؛ لأن ذلك ممتنِعٌ بدون الرسالة.

وتضمَّنتْ إثباتَ القَدَر، وأن العبد فاعلٌ حقيقةً.

وتضمَّنتِ الردَّ على جميع أهل البِدَع والضَّلال في قوله: {اْهْدِنَا اْلصِّرَٰطَ اْلْمُسْتَقِيمَ}؛ لأنه معرفةُ الحقِّ، والعملُ به، وكلُّ مبتدِع وضالٍّ فهو مخالِف لذلك». "تيسير الكريم الرَّحمن" للسعدي (ص17).

بسببِ ما لهذه السورةِ من فضائلَ عظيمة، جاءت مقاصدُها جامعةً لأمور الدِّين كلِّه؛ فكانت مقاصدُها على النحو الآتي:

أولًا: الثناء على الله ثناءً جامعًا لوصفِه بجميع المحامد، وتنزيهِه عن جميع النقائص؛ وهذا يدلُّ على توحيد الألوهية، ويدل على تفرُّده بالإلهية، وإثباتِ البعث والجزاء؛ وذلك من قوله: {اْلْحَمْدُ لِلَّهِ} إلى قوله: {مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ}.

ثانيًا: الأوامرُ والنَّواهي؛ من قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}؛ وفي هذا توحيدُ الرُّبوبية والعبادة.

ثالثًا: الوعدُ والوعيد؛ من قوله: {صِرَٰطَ اْلَّذِينَ} إلى آخرها.

فهذه هي أنواعُ مقاصدِ القرآن كلِّه، وغيرُها تكملاتٌ لها؛ لأن القصدَ من القرآن إبلاغُ مقاصدِه الأصلية؛ وهي: صلاحُ الدارَينِ؛ وذلك يحصُلُ بالأوامر والنَّواهي.

ولمَّا توقَّفتِ الأوامرُ والنَّواهي على معرفة الآمِرِ، وأنه اللهُ الواجبُ وجودُه خالقُ الخَلق: لَزِم تحقيقُ معنى الصفات.

ولمَّا توقَّف تمامُ الامتثال على الرجاءِ في الثواب، والخوف من العقاب: لَزِم تحقُّقُ الوعد والوعيد.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (1 /133).