تفسير سورة الفاتحة

تفسير القرآن الكريم

تفسير سورة سورة الفاتحة من كتاب تفسير القرآن الكريم
لمؤلفه شحاته . المتوفي سنة 1423 هـ
﴿ بسم الله الرحمن الرحيم( ١ ) الحمد لله رب العالمين( ٢ ) الرحمن الرحيم( ٣ ) مالك يوم الدين( ٤ ) إياك نعبد وإياك نستعين( ٥ ) اهدنا الصراط المستقيم( ٦ ) صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين( ٧ ) ﴾
سورة الفاتحة :
وتسمى سورة الفاتحة لأن الله عز وجل افتتح بها كتابه، ولأن المسلم يفتتح بها الصلاة. وقيل لأنها أول سورة نزلت من السماء، فأول آيات نزلت من السماء هي الآيات الأولى من سورة اقرأ وأول سورة نزلت من السماء هي سورة الفاتحة.
وتسمى سورة الحمد، وأم الكتاب، وأم القرآن، لأنها أصل القرآن، أو لأنها أفضل سورة في القرآن، فقد اشتملت على أصول العقيدة وعلى الأهداف الأساسية للقرآن، ففيها الثناء على الله وتعظيمه ودعاؤه..
وتسمى الشافية لأن فيها شفاء ودواء.
وتسمى الصلاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم :«يقول الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين » ( ٣ ).
يبدأ المؤمن قراءة الفاتحة بقوله أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم. وتعرف الجملة الأولى بالاستعاذة وتعرف الثانية بالتسمية أو البسملة.
وقد أمر الله بالاستعاذة عند أول كل قراءة فقال في سورة النحل المكية : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم. ( النحل : ٩٨ )، وإنما خصت القراءة بطلب الاستعاذة، لأن القرآن مصدر هداية والشيطان مصدر ضلال فهو يقف للإنسان بالمرصاد في هذا الشأن على وجه خاص، فعلمنا الله أن نتقي كيده وشره بالاستعاذة.
﴿ بسم الله الرحمن الرحيم ﴾
هي بداية مباركة لسور القرآن ولكل عمل يعمله الإنسان، فيتجرد من حوله وقوته، ويبارك العمل باسم الله وبركة الله وقدرته.
وقد تكلم المفسرون كثيرا في معنى البسملة وفي علاقة بعض ألفاظها ببعض، قال بعضهم : معنى بسم الله : بدأت بعون الله وتوفيقه وبركته، وهذا تعليم من الله لعباده ليذكروا اسمه عند افتتاح القراءة وغيرها حتى يكون الافتتاح ببركة اسمه عز وجل( ٤ ).
وقال الإمام محمد عبده : إنها تعبير يقصد به الفاعل إعلان تجرده من نسبة الفعل إليه، وأنه لولا من يعنون الفعل باسمه لما فعل، فهو له وبأمره وإقداره وتمكينه، فمعنى أفعل كذا باسم فلان، أفعله معنونا باسمه ولولاه ما فعلته.
قال الأستاذ الإمام : وهذا الاستعمال معروف مألوف في كل اللغات، وأقربه ما يرى في المحاكم النظامية حيث يبتدئون الأحكام قولا وعملا وكتابة باسم السلطان أو الخديوي فلان.
﴿ الحمد لله ﴾
الحمد هو الثناء بالجميل على واهب الجميل، ولله : علم على الذات الأقدس، واجب الوجود، ذي الجلال والإكرام، وهي جملة خبرية معناها الشكر لله، وفيها عرفان لله بالفضل والمنة كما ورد في الأثر :«يا ربي لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ».
وفي الفتوحات الإلهية( ٥ ) : الحمد لله المعبود للخواص والعوام، المفزوع إليه في الأمور العظام، المرتفع عن الأوهام، المحتجب عن الأفهام، الظاهر بصفاته وآلائه للأنام.
﴿ رب العالمين ﴾ الرب هو المالك المتصرف، ويطلق في اللغة على السيد وعلى المتصرف للإصلاح والتربية.
والمتصرف للإصلاح والتربية يشمل بربوبيته العالمين أي جميع الخلائق قال في تفسير الجلالين :«أي مالك جميع الخلق من الإنس والجن والملائكة والدواب وغيرهم، وكل منها يطلق عليه عالم ؛ يقال عالم الإنس وعالم الجن إلى غير ذلك ».
والله سبحانه لم يخلق الكون ثم يتركه هملا، إنما هو يتصرف فيه بالإصلاح ويرعاه ويربيه، وكل العوالم تحفظ وتتعهد برعاية رب العالمين.
والصلة بين الخالق والخلائق دائمة ممتدة في كل وقت وفي كل حالة.
لقد حكي القرآن عقائد المشركين وصور التخبط الذي كان يحيط بالبشرية في الجاهلية فمنهم من اتخذ أصناما يعبدها من دون الله، ومنهم من جعل الآلهة المتعددة رموزا للذات الإلهية وقالوا :﴿ ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ﴾( الزمر : ٣ ). وقال القرآن عن جماعة من أهل الكتاب :﴿ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ﴾( التوبة : ٣١ ).
وكانت عقائد الجاهليات السائدة في الأرض كلها يوم جاء الإسلام، تعج بالأرباب المختلفة، بوصفها أربابا صغارا تقوم إلى جانب كبير الآلهة كما يزعمون.
جاء الإسلام وفي العالم ركام من العقائد والتصورات والأساطير والفلسفات والأوهام والأفكار.. يختلط فيها الحق بالباطل، والصحيح بالزائف والدين بالخرافة، والفلسفة بالأسطورة.. والضمير الإنساني تحت هذا الركام الهائل يتخبط في ظلمات وظنون ولا يستقر منها على يقين.
ومن ثم كانت عناية الإسلام الأولى موجهة إلى تحرير أمر العقيدة، وتحديد التصور الذي يستقر عليه الضمير في أمر الله وصفاته، وعلاقته بالخلائق وعلاقة الخلائق به على وجه القطع واليقين.
وكان من رحمة الله بالعباد إنقاذهم من الحيرة وإخراجهم من الضلال إلى الهدى بهذا الدين الحنيف بما فيه من جمال وبساطة، ووضوح وتناسق وسهولة ويسر، وتجاوب مع الفطرة.
﴿ الرحمن الرحيم ﴾ : الرحمن صفة ذاتية هي مبدأ الرحمة، الرحيم بصفاته فعل تدل على وصول الرحمة والإحسان وتعديهما إلى المنعم عليه.
ونلاحظ أن الرحمن لم تذكر في القرآن إلا مجرى عليها الصفات، كما هو شأن أسماء الذات.
قال تعالى : الرحمن علم القرآن. ، . الرحمن على العرش استوى. أما الرحيم فقد كثر استعمالها وصفا فعليا، وجاءت بأسلوب التعدية والتعلق بالمنعم عليه، قال تعالى : إن الله بالناس لرءوف رحيم. و. وكان بالمؤمنين رحيما. و. وهو الغفور الرحيم. كما جاءت الرحمة كثيرا على هذا الأسلوب. ورحمتي وسعت كل شيء، ينشر لكم ربكم من رحمته.
فالرحمن اسم يدل على قيام الرحمة بذاته سبحانه، والرحيم صفة تدل على وصول هذه الرحمة للعباد.
تقول فلان غني بمعنى أنه يملك المال، وفلان كريم بمعنى أنه ينقل المال إلى الآخرين.
ورحمة الله لا حد لها، فهو الذي خلقهم وأوجدهم وسخر لهم الكون كله وأمدهم بنعمه التي لا تعد ولا تحصى، ثم هو يفتح بابه للتائبين ويعطي السائلين، ويجيب دعاء الداعين. قال تعالى :﴿ وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ﴾. ( البقرة : ١٨٦ ).
وإن واجبنا أن نغرس في أبنائنا محبة الله، وأن نعودهم على عبادته حبا له، واعترافا بفضله وإحسانه، وذلك هو منهج الإسلام، فإن الرب في الإسلام لا يطارد عباده مطاردة الخصوم والأعداء، كآلهة الأولمب في نزواتها وثوراتها، كما تصورها أساطير الإغريق، ولا يدبر لهم المكائد الانتقامية كما تزعم الأساطير المزورة في العهد القديم، كالذي جاء في أسطورة برج بابل في الإصحاح الحادي عشر من سفر التكوين.
فالله في الإسلام رحمن رحيم، ليس مولعا بالانتقام والتعذيب. وإن بعض الناس يحلو لهم أن يصوروا الإله منتقما جبارا لا هم له إلا تعذيب الناس وإلقائهم في نار جهنم، وهي نغمة نابية عن روح الإسلام، غريبة عن نصوصه وتشريعاته السمحة قال تعالى :﴿ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ﴾. ( البقرة : ١٨٥ ).
﴿ مالك يوم الدين ﴾
في قراءة ملك يوم الدين :
أي إن الله هو المالك المتصرف يوم القيامة، فالناس في الدنيا يملكون ويحكمون ويتصرفون، فإذا كان يوم القيامة وقف الناس جميعا للحساب الصغير والكبير، السوقة والأمير، الوزير والخفير، الملك والأجير، كل الناس قد وقفت حفاة عراة، متجردين من كل جاه أو سلطان أو رتبة أو منزلة، وينادي الله سبحانه : لمن الملك اليوم ؟ فيكون الجواب : لله الواحد القهار.
ويوم الدين : هو يوم الحساب والجزاء، قال ابن عباس : يوم الدين هو يوم حساب الخلائق، وهو يوم القيامة يدينهم بأعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر، إلا من عفا عنه فالأمر أمره، قال تعالى :﴿ ألا له الخلق والأمر ﴾( الأعراف : ٥٤ ).
والاعتقاد بيوم الدين كلية من كليات العقيدة الإسلامية وأساس من أسس السعادة والنجاح للفرد والمجتمع.
فالمؤمن عندما يتيقن أن هناك يوما للجزاء والحساب يدفعه إيمانه إلى مراقبة الله والتزام أوامره واجتناب نواهيه، ولهذا فإن التشريعات الإسلامية تأخذ طابعا مميزا في التطبيق، فإن المؤمن ينفذها راغبا في ثواب الله راهبا من عقابه.
أما التشريعات الوضعية فإن تنفيذها مرتبط بالخوف من السلطة، وعندما يتأكد الشخص من بعده عن أعين السلطة فإن هذا يهون عليه ارتكاب المخالفة.
أما القانون الإلهي فإنه مرتبط بسلطة عليا، لا تغيب ولا تختفي أبدا، إنها سلطة الله الذي يعلم السر وأخفى، ويطلع على الإنسان أينما كان وحيثما وجد. ﴿ ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هم سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله على بكل شيء عليم ﴾( المجادلة : ٧ ).
﴿ إياك نعبد وإياك نستعين ﴾. لا نعبد إلا أنت ولا نستعين إلا بك. فأنت المستحق للعبادة، وأنت نعم المولى ونعم النصير.
ومعنى العبادة خضوع لا يحد لعظمة لا تحد، وهي تدل على أقصى غايات التذلل القلبي والحب النفسي والفناء في جلال المعبود وجماله فناء لا يدانيه فناء.
هي سعادة المؤمن بأنه يقف بين يدي الله خاشعا خاضعا عابدا متبتلا، ذاكرا لآيات الله، معتزا بصلته بالله مناجيا إليها سميعا بصيرا مجيبا.
والعبادة لله تحرر المؤمن من كل عبودية لغير الله، لأنه يثق بأن الله هو الخالق الرازق المعطي المانع، وأن بيده الخلق والأمر وأن أمره بين الكاف والنون :﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ﴾( يس : ٨٢ ).
وإذا صدقت عبودية المؤمن لله تحرر من عبوديته لكل العبيد، فازداد عزا بالله وثقة به واعتمادا عليه، وصار سعيدا بحياته راضيا عن سعيه، واثقا بأن هناك جزءا عادلا في الآخرة. ﴿ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره( ٧ )ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ﴾( الزلزلة٧، ٨ ).
والمؤمن حين يقف بين يدي الله فيقول : إياك نعبد وإياك نستعين. يحس بسعادة أي سعادة، حين يقف وهو المخلوق الضعيف ليخاطب الله القادر بقوله : إياك نعبد. فأنا عابد في محرابك مستعين بك في أموري كلها.
قول عبد الله ابن عباس وابن جرير الطبري :
١- عن ابن عباس قال : إياك نعبد. إياك نوحد ونرجو يا ربنا ونخاف وإياك نستعين : إياك
نستعين على طاعتك وعلى أمورنا كلها.
٢- وقال الطبري :
معنى إياك نعبد : لك اللهم نخشع ونذل ونستكين إقرارا لك بالربوبية لا لغيرك، ومعنى : وإياك نستعين. وإياك ربنا نستعين على عبادتنا إياك، وطاعتنا لك في أمورنا كلها لا أحد سواك، إذ كان من يكفر بك يستعين في أموره بمعبوده الذي يعبده من الأوثان دونك، ونحن بك نستعين في جميع أمورنا مخلصين لك العبادة.
﴿ اهدنا الصراط المستقيم ﴾
الصراط المستقيم : هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف، وقد كثر كلام المفسرين في المراد بالصراط المستقيم. قال ابن عباس : الصراط المستقيم هم الإسلام. وقال الإمام علي : الصراط المستقيم هو كتاب الله تعالى ذكره. وقال أبو العالية : اهدنا الصراط المستقيم. الصراط هو الطريق والمعنى وفقنا إلى طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه من بعده أبى بكر وعمر.
وكل هذه الآراء تلتقي على أن معنى. الصراط المستقيم. هو : جملة ما يوصل الناس إلى سعادة الآخرة والدنيا من عقائد وآداب وأحكام من جهتي العلم والعمل. وهو سبيل الإسلام الذي ختم الله به الرسالات السماوية، وجعل القرآن دستوره الشامل، ووكل إلى محمد صلى الله عليه وسلم تبليغه وبيانه.
﴿ صراط الذين أنعمت عليهم ﴾
أي طريق من أنعمت عليهم بطاعتك وعبادتك من الملائكة والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، الذين أطاعوك وعبدوك.
أو هو طريق السعداء المهتدين الواصلين. قال تعالى :﴿ ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا( ٦٦ ) وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيم( ٦٧ ) ولهديناهم صراطا مستقيما( ٦٨ ) ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا( ٦٩ ) ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما( ٧٠ ) ﴾ ( النساء : ٦٦-٧٠ ).
غير المغضوب عليهم : وهو الكافرون أو كل من غضب الله عليه، بالسلب بعد العطاء أو النكوص بعد الاهتداء.
ولا الضالين : وهم المنافقون الحائرون المترددون بين إيمانهم وكفرهم الباطن، أو هم كل من ضل عن الحق.
طوائف الناس أمام الحق :
تعددت أقوال المفسرين في بيان معنى المنعم عليهم والمغضوب عليهم والضالين والذي نراه :
أن المنعم عليهم : هم المؤمنون الصادقون.
والمغضوب عليهم : هم الكافرون الجاحدون.
والضالين : هم المنافقون الخائنون.
ودليل ذلك ما ورد في سورة البقرة حيث ذكرت السورة أن الناس أمام الحق ثلاثة أقسام :
المؤمنون : وقد تحدثت عنهم في أربع آيات( الآيات : ٢-٥ ) أولها :
﴿ آلم( ١ ) ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين( ٢ ) الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ﴾. ( البقرة : ١-٣ ).
والكافرون : وقد تحدثت عنهم في آيتين( آية٦-٧ ) من قوله تعالى :﴿ إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ﴾.
والمنافقون : وقد تحدثت عنهم السورة في ثلاثة عشر آية ( الآيات٨-٢٠ ) تبدأ من قوله تعالى :﴿ ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ﴾.
سورة الفاتحة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الفاتحةِ) أعظمُ سورةٍ في القرآن الكريم، خصَّ الله بها نبيَّه ﷺ من دون الأنبياء، فلم يُؤتَها أحدٌ قبلَه، وهي من أوائل السُّور التي نزلت في مكَّةَ المكرَّمة، وهي (القرآنُ العظيمُ) الذي أُوتيَهُ النبيُّ ﷺ، بها افتُتح الكتاب؛ ولهذا سُمِّيت بـ(الفاتحةِ)، وقد حُقَّ لها أن تكونَ فاتحةً لهذا الكتاب العظيم؛ فقد اشتملت على مقاصدِ الدِّين، وعلى كلِّ أنواع التوحيد (الرُّبوبية، والألوهية، والأسماء والصفات)؛ فجاءت أُمًّا للكتاب، وأصلًا له، وجامعةً لمقاصدِه. ولعظيمِ شأنها، وعظيم ما اشتملت عليه؛ فإنه يُفترض على كُلِّ مسلمٍ أن يقرَأَها كُلَّ يومٍ (17) مرةً في الصلوات المفروضات؛ فلا تصحُّ صلاةُ عبدٍ إلا بها، وكان ﷺ يقطِّعُها آيةً آية؛ وهذا أدعى للتدبُّر.

ترتيبها المصحفي
1
نوعها
مكية
ألفاظها
29
ترتيب نزولها
5
العد المدني الأول
7
العد المدني الأخير
7
العد البصري
7
العد الكوفي
7
العد الشامي
7

أُطلِقَ على هذه السُّورةِ الكريمة أسماءٌ كثيرة؛ منها:

* (الفاتحةُ)، أو (فاتحة الكتاب):

دلَّ على ذلك حديثُ ابن عباس رضي الله عنهما: أن جِبْريلَ قال للنبي ﷺ: «أبشِرْ بنُورَينِ أُوتِيتَهما، لم يُؤتَهما نبيٌّ قبلك: فاتحةِ الكتابِ، وخواتيمِ سورةِ البقرةِ، لن تَقرأ بحرفٍ منهما إلَّا أُعطِيتَه». أخرجه مسلم (806).

* (أمُّ الكتاب)، أو (أمُّ القرآن):

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه: «{اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}: أمُّ القرآنِ، وأمُّ الكتابِ، والسَّبْعُ المَثَاني». أخرجه أبو داود (١٤٥٧).

* (السَّبْعُ المَثَاني):

دلَّ على ذلك حديثُ النبي ﷺ، قالَ: «{اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}: هي السَّبْعُ المَثَاني والقُرْآنُ العظيمُ الذي أُوتِيتُهُ». أخرجه البخاري (٤٤٧٤).

* سورة (الصَّلاة):

فعن رسولِ الله ﷺ أنه قال: «قال اللهُ تعالى: قسَمْتُ الصلاةَ بَيْني وبين عبدي نِصْفَينِ، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبدُ: {اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}، قال اللهُ تعالى: حَمِدَني عبدي، وإذا قال: {اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ}، قال اللهُ تعالى: أثنَى عليَّ عبدي، وإذا قال: {مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ}، قال: مجَّدني عبدي، (وقال مرَّةً: فوَّض إليَّ عبدي)، فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اْهْدِنَا اْلصِّرَٰطَ اْلْمُسْتَقِيمَ ٦ صِرَٰطَ اْلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ اْلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا اْلضَّآلِّينَ} [الفاتحة: 6-7]، قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سألَ». أخرجه مسلم (395).

* سورة (الرُّقْية):

دلَّ عليه حديثُ النبي ﷺ أنه قال: «وما أدراكَ أنَّها رُقْيَةٌ؟! خُذوها، واضرِبوا لي بسَهْمٍ». أخرجه البخاري (5736).

وثمَّةَ أسماءٌ أخرى، أوصلها السيوطيُّ إلى (25) اسمًا. ينظر: "الإتقان في علوم القرآن" (1 /52، 53).

* أفضَلُ سورةٍ في القرآن الكريم:

فعن أبي سعيدِ بن المعلَّى رضي الله عنه، قال: «كنتُ أُصلِّي في المسجدِ، فدعاني رسولُ اللهِ ﷺ، فلم أُجِبْهُ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي كنتُ أُصلِّي، فقال: «ألَمْ يقُلِ اللهُ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْۖ} [الأنفال: 24]»، ثم قال لي: «لأُعلِّمَنَّك سورةً هي أعظَمُ السُّوَرِ في القرآنِ قبل أن تخرُجَ مِن المسجدِ»، ثم أخَذ بيدي، فلمَّا أراد أن يخرُجَ، قلتُ له: ألَمْ تقُلْ: لأُعلِّمَنَّك سورةً هي أعظَمُ سورةٍ في القرآنِ؟! قال: «{اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}؛ هي السَّبْعُ المَثَاني والقرآنُ العظيمُ الذي أُوتيتُه»». أخرجه البخاري (٤٤٧٤).

* خُصَّ بها النبيُّ ﷺ دون غيرِه من الأنبياء:

لِما رواه ابنُ عبَّاس رضي الله عنهما، قال: «بينما جِبْريلُ قاعدٌ عند النبيِّ ﷺ، سَمِع نَقِيضًا مِن فوقِه، فرفَع رأسَه، فقال: هذا بابٌ مِن السماءِ فُتِح اليومَ، لم يُفتَحْ قطُّ إلا اليومَ، فنزَل منه ملَكٌ، فقال: هذا ملَكٌ نزَل إلى الأرضِ، لم يَنزِلْ قطُّ إلا اليومَ، فسلَّم، وقال: أبشِرْ بنُورَينِ أُوتيتَهما، لم يؤتَهما نبيٌّ قبلك: فاتحةِ الكتابِ، وخواتيمِ سورةِ البقرةِ، لن تقرأَ بحرفٍ منهما إلا أُعطيتَهُ». أخرجه مسلم (806).

* لا تصحُّ الصلاةُ إلا بها:

لِما جاء عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «مَن صلَّى صلاةً لم يَقرأْ فيها بأُمِّ القرآنِ، فهي خِدَاجٌ - ثلاثًا - غيرُ تمامٍ»، فقيل لأبي هُرَيرةَ: إنَّا نكونُ وراءَ الإمامِ؟ فقال: اقرَأْ بها في نفسِك؛ فإنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: «قال اللهُ تعالى: قسَمْتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نِصْفَينِ، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبدُ: {اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}، قال اللهُ تعالى: حَمِدني عبدي، وإذا قال: {اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ}، قال اللهُ تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: {مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ}، قال: مجَّدني عبدي، (وقال مرَّةً: فوَّض إليَّ عبدي)، فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اْهْدِنَا اْلصِّرَٰطَ اْلْمُسْتَقِيمَ ٦ صِرَٰطَ اْلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ اْلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا اْلضَّآلِّينَ}، قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل». أخرجه مسلم (395).

* مِن أعظَمِ ما يَرقِي به المؤمنُ نفسَه سورةُ (الفاتحة):

فعن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ: «أنَّ ناسًا مِن أصحابِ النبيِّ ﷺ أتَوْا على حيٍّ مِن أحياءِ العرَبِ، فلم يَقْرُوهم، فبينما هم كذلك، إذ لُدِغَ سيِّدُ أولئك، فقالوا: هل معكم مِن دواءٍ أو راقٍ؟ فقالوا: إنَّكم لم تَقْرُونا، ولا نفعلُ حتى تَجعَلوا لنا جُعْلًا! فجعَلوا لهم قطيعًا مِن الشَّاءِ، فجعَلَ يقرأُ بـ(أمِّ القرآنِ)، ويَجمَعُ بُزاقَهُ ويتفُلُ، فبرَأَ، فأتَوْا بالشَّاءِ، فقالوا: لا نأخذُه حتى نسألَ النبيَّ ﷺ، فسألوه، فضَحِكَ، وقال: «وما أدراك أنَّها رُقْيةٌ؟! خُذوها، واضرِبوا لي بسَهْمٍ»». أخرجه البخاري (5736).

* تعلَّقتْ هذه السُّورةُ بشكلٍ يومي بقراءة النبيِّ ﷺ في صلواته:

فقد كان يقطِّعُ آياتِها آيةً آية؛ كما وصَفتْ لنا أمُّ سلمةَ رضي الله عنها قراءةَ النبي ﷺ، فقالت: «قراءةُ رسولِ اللَّهِ ﷺ: {بِسْمِ اْللَّهِ اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ ١ اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ ٢ اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ ٣ مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ}؛ يقطِّعُ قراءتَهُ آيةً آيةً». أخرجه أبو داود (٤٠٠١).

اشتمَلتْ هذه السُّورةُ على عدَّةِ موضوعات هي أصولٌ عظيمة للقرآن الكريم، ملخِّصةٌ لِما فيه؛ بيانها كما يلي:

أولًا: الألوهيَّة.

ثانيًا: اليوم الآخر.

ثالثًا: توحيد العبادة، والاستعانةِ بالله وحدَه (توحيد الرُّبوبية).

رابعًا: الهداية إلى الصراط المستقيم، والالتزام به، وبيان هذا الصراط.

وفي ذلك يقول السعديُّ - رحمه الله -: «فقد تضمَّنتْ - أي الفاتحةُ - أنواعَ التَّوحيد الثَّلاثة:

توحيد الرُّبوبية؛ يؤخذ من قوله: {رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}.

وتوحيد الألوهيَّة: وهو إفرادُ الله بالعبادة؛ يؤخذ من لفظ: {اْللَّهِ}، ومِن قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}.

وتوحيد الأسماء والصفات: وهو إثباتُ صفات الكمال لله تعالى، التي أثبَتها لنفسه، وأثبتها له رسولُه ﷺ؛ مِن غير تعطيلٍ، ولا تمثيل، ولا تشبيه؛ وقد دل على ذلك: لفظُ: {اْلْحَمْدُ}.

وإثباتَ الجزاء على الأعمال في قوله: {مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ}، وأنَّ الجزاءَ يكون بالعدل.

وتضمَّنتْ إخلاصَ الدِّين لله تعالى - عبادةً واستعانة - في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.

وتضمَّنتْ إثباتَ النُّبوة في قوله: {اْهْدِنَا اْلصِّرَٰطَ اْلْمُسْتَقِيمَ}؛ لأن ذلك ممتنِعٌ بدون الرسالة.

وتضمَّنتْ إثباتَ القَدَر، وأن العبد فاعلٌ حقيقةً.

وتضمَّنتِ الردَّ على جميع أهل البِدَع والضَّلال في قوله: {اْهْدِنَا اْلصِّرَٰطَ اْلْمُسْتَقِيمَ}؛ لأنه معرفةُ الحقِّ، والعملُ به، وكلُّ مبتدِع وضالٍّ فهو مخالِف لذلك». "تيسير الكريم الرَّحمن" للسعدي (ص17).

بسببِ ما لهذه السورةِ من فضائلَ عظيمة، جاءت مقاصدُها جامعةً لأمور الدِّين كلِّه؛ فكانت مقاصدُها على النحو الآتي:

أولًا: الثناء على الله ثناءً جامعًا لوصفِه بجميع المحامد، وتنزيهِه عن جميع النقائص؛ وهذا يدلُّ على توحيد الألوهية، ويدل على تفرُّده بالإلهية، وإثباتِ البعث والجزاء؛ وذلك من قوله: {اْلْحَمْدُ لِلَّهِ} إلى قوله: {مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ}.

ثانيًا: الأوامرُ والنَّواهي؛ من قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}؛ وفي هذا توحيدُ الرُّبوبية والعبادة.

ثالثًا: الوعدُ والوعيد؛ من قوله: {صِرَٰطَ اْلَّذِينَ} إلى آخرها.

فهذه هي أنواعُ مقاصدِ القرآن كلِّه، وغيرُها تكملاتٌ لها؛ لأن القصدَ من القرآن إبلاغُ مقاصدِه الأصلية؛ وهي: صلاحُ الدارَينِ؛ وذلك يحصُلُ بالأوامر والنَّواهي.

ولمَّا توقَّفتِ الأوامرُ والنَّواهي على معرفة الآمِرِ، وأنه اللهُ الواجبُ وجودُه خالقُ الخَلق: لَزِم تحقيقُ معنى الصفات.

ولمَّا توقَّف تمامُ الامتثال على الرجاءِ في الثواب، والخوف من العقاب: لَزِم تحقُّقُ الوعد والوعيد.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (1 /133).