تفسير سورة الفاتحة

مراح لبيد

تفسير سورة سورة الفاتحة من كتاب مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد المعروف بـمراح لبيد.
لمؤلفه نووي الجاوي . المتوفي سنة 1316 هـ
سورة الفاتحة
مكية، سبع آيات، تسع وعشرون كلمة، مائة وثلاثة وأربعون حرفا بسم الله الرحمن الرحيم والسابعة: صِراطَ الَّذِينَ إلى آخرها إن كانت البسملة منها وإن لم تكن منها فالسابعة:
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ إلى آخرها، وهي مشتملة على أربعة أنواع من العلوم:
أحدها: علم الأصول وقد جمعت الإلهيات في: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ والنبوات في: الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ والدار الآخرة في مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ وثانيها: علم الفروع وأعظمه العبادات، وهي مالية وبدنية وهما مفتقرتان إلى أمور المعاش من المعاملات والمناكحات، ولا بدّ لها من الأحكام التي تقتضيها الأوامر والنواهي.
وثالثها: علم تحصيل الكمالات وهو علم الأخلاق ومنه الاستقامة في الطريقة، وإلى ذلك الإشارة بقوله: وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. وقد جمعت الشريعة كلها في الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ.
ورابعها: علم القصص والأخبار عن الأمم الخالية وقد جمعت السعداء من الأنبياء وغيرهم في: الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ والأشقياء من الكفار في: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا
الضَّالِّينَ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١) الباء: بهاء الله والسين سناؤه فلا شيء أعلى منه، والميم: ملكه وهو على كل شيء قدير. والباء: ابتداء اسمه بارئ بصير. والسين:
ابتداء اسمه سميع. والميم: ابتداء اسمه مجيد مليك. والألف: ابتداء اسمه الله. واللام: ابتداء اسمه لطيف. والهاء: ابتداء اسمه هادي. والراء: ابتداء اسمه رزاق. والحاء: ابتداء اسمه حليم. والنون: ابتداء اسمه نافع ونور. الْحَمْدُ لِلَّهِ والشكر لله بنعمه السوابغ على عباده الذين هداهم للإيمان. رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) أي خالق الخلق ورازقهم ومحوّلهم من حال إلى حال. الرَّحْمنِ أي العاطف على البار والفاجر بالرزق ودفع الآفات عنهم. الرَّحِيمِ (٣) أي الذي يستر عليهم الذنوب في الدنيا ويرحمهم في الآخرة فيدخلهم الجنة. مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) بإثبات الألف عند عاصم والكسائي ويعقوب أي متصرف في الأمر كله يوم القيامة
7
كما قال تعالى: يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [الانفطار: ١٩] وعند الباقين بحذف الألف والمعنى أي المتصرف في أمر القيامة بالأمر والنهي. إِيَّاكَ نَعْبُدُ أي لا نعبد أحدا سواك. وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) أي بك نستعين على عبادتك فلا حول عن المعصية إلا بعصمتك ولا قوة على الطاعة إلا بتوفيقك. اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) أي زدنا هداية إلى دين الإسلام، أو المعنى أدمنا مهديين إليه. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ أي دين الذين مننت عليهم بالدين من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين. غَيْرِ الْمَغْضُوبِ أي غير دين اليهود الذي غضبت عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧) أي غير دين النصارى الذين ضلوا عن الإسلام ويقال: المغضوب عليهم هم الكفار، والضالون هم المنافقون لأن الله تعالى ذكر المؤمنين في أول البقرة في أربع آيات ثم ثنّى بذكر الكفار في آيتين، ثم ثلّث بذكر المنافقين في ثلاث عشرة آية. ويسنّ للقارئ بعد فراغه من الفاتحة أن يقول: آمين وهو اسم بمعنى فعل أمر، وهو استجب.
8
سورة الفاتحة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الفاتحةِ) أعظمُ سورةٍ في القرآن الكريم، خصَّ الله بها نبيَّه ﷺ من دون الأنبياء، فلم يُؤتَها أحدٌ قبلَه، وهي من أوائل السُّور التي نزلت في مكَّةَ المكرَّمة، وهي (القرآنُ العظيمُ) الذي أُوتيَهُ النبيُّ ﷺ، بها افتُتح الكتاب؛ ولهذا سُمِّيت بـ(الفاتحةِ)، وقد حُقَّ لها أن تكونَ فاتحةً لهذا الكتاب العظيم؛ فقد اشتملت على مقاصدِ الدِّين، وعلى كلِّ أنواع التوحيد (الرُّبوبية، والألوهية، والأسماء والصفات)؛ فجاءت أُمًّا للكتاب، وأصلًا له، وجامعةً لمقاصدِه. ولعظيمِ شأنها، وعظيم ما اشتملت عليه؛ فإنه يُفترض على كُلِّ مسلمٍ أن يقرَأَها كُلَّ يومٍ (17) مرةً في الصلوات المفروضات؛ فلا تصحُّ صلاةُ عبدٍ إلا بها، وكان ﷺ يقطِّعُها آيةً آية؛ وهذا أدعى للتدبُّر.

ترتيبها المصحفي
1
نوعها
مكية
ألفاظها
29
ترتيب نزولها
5
العد المدني الأول
7
العد المدني الأخير
7
العد البصري
7
العد الكوفي
7
العد الشامي
7

أُطلِقَ على هذه السُّورةِ الكريمة أسماءٌ كثيرة؛ منها:

* (الفاتحةُ)، أو (فاتحة الكتاب):

دلَّ على ذلك حديثُ ابن عباس رضي الله عنهما: أن جِبْريلَ قال للنبي ﷺ: «أبشِرْ بنُورَينِ أُوتِيتَهما، لم يُؤتَهما نبيٌّ قبلك: فاتحةِ الكتابِ، وخواتيمِ سورةِ البقرةِ، لن تَقرأ بحرفٍ منهما إلَّا أُعطِيتَه». أخرجه مسلم (806).

* (أمُّ الكتاب)، أو (أمُّ القرآن):

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه: «{اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}: أمُّ القرآنِ، وأمُّ الكتابِ، والسَّبْعُ المَثَاني». أخرجه أبو داود (١٤٥٧).

* (السَّبْعُ المَثَاني):

دلَّ على ذلك حديثُ النبي ﷺ، قالَ: «{اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}: هي السَّبْعُ المَثَاني والقُرْآنُ العظيمُ الذي أُوتِيتُهُ». أخرجه البخاري (٤٤٧٤).

* سورة (الصَّلاة):

فعن رسولِ الله ﷺ أنه قال: «قال اللهُ تعالى: قسَمْتُ الصلاةَ بَيْني وبين عبدي نِصْفَينِ، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبدُ: {اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}، قال اللهُ تعالى: حَمِدَني عبدي، وإذا قال: {اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ}، قال اللهُ تعالى: أثنَى عليَّ عبدي، وإذا قال: {مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ}، قال: مجَّدني عبدي، (وقال مرَّةً: فوَّض إليَّ عبدي)، فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اْهْدِنَا اْلصِّرَٰطَ اْلْمُسْتَقِيمَ ٦ صِرَٰطَ اْلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ اْلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا اْلضَّآلِّينَ} [الفاتحة: 6-7]، قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سألَ». أخرجه مسلم (395).

* سورة (الرُّقْية):

دلَّ عليه حديثُ النبي ﷺ أنه قال: «وما أدراكَ أنَّها رُقْيَةٌ؟! خُذوها، واضرِبوا لي بسَهْمٍ». أخرجه البخاري (5736).

وثمَّةَ أسماءٌ أخرى، أوصلها السيوطيُّ إلى (25) اسمًا. ينظر: "الإتقان في علوم القرآن" (1 /52، 53).

* أفضَلُ سورةٍ في القرآن الكريم:

فعن أبي سعيدِ بن المعلَّى رضي الله عنه، قال: «كنتُ أُصلِّي في المسجدِ، فدعاني رسولُ اللهِ ﷺ، فلم أُجِبْهُ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي كنتُ أُصلِّي، فقال: «ألَمْ يقُلِ اللهُ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْۖ} [الأنفال: 24]»، ثم قال لي: «لأُعلِّمَنَّك سورةً هي أعظَمُ السُّوَرِ في القرآنِ قبل أن تخرُجَ مِن المسجدِ»، ثم أخَذ بيدي، فلمَّا أراد أن يخرُجَ، قلتُ له: ألَمْ تقُلْ: لأُعلِّمَنَّك سورةً هي أعظَمُ سورةٍ في القرآنِ؟! قال: «{اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}؛ هي السَّبْعُ المَثَاني والقرآنُ العظيمُ الذي أُوتيتُه»». أخرجه البخاري (٤٤٧٤).

* خُصَّ بها النبيُّ ﷺ دون غيرِه من الأنبياء:

لِما رواه ابنُ عبَّاس رضي الله عنهما، قال: «بينما جِبْريلُ قاعدٌ عند النبيِّ ﷺ، سَمِع نَقِيضًا مِن فوقِه، فرفَع رأسَه، فقال: هذا بابٌ مِن السماءِ فُتِح اليومَ، لم يُفتَحْ قطُّ إلا اليومَ، فنزَل منه ملَكٌ، فقال: هذا ملَكٌ نزَل إلى الأرضِ، لم يَنزِلْ قطُّ إلا اليومَ، فسلَّم، وقال: أبشِرْ بنُورَينِ أُوتيتَهما، لم يؤتَهما نبيٌّ قبلك: فاتحةِ الكتابِ، وخواتيمِ سورةِ البقرةِ، لن تقرأَ بحرفٍ منهما إلا أُعطيتَهُ». أخرجه مسلم (806).

* لا تصحُّ الصلاةُ إلا بها:

لِما جاء عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «مَن صلَّى صلاةً لم يَقرأْ فيها بأُمِّ القرآنِ، فهي خِدَاجٌ - ثلاثًا - غيرُ تمامٍ»، فقيل لأبي هُرَيرةَ: إنَّا نكونُ وراءَ الإمامِ؟ فقال: اقرَأْ بها في نفسِك؛ فإنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: «قال اللهُ تعالى: قسَمْتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نِصْفَينِ، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبدُ: {اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}، قال اللهُ تعالى: حَمِدني عبدي، وإذا قال: {اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ}، قال اللهُ تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: {مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ}، قال: مجَّدني عبدي، (وقال مرَّةً: فوَّض إليَّ عبدي)، فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اْهْدِنَا اْلصِّرَٰطَ اْلْمُسْتَقِيمَ ٦ صِرَٰطَ اْلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ اْلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا اْلضَّآلِّينَ}، قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل». أخرجه مسلم (395).

* مِن أعظَمِ ما يَرقِي به المؤمنُ نفسَه سورةُ (الفاتحة):

فعن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ: «أنَّ ناسًا مِن أصحابِ النبيِّ ﷺ أتَوْا على حيٍّ مِن أحياءِ العرَبِ، فلم يَقْرُوهم، فبينما هم كذلك، إذ لُدِغَ سيِّدُ أولئك، فقالوا: هل معكم مِن دواءٍ أو راقٍ؟ فقالوا: إنَّكم لم تَقْرُونا، ولا نفعلُ حتى تَجعَلوا لنا جُعْلًا! فجعَلوا لهم قطيعًا مِن الشَّاءِ، فجعَلَ يقرأُ بـ(أمِّ القرآنِ)، ويَجمَعُ بُزاقَهُ ويتفُلُ، فبرَأَ، فأتَوْا بالشَّاءِ، فقالوا: لا نأخذُه حتى نسألَ النبيَّ ﷺ، فسألوه، فضَحِكَ، وقال: «وما أدراك أنَّها رُقْيةٌ؟! خُذوها، واضرِبوا لي بسَهْمٍ»». أخرجه البخاري (5736).

* تعلَّقتْ هذه السُّورةُ بشكلٍ يومي بقراءة النبيِّ ﷺ في صلواته:

فقد كان يقطِّعُ آياتِها آيةً آية؛ كما وصَفتْ لنا أمُّ سلمةَ رضي الله عنها قراءةَ النبي ﷺ، فقالت: «قراءةُ رسولِ اللَّهِ ﷺ: {بِسْمِ اْللَّهِ اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ ١ اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ ٢ اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ ٣ مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ}؛ يقطِّعُ قراءتَهُ آيةً آيةً». أخرجه أبو داود (٤٠٠١).

اشتمَلتْ هذه السُّورةُ على عدَّةِ موضوعات هي أصولٌ عظيمة للقرآن الكريم، ملخِّصةٌ لِما فيه؛ بيانها كما يلي:

أولًا: الألوهيَّة.

ثانيًا: اليوم الآخر.

ثالثًا: توحيد العبادة، والاستعانةِ بالله وحدَه (توحيد الرُّبوبية).

رابعًا: الهداية إلى الصراط المستقيم، والالتزام به، وبيان هذا الصراط.

وفي ذلك يقول السعديُّ - رحمه الله -: «فقد تضمَّنتْ - أي الفاتحةُ - أنواعَ التَّوحيد الثَّلاثة:

توحيد الرُّبوبية؛ يؤخذ من قوله: {رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}.

وتوحيد الألوهيَّة: وهو إفرادُ الله بالعبادة؛ يؤخذ من لفظ: {اْللَّهِ}، ومِن قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}.

وتوحيد الأسماء والصفات: وهو إثباتُ صفات الكمال لله تعالى، التي أثبَتها لنفسه، وأثبتها له رسولُه ﷺ؛ مِن غير تعطيلٍ، ولا تمثيل، ولا تشبيه؛ وقد دل على ذلك: لفظُ: {اْلْحَمْدُ}.

وإثباتَ الجزاء على الأعمال في قوله: {مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ}، وأنَّ الجزاءَ يكون بالعدل.

وتضمَّنتْ إخلاصَ الدِّين لله تعالى - عبادةً واستعانة - في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.

وتضمَّنتْ إثباتَ النُّبوة في قوله: {اْهْدِنَا اْلصِّرَٰطَ اْلْمُسْتَقِيمَ}؛ لأن ذلك ممتنِعٌ بدون الرسالة.

وتضمَّنتْ إثباتَ القَدَر، وأن العبد فاعلٌ حقيقةً.

وتضمَّنتِ الردَّ على جميع أهل البِدَع والضَّلال في قوله: {اْهْدِنَا اْلصِّرَٰطَ اْلْمُسْتَقِيمَ}؛ لأنه معرفةُ الحقِّ، والعملُ به، وكلُّ مبتدِع وضالٍّ فهو مخالِف لذلك». "تيسير الكريم الرَّحمن" للسعدي (ص17).

بسببِ ما لهذه السورةِ من فضائلَ عظيمة، جاءت مقاصدُها جامعةً لأمور الدِّين كلِّه؛ فكانت مقاصدُها على النحو الآتي:

أولًا: الثناء على الله ثناءً جامعًا لوصفِه بجميع المحامد، وتنزيهِه عن جميع النقائص؛ وهذا يدلُّ على توحيد الألوهية، ويدل على تفرُّده بالإلهية، وإثباتِ البعث والجزاء؛ وذلك من قوله: {اْلْحَمْدُ لِلَّهِ} إلى قوله: {مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ}.

ثانيًا: الأوامرُ والنَّواهي؛ من قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}؛ وفي هذا توحيدُ الرُّبوبية والعبادة.

ثالثًا: الوعدُ والوعيد؛ من قوله: {صِرَٰطَ اْلَّذِينَ} إلى آخرها.

فهذه هي أنواعُ مقاصدِ القرآن كلِّه، وغيرُها تكملاتٌ لها؛ لأن القصدَ من القرآن إبلاغُ مقاصدِه الأصلية؛ وهي: صلاحُ الدارَينِ؛ وذلك يحصُلُ بالأوامر والنَّواهي.

ولمَّا توقَّفتِ الأوامرُ والنَّواهي على معرفة الآمِرِ، وأنه اللهُ الواجبُ وجودُه خالقُ الخَلق: لَزِم تحقيقُ معنى الصفات.

ولمَّا توقَّف تمامُ الامتثال على الرجاءِ في الثواب، والخوف من العقاب: لَزِم تحقُّقُ الوعد والوعيد.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (1 /133).