أي فاتحة الكتاب معناها أول ما من شأنه أن يفتتح به الكتاب، ثم أطبقت على أول كل شيء كالكلام، والتاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية أو هي مصدر بمعنى الفتح أطلقت عليه تسمية للمفعول باسم المصدر، وإشعارا بأصالته كأنه نفس الفتح والإضافة بمعنى اللام كما في جزء الشيء لا بمعنى ﴿ من ﴾ كما في خاتم فضة، لما عرفت أن المضاف جزء من المضاف إليه لا جزئي له، وسميت بذلك لأن القرآن افتتح بها إذ هي أول ما يكتبه الكاتب من المصحف، وأول ما يتلوه التالي من الكتاب العزيز، وإن لم تكن أول ما نزل من القرآن، وقد اشتهرت بهذا الاسم في أيام النبوة، قيل أنها مكية وهو قول أكثر العلماء، وقيل مدنية وهو قول مجاهد، وقيل أنها نزلت مرتين مرة بمكة حين فرضت الصلوات الخمس، ومرة بالمدينة حين حولت القبلة جمعا بين الروايات، والأول أصح قاله البغوي، ورجحه البيضاوي.
وأسماء السور توقيفية وكذا ترتيب السور والآيات أي تتوقف على نقلها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل غير ذلك، وإنما هذا على الأرجح، والسورة طائفة من القرآن لها أول وآخر وترجمة باسم خاص بها بتوقيف، والسورة قد يكون لها اسم واحد، وقد يكون اسمان أو أكثر.
وأسماء السور في المصاحف لم يثبتها الصحابة في مصاحفهم، وإنما هو شيء ابتدعه الحجاج كما ابتدع إثبات الأعشار والأسباع، وسميت هذه أم القرآن لكونها أصلا ومنشأ له إما لمبدئيتها له وإما لاشتمالها على ما فيه من الثناء على الله عز وجل، والتعبد بأمره ونهيه وبيان وعده ووعيده، أو على جملة معانيه من الحكم النظرية والأحكام العملية التي هي سلوك الصراط المستقيم، والاطلاع على معارج السعداء ومنازل الأشقياء، والمراد بالقرآن هو المراد بالكتاب، وسميت أيضا أم الكتاب لأنه يبدأ بقرائتها في الصلاة، قاله البخاري في الصحيح.
وقال أبو السعود مناط التسمية ما ذكر في أم القرآن لا ما أورده البخاري، فإنه مما لا تعلق له بالتسمية كما أشير إليه، قال ابن كثير وصحيح تسميتها بالسبع المثاني لأنها سبع آيات وتثنى في الصلاة فتقرأ في كل ركعة أو لتكرر نزولها وأخرج أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( هي أم القرآن وهي السبع المثاني، وهي القرآن العظيم ) ١ وأخرج ابن جرير عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم :( قال هي أم القرآن وهي فاتحة الكتاب وهي السبع المثاني ) ٢ ؛ وأخرج نحوه ابن مردوديه والدارقطني من حديثه :" وقال كلهم ثقات.
ومن أسمائها كما حكاه في الكشاف سورة الكنز والوافية، وسورة الحمد، وسورة الصلاة، وتسمى الكافية لأنها تكفي عن سواها في الصلاة ولا يكفي سواها عنها، وسورة الشفاء والشافية لقوله صلى الله عليه وآله وسلم :( هي الشفاء من كل داء ) وأخرج الثعلبي أن رجلا اشتكى إليه وجع الخاصرة فقال عليك بأساس القرآن٣.
وأخرج البيهقي في الشعب عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( إن الله أعطاني فيما من به علي فيما من به علي فاتحة الكتاب وقال : هي كنز من كنوز عرشي ) ٤، وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده عن علي نحوه مرفوعا، وذكر القرطبي للفاتحة اثني عشر اسما، وقد ذكر السيوطي في الإتقان خمسة وعشرين اسما للفاتحة.
وهي سبع آيات بلا خلاف كما حكاه ابن كثير في تفسيره، قال القرطبي : أجمعت الأمة على أنها سبع آيات إلا ما روى عن حسين الجعفي أنها ست وهو شاذ، وعن عمرو بن عبيد أنه جعل ﴿ إياك نعبد ﴾ آية فهي عنده ثمان وهو شاذ انتهى، وإنما اختلفوا في البسملة كما سيأتي :
وقد أخرج عبد بن حميد ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة وابن الأنباري في المصاحف عن محمد بن سيرين أن أبي بن كعب وعثمان بن عفان كانا يكتبان فاتحة الكتاب والمعوذتين، ولم يكتب ابن مسعود شيئا منهن، وقد خالف في ذلك إجماع الصحابة وسائر أهل البيت ومن بعدهم، وأخرج ابن حميد عن إبراهيم قال كان عبد الله بن مسعود لا يكتب فاتحة الكتاب في المصحف، وقال لو كتبتها لكتبت في أول كل شيء.
وقد ورد في فضل هذه السورة أحاديث : منها ما أخرجه البخاري وأحمد وأبو داود النسائي من حديث أبي سعيد بن المعلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ( لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد، قال فأخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت يا رسول الله إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قال نعم : الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ) ٥.
وأخرج أحمد والنسائي والترمذي وصححه من حديث أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها٦ ؟ ثم أخبره أنها الفاتحة.
وأخرج أحمد في المسند من حديث عبد الله بن جابر :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : ألا أخبرك بآخر سورة في القرآن ؟ قلت بلى يا رسول الله، قال : اقرأ الحمد لله رب العالمين حتى تختمها ) ٧ وفي سنده ابن عقيل، وقد احتج به كبار الأئمة وبقية رجاله ثقات، وابن جابر هذا هو العبدي كما قال ابن الجوزي وقيل الأنصاري البياضي كما قال ابن عساكر.
وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما أخبره بأن رجلا رقى سليما بفاتحة الكتاب :( وما كان يدريه أنها رقية ) ٨ الحديث.
وأخرج مسلم ونسائي عن ابن عباس قال ( بينما النبي صلى الله عليه وسلم وعنده جبرائيل إذ سمع نقيضا فوقه فرفع جبرائيل بصره إلى السماء فقال : هذا باب قد فتح من السماء ما فتح لنبي قط قال فنزل منه ملك فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ حرفا منهما إلا أوتيته ) ٩.
وأخرج مسلم والنسائي والترمذي وصححه عن أبي هريرة ( من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداع ثلاثا غير تمام ) ١٠ وأخرج البزار في مسنده بسند ضعيف عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا وضعت جنبك على الفراش وقرأت فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد فقد أمنت من كل شيء إلا الموت ) ١١.
وأخرج سعيد بن منصور في سننه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي سعيد الخدري قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( فاتحة الكتاب شفاء من كل سقم ) ١٢، وأخرج أبو الشيخ نحوه من حديثه وحديث أبي هريرة مرفوعا، وأخرج الدارمي والبيهقي في شعب الإيمان بسند رجاله ثقات عن عبد الملك ابن عمير قال : قال رسول اله صلى الله عليه وسلم في فاتحة الكتاب ( شفاء من كل داء ) ١٣.
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن السني في عمل اليوم والليلة وابن جرير والحاكم وصححه عن خارجة بن الصلت التميمي عن عمه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل راجعا من عنده، فمر على قوم وعندهم رجل مجنون موثق بالحديد، فقال أهله أعندك ما تداوي به هذا فإن صاحبكم قد جاء بخير، قال فقرأت عليه فاتحة الكتاب ثلاثة أيام في كل يوم مرتين غدوة وعشية أجمع بناني ثم أتفل فبرأ فأعطاني مائة شاة، فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له فقال ( كل فمن أكل برقية باطلة فقد أكلت برقية حق ) ١٤.
وعن أبي عباس قال : فاتحة الكتاب ثلثا القرآن١٥، وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قرأ أم القرآن وقل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القرآن )، وأخرج عبد بن حميد في مسنده بسند ضعيف عن ابن عباس يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( فاتحة الكتاب تعدل بثلث القرآن ) ١٦ وأخرج الحاكم وصححه وأبو ذر الهروي في فضائله والبيهقي في الشعب عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم في مسير له فنزل فمشى رجل من أصحابه إلى جنبه، فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( ألا أخبرك بأفضل القرآن فتلا عليه الحمد لله رب العالمين ) ١٧.
وأخرج أبو نعيم والديلمي عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فاتحة الكتاب تجزئ ما لا يجزئ من القرآن في الكفة، ولو أن فاتحة الكتاب جعلت في كفة الميزان وجعل القرآن في الكفة الأخرى لفضلت فاتحة الكتاب على القرآن سبع مرات ) ١٨.
وأخرج أبو عبيد في فضائله عن الحسن مرسلا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قرأ فاتحة الكتاب فكأنما قرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان )، إلى غير ذلك من الأحاديث.
ثم الاستعاذة قبل القراءة سنة عند الجمهور لقوله تعالى ﴿ فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾ واختلفوا في لفظها المختار، ولا يأتي بكثير فائدة، ومعنى أعوذ بالله ألتجئ إليه وأمتنع به مما أخشاه، من عاذ يعوذ والشيطان أصله من شطن أي تباعد من الرحمة أو من شاط إذا هلك واحترق، والأول أولى.
والشيطان اسم لكل عات من الجن والإنس، والرجيم من يرجم بالوسوسة أو مرجوم بالشهب عند استراق السمع أو بالعذاب أو مطرود عن الرحمة.
والاستعاذة تطهر القلب عن كل شيء شاغل عن الله.
ومن لطائفها أن قوله ﴿ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾ إقرار من العبد بعجزه وضعفه وبقدرة الباري على دفع جميع المضرات.
٢ رواه أحمد الترمذي وصححه والبخاري تفسير ١/١ وتمام الحديث ص ٣٠..
٣ راجع زاد المسير ١/١٠..
٤ ضعيف الجامع ١/١٥٦١..
٥ النسائي/٢٦- أبو داود الوتر/١٥- أحمد ٤/٢١١- البخاري في تفسير ١/١..
٦ الترمذي – ثواب القرآن١- أحمد ٢/٤١٣و ٥/١١٤..
٧ أحمد وصحيح الجامع الصغير ٢٥٨٩..
٨ انظر الحديث بتمامه مسلم ٤/٢٢٠١ والبخاري ١١٣٢..
٩ انظر الحديث بتمامه مسلم ١/٨٠٦..
١٠ انظر الحديث بتمامه مسلم ١/٣٩٥..
١١ ضعيف الجامع ٨٢٢..
١٢ ضعيف الجامع ٣٩٥٤..
١٣ ضعيف الجامع ٣٩٥٥..
١٤ صحيح الجامع ٤٣٧٠..
١٥ انظر ضعيف الجامع ٥٩٥٣..
١٦ من قرأ قل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القرآن الزوائد ٧/١٤٦..
١٧ الحاكم ١/٥٦٠..
١٨ ضعيف الجامع /٣٩٥٢..
وبالأول قال ابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وسعيد بن جبير وعطاء وابن المبارك وأحمد في أحد قوليه، وإسحق وعلي بن أبي طالب والزهري ومحمد ابن كعب والثوري، وهو القول الجديد للشافعي، ولذلك يجهر بها عنده.
وبالثاني قال الأوزاعي ومالك وأبو حنيفة وأصحابه، قال أبو السعود وهو الصحيح من مذهب الحنفية.
وقد أثبتها السلف في المصحف مع الأمر بتجريد القرآن عما ايس منه، ولذا لم يكتبوا آمين. وقد أخرج أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عباس أن
وأخرج ابن خزيمة في صحيحه عن أم سلمة أن رسول الله - ﷺ - قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وعدها آية، وفي إسناده عمر بن هارون البلخي وفيه ضعف. وروى نحوه الدارقطني مرفوعاً عن أبي هريرة، وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قرأتم الحمد لله فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم فإنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني (١)، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها، رواه الدارقطني وقال رجال إسناده كلهم ثقات، ورواه البخاري في تاريخه، وروي موقوفاً أيضاً.
وأخرج مسلم عن أنس قال: قال رسول الله - ﷺ - " أنزلت عليّ آنفاً سورة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر (٢) " الحديث.
قال البيهقي أحسن ما احتج به أصحابنا في أن البسملة من القرآن وأنها من فواتح السور سوى سورة براءة ما روينا في جمع الصحابة كتاب الله عز وجل في المصاحف، وأنهم كتبوا فيها البسملة على رأس كل سورة سوى سورة براءة فكيف يتوهم متوهم أنهم كتبوا فيها مائة وثلاث عشرة آية ليست من القرآن، وقد علمنا بالروايات الصحيحة عن ابن عباس أنه كان يعد البسملة آية من الفاتحة ويقول انتزع الشيطان منهم خير آية في القرآن، رواه الشافعي.
وكما وقع الخلاف في إثباتها وقع الخلاف في الجهر بها في الصلاة وقد أخرج النسائي في سننه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة أنه صلى فجهر في قراءته بالبسملة وقال بعد أن فرغ إني لأشبهكم صلاة برسول الله - ﷺ -، وصححه الدارقطني والخطيب والبيهقي
_________
(١) صحيح الجامع ٧٢٩ - الدارقطني ١/ ٣١٢.
(٢) صحيح الجامع ١٥١٠ - مسلم ١/ ٥٣ - أبو داود ٢٣ - النسائي ٢١.
وأخرج البخاري في صحيحه عن أنس أنه سئل عن قراءة رسول الله - ﷺ - فقال كانت قراءته مداً ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم، وأخرج أحمد في المسند وأبو داود في السنن وابن خزيمة في صحيحه والحاكم في مستدركه، عن أم سلمة أنها قالت كان رسول الله - ﷺ - يقطع قراءته بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين (٢)، وقال الدارقطني إسناده صحيح.
وبهذا قال من الصحابة أبو هريرة وابن عباس وابن عمر وابن الزبير، ومن التابعين فمن بعدهم سعيد بن جبير وأبو قلابة والزهري وعكرمة وعطاء وطاوس ومجاهد وعلي بن الحسين وسالم بن عبد الله ومحمد بن كعب القرظي وابن سيرين وابن المنكدر ونافع مولى ابن عمر وزيد بن أسلم ومكحول وغيرهم، وإليه ذهب الشافعي.
واحتج من قال إنه لا يجهر بالبسملة في الصلاة بما في صحيح مسلم عن عائشة قالت: كان رسول الله - ﷺ - يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين، وفي الصحيحين عن أنس قال صليت خلف النبي - ﷺ - وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، ولمسلم: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها (٣)، وأخرج أهل السنن نحوه عن عبد الله بن مغفل، وإلى هذا ذهب الخلفاء الأربعة وجماعة من الصحابة
_________
(١) الحاكم ١/ ٢٠٨.
(٢) ضعيف الجامع/٤٨٧٦.
(٣) مسلم/٣٩٩ - البخاري/٤٥٣.
وأحاديث الترك وإن كانت أصح. ولكن الإثبات أرجح مع كونه خارجاً من مخرج صحيح فالأخذ به أوفى ولا سيما مع إمكان تأويل الترك، وهذا يقتضي الإثبات الذاتي أعني كونها قرآناً، والوصفي أعني الجهر بها عند الجهر بقراءة ما يفتتح بها من السور في الصلاة.
والحاصل أن البسملة آية من الفاتحة ومن غيرها من السور، وحكمها من الجهر والإسرار حكم الفاتحة فيجهر بها مع الفاتحة في الصلاة الجهرية، ويسر بها مع الفاتحة في الصلاة السرية، وبهذا يحصل الجمع بين الروايات.
ولتنقيح البحث والكلام على أطرافه استدلالاً ورداً وتعقباً ودفعاً، ورواية ودراية موضع غير هذا، وقد استوفاه الشوكاني في شرحه للمنتقى، وله جواب عن سؤال نظماً ونثراً.
ومتعلق الباء محذوف وهو اقرأ أو اتلو، وتقديم المعمول للاعتناء به والقصد إلا التخصيص، ويظهر رجحان تقدير الفعل متأخراً في مثل هذا المقام ولا يعارضه قوله تعالى (اقرأ باسم ربك) لأن المقام مقام القراءة فكان الأمر بها أهم، وأما الخلاف بين أئمة النحو في كون المقدر اسماً أو فعلاً فلا يتعلق بذلك كثير فائدة، والباء للاستعانة أو للمصاحبة تبركاً، ورجح الثاني الزمخشري، والإسم هو اللفظ الدال على المسمَّى، ومن زعم أن الإسم هو المسمى كما قاله أبو عبيدة وسيبويه والباقلاني وابن الفورك " وحكاه الرازي عن الحشوية والكرامية والأشعرية، فقد غلط غلطاً بيناً، وجاء بما لا يعقل مع عدم ورود ما يوجب المخالفة للعقل لا من الكتاب ولا من السنة ولا من لغة العرب، بل العلم الضروري حاصل بأن الإسم الذي هو أصوات منقطعة وحروف مؤلفة غير المسمى الذي هو مدلوله، والبحث مبسوط في علم الكلام.
(الله) علم عربي مرتجل جامد عند الأكثر، خاص لذات الواجب الوجود تفرد به الباري سبحانه لِم يطلق على غيره، ولا يشركه فيه أحد، وعند الزمخشري اسم جنس صار علماً بالغلبة، والأول هو الصحيح، ولم يقل بالله للفرق بين اليمين والتيمن، أو لتحقيق ما هو المقصود بالاستعانة ههنا فإنها تكون تارة بذاته تعالى وتارة باسمه عز وعلا، فوجب تعيين المراد بذكر الإسم وعند المحققين أنه اسم الله الأعظم، وقد ذكره الله تعالى في ألفين وثلثمائة وستين موضعاً من القرآن.
(الرحمن) من الصفات الغالبة لم يستعمل في غير الله عز وجل، وقال أبو علي الفارسي الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالى (الرحيم) إنما هو في جهة المؤمنين قال تعالى (وكان بالمؤمنين رحيماً) وعن ابن عباس قال هما إسمان أحدهما أرق من الآخر، وقيل معناهما ذو الرحمة جمع بينهما للتأكيد وقيل غير ذلك، والأول أولى، وفي الرحمن من المبالغة ما ليس في الرحيم.
والرحمة إرادة الخير والإحسان لأهله، وقيل ترك عقوبة من يستحق العقاب: وإسداء الخير والإحسان إلى من لا يستحق، فهو على الأول صفة ذات وعلى الثاني صفة فعل، وأسماء الله تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادىء التي هي انفعالات، وإفراد الوصفين الشريفين بالذكر لتحريك سلسلة الرحمة، وهل الرحمن مصروف أو لا، فيه قولان، مال التفتازاني إلى جواز الأمرين، وقد ورد في فضلها أحاديث ينبغي البحث عن أسانيدها والكلام
_________
(١) صحيح الجامع/٢١٦٣. وفي رواية مسلم إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً.
مسلم/٢٦٧٧ البخاري ٢٠٩٨.
وقد جاء في الحديث " اللهم لك الحمد كله " (١) قال ابن جرير الحمد ثناء أثنى به على نفسه، وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه فكأنه قال قولوا الحمد لله، ثم رجح اتحاد الحمد والشكر مستدلاً على ذلك بما حاصله أن جميع أهل المعرفة بلسان العرب يوقعون كلاً من الحمد والشكر مكان الآخر، قال ابن كثير وفيه نظر لأنه اشتهر عند كثير من العلماء المتأخرين أن الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية، والشكر لا يكون إلا على المتعدية، ويكون بالجنان واللسان والأركان، انتهى.
ولا يخفى أن المرجع في مثل هذا إلى معنى الحمد في لغة العرب لا إلى ما قاله جماعة من العلماء المتأخرين فإن ذلك لا يرد على ابن جرير ولا تقوم به الحجة هذا إذا لم يثبت للحمد حقيقة شرعية فإن ثبتت وجب تقديمها.
روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال: الحمد لله كلمة الشكر،
_________
(١) ورد أحاديث كثيرة فيها هذا اللفظ ومنها ما أخرجه مسلم ٧٦٩ - ٤٧٦.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والخطابى في الغريب والبيهقي في الأدب والديلمي في مسند الفردوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " الحمد رأس الشكر، ما شكر الله عبد لا يحمده " (٢) وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن النواس بن سمعان قال: " سرقت ناقة رسول الله - ﷺ - فقال: لئن ردها الله عليّ لأشكرن ربي فرجعت، فلما رآها قال الحمد لله فانتظروا هل يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صوم أو صلاة فظنوا أنه نسي، فقالوا يا رسول الله كنت قد قلت لئن ردها الله عليّ لأشكرن ربي؛ قال ألم أقل الحمد لله ".
وقد ورد في فضل الحمد أحاديث: منها ما أخرجه أحمد والنسائي والحاكم وصححه البخاري في الأدب المفرد عن الأسود بن سريع قال: قلت يا رسول الله ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي تبارك وتعالى؟ فقال أما إن ربك يحب الحمد (٣).
وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة وابن حبان والبيهقي عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: (أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله) (٤).
_________
(١) وفي الحديث الطويل لمسلم ٣٩٥/قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي.... قال الله حمدني عبدي.
(٢) الدارقطني ١٠/ ٣١١.
(٣) ضعيف الجامع/٢٧٨٩.
(٤) صحيح الجامع ١/ ١١١٥ - الأحاديث الصحيحة/١٤٩٧. ابن حبان/٢٣٢٦.
وأخرج أهل السنن وابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع " (٢) وأخرج مسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها " (٣).
وإيثار الرفع على النصب الذي هو الأصل للإيذان بأن ثبوت الحمد له تعالى لذاته لا لإثبات مثبت؛ وأن ذلك أمر دائم مستمر لا حادث متجدد كما تفيده قراءة النصب.
(رب العالمين) قال في الصحاح الرب اسم من أسماء الله تعالى ولا يقال في غيره إلا بالإضافة وقد قالوه في الجاهلية للملك وقال الزمخشري " الرب " المالك كما يقال رب الدار ورب الشيء أي مالكه قال القرطبي والرب السيد ومنه قوله تعالى: (اذكرني عند ربك) وفي الحديث " أن تلد الأمة ربتها " (٤) والرب المصلح والمدبر والمربي والجابر والقائم قال والرب المعبود.
والعالمين جمع عالم لا واحد له من لفظه، وهو اسم لما يعلم به غلب فيما يعلم
_________
(١) صحيح الجامع/٣٨٥٢.
(٢) ضعيف الجامع/٤٢٢١.
(٣) صحيح الجامع/١٨١٢ - الأحاديث الصحيحة/١٦٥١. مسلم ٨/ ٨٧ الترمذي ١/ ٣٣٤ أحمد ٣/ ١٠٠.
(٤) مسلم ٨/من الحديث الجامع عن عمر بن الخطاب بينا نحن جلوس عند رسول الله | وانظر الأربعين نووية الحديث الأول. |
يارب لا تسلبني حبها أبدا | ويرحم الله عبداً قال آمينا |
تباعد عني فطحل إذ سألته | آمين فزاد الله ما بيننا بعدا |
وهو مبني على الفتح مثل أين وكيف لاجتماع الساكنين ويقال منه أمن فلان تأميناً وهذه الكلمة لم تكن قبلنا إلا لموسى وهارون، كذا ذكر الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أنس بن مالك مرفوعاً، وقيل بل هي خاصة بهذه الأمة لما روي عن النبي - ﷺ - " ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين (١) " أخرجه ابن ماجة، وفي الباب أحاديث.
وقد اختلف أهل العلم في الجهر بها وفي أن الإمام يقولها أم لا. وذلك مبين في مواطنه، وكذلك اختلفوا في وجوب قراءة الفاتحة فذهب جمهور العلماء منهم مالك والشافعي وأحمد إلى وجوبها وإنها متعينة في الصلاة لا تجزيء إلا بها لقوله - ﷺ - " لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب (٢) " أخرجه الشيخان عن عبادة بن الصامت، وذهب أبو حنيفة إلى أنها لا تتعين على المصلي بل الواجب عليه قراءة آية من القرآن طويلة أو ثلاث آيات قصار لقوله تعالى (فاقرؤا ما
_________
(١) صحيح الجامع ٥٤٨٩.
(٢) صحيح الجامع/٧٣٨٨.
هذا وقد اتفق أهل العلم على أن أعظم المقصود من تنزيل الكتاب العزيز هو إخلاص التوحيد لله عز وجل، وقطع علائق الشرك كائنة ما كانت وذلك لا يحتاج إلى أن تنقل فيه أقوال الرجال، أو يستدل عليه بالأدلة، فإنه الأمر الذي بعث الله لأجله رسله، وأنزل فيه كتبه، وفي هذا الإجمال ما يغني عن التفصيل، ومن شك في هذا فعليه بالتفكر بالقرآن الكريم فإنه سيجده من أعظم مقاصده وأكبر موارده، فإن عجز عن ذلك فلينظر في سورة من سوره.
فإن قلت: أريد منك مثالاً أقتدي به وأمشي على طريقته وأهتدي إلى التفكر الذي أرشدتني إليه بتقديم النظر فيه فنقول: ها نحن نقرب لك المسافة ونسهل عليك ما استصعبته هذه فاتحة الكتاب العزيز التي يكررها كل مصلٍ في كل صلاة ويفتتح بها التالي لكتاب الله والمتعلم له فإن فيها الإرشاد إلى إخلاص التوحيد في ثلاثين موضعاً.
الأول: قوله تعالى (بسم الله الرحمن الرحيم) فإن علماء المعاني والبيان ذكروا أنه يقدر المتعلق متأخراً ليفيد اختصاص البداية باسم الله تعالى لا باسم غيره، وفي هذا المعنى ما لا يخفى من إخلاص التوحيد.
الثاني: والثالث: الإسم الشريف أعني لفظ الله عز وجل، فإن مفهومه كما حققه علماء هذا الشأن الواجب الوجود المختص بجميع المحامد، فكان في هذا المفهوم إشارة إلى إخلاص التوحيد أحدهما تفرده بواجب الوجود، وثانيهما
_________
(١) الدارقطني١/ ٣٢١ (صحيح المعنى).
الرابع: تحلية الرحمن باللام فإنها من أدوات الاختصاص سواء كانت موصولة كما هو شأن آلة التعريف إذا دخلت على المشتقات أو لمجرد التعريف كما يكون إذا دخلت على غيرها من الأسماء والصفات، وقد أوضح هذا المعنى أهل البيان بما لا مزيد عليه.
الخامس: اللام الداخلة على قوله الرحيم والكلام فيها كالكلام في الرحمن.
السادس: اللام الداخلة على قوله (الحمد لله) فإنها تفيد أن كل حمد له لا يشاركه فيه غيره، وفي هذا أعظم دلالة على إخلاص توحيده.
السابع: لام الاختصاص الداخلة على الإسم الشريف، وقد تقرر أن الحمد هو الثناء باللسان على الجميل الإختياري لقصد التعظيم فلا ثناء إلا عليه، ولا جميل إلا منه، ولا تعظيم إلا له، وفي هذا من أدلة إخلاص التوحيد ما لا يقادر قدره.
الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر قوله (رب العالمين) فإن لفظ الرب باعتبار معناه اللغوي مشعر أتم إشعار باخلاص توحيده هذا باعتبار معناه الإفرادي دون الإضافي، ثم في معناه الإضافي دلالة أخرى: فإن كونه رب العالمين يدل على ذلك أبلغ دلالة: ثم في لفظ العالمين معنى ثالث لما تقرر لغة وشرعاً أن العالم هو اسم لما عدا الله عز وجل؛ فيدخل في هذا كل شيء غير الله سبحانه فلا رب غيره؛ وكل ما عداه فهو مربوب؛ وصيغ الحصر إذا تتبعتها من كتب المعاني والبيان والتفسير والأصول بلغت ثلاث عشرة صيغة فصاعداً، ومن شك في هذا فليتبع كشاف الزمخشري فإنه سيجد فيه ما ليس له ذكر في كتب المعاني والبيان كالقلب فإنه جعله من مقتضيات الحصر، ولعله ذكر ذلك عند تفسيره للطاغوت وغير ذلك مما لا يقتضي المقام بسطه، ومع الإحاطة بصيغ الحصر المذكورة تكثر الأدلة الدالة على إخلاص التوحيد وإبطال
ثم في تعريفه باللام معنى رابع كمثل ما قدمنا فإنها تفيد زيادة الإختصاص وتقرر ذلك المفهوم في هذا الموضع، ثم في صيغة الجمع معنى خامس بزيادة تأكيد وتقرير، فإن العالم إن كان اسماً لما عدا الله لم يكن جمعه إلا لمثل هذا المعنى، وعلى فرض انهدامه باللام فهو لا يقتضي ذهاب هذا المعنى المستفاد من أصل الجمع.
الثالث عشر والرابع عشر قوله (الرحمن الرحيم) وتقرير الكلام فيهما كما سلف.
الخامس عشر والسادس عشر: قوله (مالك يوم الدين) فإن لفظ مالك معناه الإفرادي من غير نظر إلى معناه الإضافي يفيد استحقاقه بإخلاص توحيده، ثم في معناه الإضافي إلى يوم الدين معنى ثان، فإن من كان له الملك في مثل هذا اليوم الذي هو يوم الجزاء لكل العباد وفيه لمجتمع العالم أولهم وآخرهم، سابقهم ولاحقهم، جنهم وإنسهم، وملائكتهم، فيه إشارة إلى استحقاقه إخلاص توحيده.
السابع عشر: ما يستفاد من نفس لفظ الدين من غير نظر إلى كونه مضافاً إليه.
الثامن عشر: ما يستفاد من تعريفه، فإن في ذلك زيادة إحاطة وشمول فإن ذلك الملك إذا كان في يوم هو يوم الدين الذي يشتمل على كل دين كان من له هذا الملك حقيقاً بأن يخلص العباد توحيده ويفردونه بالعبادة كما تفرد بملك يوم له هذا الشأن.
فإن قلت إن هذين المعنيين في لفظ (الدين) باعتبار أصله وباعتبار تعريفه قد أخذا في المعنى الإضافي حسبما ذكرته سابقاً. قلت لا تزاحم بين المقتضيات ولا يستنكر النظر إلى الشيء باعتبار معناه الإفرادي تارة وباعتبار معناه الإضافي أخرى، وليس ذلك بممنوع ولا محجور عند من يعرف العلم الذي تستفاد منه دقائق العربية وأسرارها وهم أهل علم المعاني والبيان.
الثاني والعشرون والثالث والعشرون والرابع والعشرون: قوله (وإياك نستعين) فإن تقديم الضمير معمولاً لهذا الفعل له معنى، ثم مادة هذا الفعل لها معنى آخر فإن من كان لا يستعان بغيره لا ينبغي أن يكون له شريك، بل يجب إفراده بالعبادة وإخلاص توحيده إذ وجود من لا يستعان به كعدمه. وتقرير الكلام في الثلاث الدلالات كتقريره في إياك نعبد فلا نعيده. الخامس والعشرون والسادس والعشرون والسابع والعشرون: قوله: (اهدنا الصراط المستقيم) فإن طلب الهداية منه وحده باعتبار كون هذا الفعل واقعاً بعد الفعلين اللذين تقدم معمولهما فكان له حكمهما وإن كان قد تغير أسلوب الكلام في الجملة، حيث لم يقل نستهدي أو نطلب الهداية حتى يصح أن يكون ذلك الضمير المتقدم المنصوب معمولاً له تقديراً، لكن مع بقاء المخاطبة وعدم الخروج عما يقتضيه لم يقطع النظر عن ذلك الضمير الواقع على تلك الصورة لتوسطه بين هذا الفعل؛ أعني اهدنا وبين من أسند اليه، ثم في ضمير الجماعة معنى يشير إلى استحقاقه سبحانه إخلاص التوحيد على الوجه الذي قدمناه في الفعلين السابقين. ثم في كون هذه الهداية هي هداية الصراط المستقيم التي هي الهداية بالحقيقة، ولا اعتبار بهداية إلى صراط لا استقامة فيه معنى ثالث يشير إلى ذلك المدلول.
التاسع والعشرون: قوله (غير المغضوب عليهم) ووجه ذلك أن الوصول إلى النعم قد يكون منغصاً مكدراً بشيء من غضب المنعم سبحانه، فإذا صفا ذلك عن هذا الكدر وانضم إلى الظفر بالنعم الظفر بما هو أحسن منها موقعاً عند العارفين، وأعظم قدراً في صدور المتقين، وهو رضا رب العالمين، كان في ذلك من البهجة والسرور ما لا يمكن التعبير عنه، ولا الوقوف على حقيقته ولا تصور معناه. وإذا كان المولى لهذه النعمة والمتفضل بها هو الله تعالى ولا يقدر على ذلك غيره ولا يتمكن منه سواه، فهو المستحق لإخلاص توحيده وإفراده بالعبادة.
الموفى ثلاثين: قوله (ولا الضآلين) ووجهه أن الوصول إلى النعم مع الرضا قد يكون مشوباً بشيء من الغواية، مكدراً بنوع من أنواع المخالفة وعدم الهداية، وهذا باعتبار أصل الوصول إلى نعمة من النعم مع رضا المنعم بها فإنه لا يستلزم سلب كون المنعم عليه على ضلالة لا باعتبار هذه النعمة الخاصة من هذا المنعم عز وجل.
ولما كان الأمر في الأصل هكذا كان في وصول النعم إلى المنعم عليه من المنعم بها مع كونه راضياً عليه غير غاضب عنه، إذا كان ذلك الوصول مصحوباً بكون صاحبه على ضلالة في نفسه قصور عن وصولها إلى من كان
فهذه ثلاثون دليلاً مستفادة من سورة الفاتحة باعتبار ما يستفاد من تراكيبها العربية مع ملاحظة ما يفيده ما اشتملت عليه من تلك الدقائق والأسرار التي هي راجعة إلى العلوم الآلية، وداخلة فيما تقتضيه تلك الألفاظ بحسب المادة والهيئة والصورة مع قطع النظر عن التفسير بمعنى خاص قاله بعض السلف، أو وقف عنده من بعدهم من الخلف.
فإن قلت (١) هذه الأدلة التي استخرجتها من هذه السورة المباركة وبلغت بها إلى هذا العدد وجعلتها ثلاثين دليلاً على مدلول واحد، لم نجد لك فيها سلفاً ولا سبقك بها غيرك.
قلت: هذي شكاة ظاهر عنك عارها، واعتراض غير واقع موقعه، ولا مصادف محزه، فإن القرآن عربي، وهذا الاستخراج لما ذكرناه من الأدلة هو على مقتضى اللغة العربية، وبحسب ما تقتضيه علومها التي دونها الثقات، ورواها العدول الإثبات، وليس هذا من التفسير بالرأي الذي ورد النهي عنه، والزجر لفاعله، بل من الفهم الذي يعطاه الرجل في كتاب الله كما أشار إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه في كلامه المشهور، وما كان من هذا القبيل فلا يحتاج فيه إلى سلف، وكفى بلغة العرب وعلومها المدونة بين ظهراني الناس وعلى ظهر البسيطة سلفاً.
وبالجملة فهذه ثلاثون موضعاً في فاتحة الكتاب يفيد كل واحد منها إخلاص التوحيد مع أن فاتحة الكتاب ليست الا سبع آيات، فما ظنك بما في سائر الكتاب العزيز، فذكرنا لهذه المواضع في فاتحة الكتاب كالبرهان على ما ذكرناه من أن في الكتاب العزيز من ذلك ما يطول تعداده وتتعسر الإحاطة به.
_________
(١) المقصود القارىء.
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة البقرةقال القرطبي مدنية نزلت في مدد شتى، وقيل هي أول سورة نزلت بالمدينة الا قوله تعالى: (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله) فإنها آخر آية نزلت من السماء. ونزلت يوم النحر في يوم حجة الوداع بمنى، قاله ابن عباس: وآيات الربا أيضاً من أواخر ما نزل من القرآن؛ وقد ورد في فضلها أحاديث وآثار كثيرة في الصحاح والسنن وغيرها؛ ومن فضائلها ما هو خاص بآية الكرسي وما هو خاص بخواتيم هذه السورة: وما هو في فضلها وفضل آل عمران: وما هو في فضل السبع الطوال، وليطلب ذلك من مواطنه.
وهي مائتان وست وقيل وسبع وثمانون آية. قال ابن العربي فيها ألف أمر. وألف نهي، وألف حكم، وألف خبر، أخذها بركة؛ وتركها حسرة لا تستطيعها البطلة، وهم السحرة.
سورة الفاتحة
سورةُ (الفاتحةِ) أعظمُ سورةٍ في القرآن الكريم، خصَّ الله بها نبيَّه ﷺ من دون الأنبياء، فلم يُؤتَها أحدٌ قبلَه، وهي من أوائل السُّور التي نزلت في مكَّةَ المكرَّمة، وهي (القرآنُ العظيمُ) الذي أُوتيَهُ النبيُّ ﷺ، بها افتُتح الكتاب؛ ولهذا سُمِّيت بـ(الفاتحةِ)، وقد حُقَّ لها أن تكونَ فاتحةً لهذا الكتاب العظيم؛ فقد اشتملت على مقاصدِ الدِّين، وعلى كلِّ أنواع التوحيد (الرُّبوبية، والألوهية، والأسماء والصفات)؛ فجاءت أُمًّا للكتاب، وأصلًا له، وجامعةً لمقاصدِه. ولعظيمِ شأنها، وعظيم ما اشتملت عليه؛ فإنه يُفترض على كُلِّ مسلمٍ أن يقرَأَها كُلَّ يومٍ (17) مرةً في الصلوات المفروضات؛ فلا تصحُّ صلاةُ عبدٍ إلا بها، وكان ﷺ يقطِّعُها آيةً آية؛ وهذا أدعى للتدبُّر.
ترتيبها المصحفي
1نوعها
مكيةألفاظها
29ترتيب نزولها
5العد المدني الأول
7العد المدني الأخير
7العد البصري
7العد الكوفي
7العد الشامي
7أُطلِقَ على هذه السُّورةِ الكريمة أسماءٌ كثيرة؛ منها:
* (الفاتحةُ)، أو (فاتحة الكتاب):
دلَّ على ذلك حديثُ ابن عباس رضي الله عنهما: أن جِبْريلَ قال للنبي ﷺ: «أبشِرْ بنُورَينِ أُوتِيتَهما، لم يُؤتَهما نبيٌّ قبلك: فاتحةِ الكتابِ، وخواتيمِ سورةِ البقرةِ، لن تَقرأ بحرفٍ منهما إلَّا أُعطِيتَه». أخرجه مسلم (806).
* (أمُّ الكتاب)، أو (أمُّ القرآن):
عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه: «{اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}: أمُّ القرآنِ، وأمُّ الكتابِ، والسَّبْعُ المَثَاني». أخرجه أبو داود (١٤٥٧).
* (السَّبْعُ المَثَاني):
دلَّ على ذلك حديثُ النبي ﷺ، قالَ: «{اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}: هي السَّبْعُ المَثَاني والقُرْآنُ العظيمُ الذي أُوتِيتُهُ». أخرجه البخاري (٤٤٧٤).
* سورة (الصَّلاة):
فعن رسولِ الله ﷺ أنه قال: «قال اللهُ تعالى: قسَمْتُ الصلاةَ بَيْني وبين عبدي نِصْفَينِ، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبدُ: {اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}، قال اللهُ تعالى: حَمِدَني عبدي، وإذا قال: {اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ}، قال اللهُ تعالى: أثنَى عليَّ عبدي، وإذا قال: {مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ}، قال: مجَّدني عبدي، (وقال مرَّةً: فوَّض إليَّ عبدي)، فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اْهْدِنَا اْلصِّرَٰطَ اْلْمُسْتَقِيمَ ٦ صِرَٰطَ اْلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ اْلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا اْلضَّآلِّينَ} [الفاتحة: 6-7]، قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سألَ». أخرجه مسلم (395).
* سورة (الرُّقْية):
دلَّ عليه حديثُ النبي ﷺ أنه قال: «وما أدراكَ أنَّها رُقْيَةٌ؟! خُذوها، واضرِبوا لي بسَهْمٍ». أخرجه البخاري (5736).
وثمَّةَ أسماءٌ أخرى، أوصلها السيوطيُّ إلى (25) اسمًا. ينظر: "الإتقان في علوم القرآن" (1 /52، 53).
* أفضَلُ سورةٍ في القرآن الكريم:
فعن أبي سعيدِ بن المعلَّى رضي الله عنه، قال: «كنتُ أُصلِّي في المسجدِ، فدعاني رسولُ اللهِ ﷺ، فلم أُجِبْهُ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي كنتُ أُصلِّي، فقال: «ألَمْ يقُلِ اللهُ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْۖ} [الأنفال: 24]»، ثم قال لي: «لأُعلِّمَنَّك سورةً هي أعظَمُ السُّوَرِ في القرآنِ قبل أن تخرُجَ مِن المسجدِ»، ثم أخَذ بيدي، فلمَّا أراد أن يخرُجَ، قلتُ له: ألَمْ تقُلْ: لأُعلِّمَنَّك سورةً هي أعظَمُ سورةٍ في القرآنِ؟! قال: «{اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}؛ هي السَّبْعُ المَثَاني والقرآنُ العظيمُ الذي أُوتيتُه»». أخرجه البخاري (٤٤٧٤).
* خُصَّ بها النبيُّ ﷺ دون غيرِه من الأنبياء:
لِما رواه ابنُ عبَّاس رضي الله عنهما، قال: «بينما جِبْريلُ قاعدٌ عند النبيِّ ﷺ، سَمِع نَقِيضًا مِن فوقِه، فرفَع رأسَه، فقال: هذا بابٌ مِن السماءِ فُتِح اليومَ، لم يُفتَحْ قطُّ إلا اليومَ، فنزَل منه ملَكٌ، فقال: هذا ملَكٌ نزَل إلى الأرضِ، لم يَنزِلْ قطُّ إلا اليومَ، فسلَّم، وقال: أبشِرْ بنُورَينِ أُوتيتَهما، لم يؤتَهما نبيٌّ قبلك: فاتحةِ الكتابِ، وخواتيمِ سورةِ البقرةِ، لن تقرأَ بحرفٍ منهما إلا أُعطيتَهُ». أخرجه مسلم (806).
* لا تصحُّ الصلاةُ إلا بها:
لِما جاء عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «مَن صلَّى صلاةً لم يَقرأْ فيها بأُمِّ القرآنِ، فهي خِدَاجٌ - ثلاثًا - غيرُ تمامٍ»، فقيل لأبي هُرَيرةَ: إنَّا نكونُ وراءَ الإمامِ؟ فقال: اقرَأْ بها في نفسِك؛ فإنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: «قال اللهُ تعالى: قسَمْتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نِصْفَينِ، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبدُ: {اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}، قال اللهُ تعالى: حَمِدني عبدي، وإذا قال: {اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ}، قال اللهُ تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: {مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ}، قال: مجَّدني عبدي، (وقال مرَّةً: فوَّض إليَّ عبدي)، فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اْهْدِنَا اْلصِّرَٰطَ اْلْمُسْتَقِيمَ ٦ صِرَٰطَ اْلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ اْلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا اْلضَّآلِّينَ}، قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل». أخرجه مسلم (395).
* مِن أعظَمِ ما يَرقِي به المؤمنُ نفسَه سورةُ (الفاتحة):
فعن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ: «أنَّ ناسًا مِن أصحابِ النبيِّ ﷺ أتَوْا على حيٍّ مِن أحياءِ العرَبِ، فلم يَقْرُوهم، فبينما هم كذلك، إذ لُدِغَ سيِّدُ أولئك، فقالوا: هل معكم مِن دواءٍ أو راقٍ؟ فقالوا: إنَّكم لم تَقْرُونا، ولا نفعلُ حتى تَجعَلوا لنا جُعْلًا! فجعَلوا لهم قطيعًا مِن الشَّاءِ، فجعَلَ يقرأُ بـ(أمِّ القرآنِ)، ويَجمَعُ بُزاقَهُ ويتفُلُ، فبرَأَ، فأتَوْا بالشَّاءِ، فقالوا: لا نأخذُه حتى نسألَ النبيَّ ﷺ، فسألوه، فضَحِكَ، وقال: «وما أدراك أنَّها رُقْيةٌ؟! خُذوها، واضرِبوا لي بسَهْمٍ»». أخرجه البخاري (5736).
* تعلَّقتْ هذه السُّورةُ بشكلٍ يومي بقراءة النبيِّ ﷺ في صلواته:
فقد كان يقطِّعُ آياتِها آيةً آية؛ كما وصَفتْ لنا أمُّ سلمةَ رضي الله عنها قراءةَ النبي ﷺ، فقالت: «قراءةُ رسولِ اللَّهِ ﷺ: {بِسْمِ اْللَّهِ اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ ١ اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ ٢ اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ ٣ مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ}؛ يقطِّعُ قراءتَهُ آيةً آيةً». أخرجه أبو داود (٤٠٠١).
اشتمَلتْ هذه السُّورةُ على عدَّةِ موضوعات هي أصولٌ عظيمة للقرآن الكريم، ملخِّصةٌ لِما فيه؛ بيانها كما يلي:
أولًا: الألوهيَّة.
ثانيًا: اليوم الآخر.
ثالثًا: توحيد العبادة، والاستعانةِ بالله وحدَه (توحيد الرُّبوبية).
رابعًا: الهداية إلى الصراط المستقيم، والالتزام به، وبيان هذا الصراط.
وفي ذلك يقول السعديُّ - رحمه الله -: «فقد تضمَّنتْ - أي الفاتحةُ - أنواعَ التَّوحيد الثَّلاثة:
توحيد الرُّبوبية؛ يؤخذ من قوله: {رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ}.
وتوحيد الألوهيَّة: وهو إفرادُ الله بالعبادة؛ يؤخذ من لفظ: {اْللَّهِ}، ومِن قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}.
وتوحيد الأسماء والصفات: وهو إثباتُ صفات الكمال لله تعالى، التي أثبَتها لنفسه، وأثبتها له رسولُه ﷺ؛ مِن غير تعطيلٍ، ولا تمثيل، ولا تشبيه؛ وقد دل على ذلك: لفظُ: {اْلْحَمْدُ}.
وإثباتَ الجزاء على الأعمال في قوله: {مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ}، وأنَّ الجزاءَ يكون بالعدل.
وتضمَّنتْ إخلاصَ الدِّين لله تعالى - عبادةً واستعانة - في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
وتضمَّنتْ إثباتَ النُّبوة في قوله: {اْهْدِنَا اْلصِّرَٰطَ اْلْمُسْتَقِيمَ}؛ لأن ذلك ممتنِعٌ بدون الرسالة.
وتضمَّنتْ إثباتَ القَدَر، وأن العبد فاعلٌ حقيقةً.
وتضمَّنتِ الردَّ على جميع أهل البِدَع والضَّلال في قوله: {اْهْدِنَا اْلصِّرَٰطَ اْلْمُسْتَقِيمَ}؛ لأنه معرفةُ الحقِّ، والعملُ به، وكلُّ مبتدِع وضالٍّ فهو مخالِف لذلك». "تيسير الكريم الرَّحمن" للسعدي (ص17).
بسببِ ما لهذه السورةِ من فضائلَ عظيمة، جاءت مقاصدُها جامعةً لأمور الدِّين كلِّه؛ فكانت مقاصدُها على النحو الآتي:
أولًا: الثناء على الله ثناءً جامعًا لوصفِه بجميع المحامد، وتنزيهِه عن جميع النقائص؛ وهذا يدلُّ على توحيد الألوهية، ويدل على تفرُّده بالإلهية، وإثباتِ البعث والجزاء؛ وذلك من قوله: {اْلْحَمْدُ لِلَّهِ} إلى قوله: {مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ}.
ثانيًا: الأوامرُ والنَّواهي؛ من قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}؛ وفي هذا توحيدُ الرُّبوبية والعبادة.
ثالثًا: الوعدُ والوعيد؛ من قوله: {صِرَٰطَ اْلَّذِينَ} إلى آخرها.
فهذه هي أنواعُ مقاصدِ القرآن كلِّه، وغيرُها تكملاتٌ لها؛ لأن القصدَ من القرآن إبلاغُ مقاصدِه الأصلية؛ وهي: صلاحُ الدارَينِ؛ وذلك يحصُلُ بالأوامر والنَّواهي.
ولمَّا توقَّفتِ الأوامرُ والنَّواهي على معرفة الآمِرِ، وأنه اللهُ الواجبُ وجودُه خالقُ الخَلق: لَزِم تحقيقُ معنى الصفات.
ولمَّا توقَّف تمامُ الامتثال على الرجاءِ في الثواب، والخوف من العقاب: لَزِم تحقُّقُ الوعد والوعيد.
ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (1 /133).