تفسير سورة الجن

الوجيز للواحدي

تفسير سورة سورة الجن من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بـالوجيز للواحدي.
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ
مكية وهي عشرون وثمان آيات

﴿قل أوحي إليَّ﴾ أَيْ: أُخبرت بالوحي من الله إليَّ ﴿أنَّه استمع نفرٌ من الجن﴾ وذلك أنَّ الله تعالى بعث نفراً من الجنِّ ليَستمعوا قراءة النبي ﷺ وهو يُصلِّي الصُّبح ببطن نخلة وهؤلاء الذين ذكرهم الله في سورة الأحقاف في قوله: ﴿وإذ صرفنا إليك﴾ الآية فلما رجعوا إلى قومهم قالوا: ﴿إنا سمعنا قرآناً عجباً﴾ في فصاحته وبيانه وصدق إخباره
﴿يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا﴾
﴿وأنَّه تعالى جدُّ ربنا﴾ أي: جلاله وعظمته عن أن يتخذ ولدا أوصاحبة
﴿وأنَّه كان يقول سفيهنا﴾ جاهلنا ﴿على الله شططاً﴾ غلوَّاً في الكذب حتى يصفه بالوالد والصاحبة
﴿وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباً﴾ أي: كنَّا نظنُّهم صادقين في أنَّ لله صاحبةً وولداً حتى سمعنا القرآن وكنَّا نظنُّ أنَّ أحداً لا يكذب على الله انقطع ها هنا قول الجن قال الله تعالى:
﴿وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن﴾ وذلك أنَّ الرَّجل في الجاهليَّة كان إذا سافر فأمسى في الأرض الفقر قال: أعوذ بسيِّد هذا الوادي من شرِّ سفهاء قومه أَي: الجنِّ يقول الله: ﴿فزادوهم رهقاً﴾ أَيْ: فزادهم بهذا التَّعوُّذ طغياناً وذلك أنَّهم قالوا: سُدْنا الجنَّ والإِنس
﴿وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداً﴾ يقول: ظنَّ الجنُّ كما ظننتم أيُّها الإِنس أن لا بعث يوم القيامة وقالت الجنُّ:
﴿وأنا لمسنا السماء﴾ أَي: رُمْنَا استراق السَّمع فيها ﴿فوجدناها ملئت حرساً شديداً﴾ من الملائكة ﴿وشهباً﴾ من النُّجوم يريدون: حُرست بالنُّجوم من استماعنا
﴿وأنا كنَّا﴾ قبل ذلك ﴿نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً﴾ أي: كواكب حفظةً تمنع من الاستماع
﴿وأنَّا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض﴾ بحدوث رجم الكواكب ﴿أم أراد بهم ربهم رشداً﴾ أَيْ: خيراً
﴿وأنا منا الصالحون﴾ بعد استماع القرآن أَيْ: بررةٌ أتقياءُ ﴿ومنا دون ذلك﴾ دون البررة ﴿كنا طرائق قدداً﴾ أَيْ: أصنافاً مختلفين
﴿وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض﴾ علمنا أن لا نفوته إِنْ أراد بنا أمراً ﴿ولن نعجزه هرباً﴾ إِنْ طلبنا وقوله:
﴿فلا يخاف بَخْساً﴾ أَيْ: نقصاً ﴿ولا رهقاً﴾ أَيْ: ظلماً والمعنى: لا نخاف أن ينقص من حسناته ولا أن يُزاد في سيئاته
﴿وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون﴾ الجائرون عن الحقّ ﴿فمن أسلم فأولئك تحروا رشداً﴾ قصدوا طريق الحقّ قال الله تعالى:
﴿وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا﴾
﴿وألو استقاموا على الطريقة﴾ لو آمنوا جميعاً أَي: الخلق كلُّهم أجمعون الجنُّ والإِنس ﴿لأسقيناهم ماءً غدقاً﴾ لوسَّعنا عليهم في الدُّنيا وضرب المثل بالماء لأنَّ الخير كلَّه والرِّزق بالمطر وهذا كقوله تعالى: ﴿ولو أنَّ أهل القرى آمنوا واتقوا﴾ الآية
﴿لِنَفْتنهم فيه﴾ لنختبرهم فنرى كيف شكرهم ﴿ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه﴾ يدخله ﴿عذاباً صعداً﴾ شاقاً
﴿وأنَّ المساجد لله﴾ يعني: المواضع التي يُصلَّى فيها وقيل: الأعضاء التي يسجد عليها وقيل: يعني: إنَّ السَّجدات لله جمع مسجد بمعنى السُّجود ﴿فلا تدعوا مع الله أحداً﴾ أمرٌ بالتَّوحيد لله تعالى في الصَّلاة
﴿وإنه لما قام عبد الله يدعوه﴾ أي: النَّبيُّ ﷺ لمَّا قام ببطن نخلة يدعوا الله ﴿كادوا يكونون عليه﴾ كاد الجنُّ يتراكبون ويزدحمون حرصاً على ما يسمعون ورغبة فيه وقوله:
﴿قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا﴾
﴿قل إني لا أملك لكم ضرّاً ولا رشدا﴾
﴿ولن أجد من دونه ملتحداً﴾ أَيْ: ملجأً
﴿إلاَّ بلاغاً من الله ورسالاته﴾ لكن أُبلِّغ عن الله ما أُرسلت به ولا أملك الكفر والإِيمان وهو قوله: ﴿لا أملك لكم ضرّاً ولا رشداً﴾ وقوله:
﴿حتى إذا رأوا﴾ أي: الكفَّار ﴿ما يوعدون﴾ من العذاب والنَّار ﴿فسيعلمون﴾ حينئذٍ ﴿مَنْ أضعف ناصراً﴾ أنا أو هم ﴿وأقل عدداً﴾
﴿قل إن أدري﴾ ما أدري ﴿أقريب ما توعدون﴾ من العذاب ﴿أم يجعل له ربي أمداً﴾ أجلاً وغايةً
﴿عالم الغيب﴾ أي: هو عالم الغيب ﴿فلا يظهر﴾ فلا يطع على ما غيبه من العباد ﴿أحداً﴾
﴿إلاَّ من ارتضى﴾ اصطفى ﴿من رسول﴾ فإنَّه يُطلعه على ما يشاء من الغيب معجزةً له ﴿فإنَّه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً﴾ أي: يجعل من جميع جوانبه رصداً من الملائكة يحفظون الوحي من أن يسترقه الشَّياطين فتلقيه إلى الكهنة فيساوون الأنبياء
﴿ليعلم﴾ الله ﴿أن قد أبلغوا رسالات ربهم﴾ أي: ليُبلِّغوا رسالات ربِّهم فإذا بلَّغوا علم الله ذلك فصار كقوله: ﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ﴾ أي: ولمَّا يجاهدوا ﴿وأحاط بما لديهم﴾ علم الله ما عندهم ﴿وأحصى كلَّ شيء عدداً﴾ أي: علم عدد كلِّ شيء فلم يخف عليه شيءٌ
سورة الجن
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الجِنِّ) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الأعراف)، وقد جاءت على ذِكْرِ شرفِ النبي صلى الله عليه وسلم، وتحقُّقِ الكرامة له بعد أن رفَضه أهلُ الأرض وآذَوْهُ، فليَّنَ اللهُ له قلوبَ عالَم الجِنِّ؛ فاستمَعوا لهذا القرآن، وآمنوا به، وبرسالة مُحمَّد صلى الله عليه وسلم؛ لِما لهذا القرآن من عظمة وهداية وبيان واضح، والإنس أدعى أن يؤمنوا بهذا الكتابِ العظيم.

ترتيبها المصحفي
72
نوعها
مكية
ألفاظها
285
ترتيب نزولها
40
العد المدني الأول
28
العد المدني الأخير
28
العد البصري
28
العد الكوفي
28
العد الشامي
28

قوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اْسْتَمَعَ نَفَرٞ مِّنَ اْلْجِنِّ} [الجن: 1]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «انطلَقَ النبيُّ ﷺ في طائفةٍ مِن أصحابِه عامِدِينَ إلى سُوقِ عُكَاظَ، وقد حِيلَ بَيْنَ الشياطينِ وبَيْنَ خَبَرِ السماءِ، وأُرسِلتْ عليهم الشُّهُبُ، فرجَعتِ الشياطينُ إلى قومِهم، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حِيلَ بَيْننا وبَيْنَ خَبَرِ السماءِ، وأُرسِلتْ علينا الشُّهُبُ، قالوا: ما حالَ بَيْنَكم وبَيْنَ خَبَرِ السماءِ إلا شيءٌ حدَثَ، فاضرِبوا مشارقَ الأرضِ ومغاربَها، فانظُروا ما هذا الذي حالَ بَيْنَكم وبَيْنَ خَبَرِ السماءِ، فانصرَفَ أولئك الذين توجَّهوا نحوَ تِهامةَ إلى النبيِّ ﷺ، وهو بنَخْلةَ، عامِدِينَ إلى سُوقِ عُكَاظَ، وهو يُصلِّي بأصحابِه صلاةَ الفجرِ، فلمَّا سَمِعوا القرآنَ استمَعوا له، فقالوا: هذا واللهِ الذي حالَ بَيْنَكم وبَيْنَ خَبَرِ السماءِ، فهنالك حينَ رجَعوا إلى قومِهم، وقالوا: يا قومَنا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبٗا ١ يَهْدِيٓ إِلَى اْلرُّشْدِ فَـَٔامَنَّا بِهِۦۖ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَدٗا} [الجن: 1-2]؛ فأنزَلَ اللهُ على نبيِّه ﷺ: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اْسْتَمَعَ نَفَرٞ مِّنَ اْلْجِنِّ} [الجن: 1]، وإنَّما أُوحِيَ إليه قولُ الجِنِّ». أخرجه البخاري (٧٧٣).

* سورة (الجِنِّ):

سُمِّيت سورة (الجِنِّ) بهذا الاسم؛ لاشتمالها على أحوالهم وأقوالهم، وعلاقتهم بالإنس.

* سورة {قُلْ أُوحِيَ}:

سُمِّيت بذلك؛ لافتتاحها بهذا اللفظِ.

1. الافتتاحية (١-٢).

2. الجِنُّ ورحلة الإيمان (٣-١٥).

3. من صفاتِ الرَّكْبِ، والداعي إليه (١٦-٢٥).

4. الخاتمة (٢٦-٢٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /397).

يقول البِقاعيُّ: «مقصودها: إظهارُ شرفِ هذا النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث لُيِّنَ له قلوبُ الجِنِّ والإنس وغيرِهم، فصار مالكًا لقلوب المُجانِس وغيره؛ وذلك لعظمة هذا القرآنِ، ولُطْفِ ما له من عظيم الشأن.
هذا، والزمانُ في آخره، وزمان لُبْثِه في قومه دون العُشْرِ من زمن قوم نوح عليهما السلام، أولِ نبيٍّ بعثه اللهُ إلى المخالفين، وما آمن معه من قومه إلا قليلٌ.
وعلى ذلك دلَّت تسميتُها بـ(الجِنِّ)، وبـ {قُلْ أُوحِيَ}». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /127).