الفتاوى

كيف أعمل بمقتضى اسم الله تعالى " الأول ".

السؤال

كيف نعمل بمقتضى اسم الله تعالى : "الأول"؟

الإجابة


الحمد لله
"الأول" من أسماء الله الحسنى .
قال تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) الحديد/ 3 .

و"الأول" هو : الذي ليس قبله شيء .
روى مسلم في صحيحه (2713) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَقُولُ: " اللهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى ، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ ، اللهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْء ٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ ) .

والعمل بمقتضى هذا الاسم يكون بمعرفة سبق فضله سبحانه ورحمته، فيحسن العبد الظن بربه ، ويلجأ إليه في كافة أمره ، ويقر بفقره وحاجته إلى ربه ، وغنى ربه ، مع واسع كرمه وفضله ، فيتحقق للعبد فقر اختياري ، وعبودية خاصة ، قال ابن القيم رحمه الله:
" عبوديته باسمه (الأَول) : تقتضى التجرد من مطالعة الأسباب ، والوقوف عليها ، والالتفات إِليها، وتجريد النظر إِلى مجرد سبق فضله ورحمته، وأَنه هو المبتدئ بالإِحسان من غير وسيلة من العبد، إِذ لا وسيلة له فى العدم قبل وجوده ، وأَى وسيلة كانت هناك ، وإِنما هو عدم محض، وقد أَتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً ؟!
فمنه سبحانه الإِعداد ، ومنه الإِمداد ، وفضله سابق على الوسائل ، والوسائل من مجرد فضله وجوده ، لم تكن بوسائل أُخرى .
فمن نزَّل اسمه الأَول على هذا المعنى أَوجب له فقراً خاصاً ، وعبودية خاصة .
وعبوديته باسمه (الآخر) : تقتضي أيضا عدم ركونه ووثوقه بالأسباب ، والوقوف معها ؛ فإنها تنعدم لا محالة وتنقضي بالآخرية ، ويبقى الدائم الباقي بعدها ؛ فالتعلق بها تعلق بعدم وينقضي، والتعلق بالآخر سبحانه تعلق بالحي الذي لا يموت ولا يزول ؛ فالمتعلق به حقيق أن لا يزول ولا ينقطع ، بخلاف التعلق بغيره مما له آخر يفنى به .
كذا نظر العارف إليه بسبق الأولية حيث كان قبل الأسباب كلها ، وكذلك نظره إليه ببقاء الآخرية حيث يبقى بعد الأسباب كلها ؛ فكان الله ولم يكن شيء غيره ، وكل شيء هالك إلا وجهه !!

فتأمل عبودية هذين الاسمين ، وما يوجبانه من صحة الاضطرار إلى الله وحده ، ودوام الفقر إليه دون كل شيء سواه ، وأن الأمر ابتدأ منه ، وإليه يرجع ؛ فهو المبتدىء بالفضل حيث لا سبب ولا وسيلة ، وإليه تنتهي الأسباب والوسائل ؛ فهو أول كل شيء وآخره .
وكما أنه رب كل شيء وفاعله وخالقه وبارئه ، فهو إلهه وغايته التي لا صلاح له ولا فلاح ولا كمال إلا بأن يكون وحده غايته ونهايته ومقصوده .
فهو الأول الذي ابتدأت منه المخلوقات ، والآخر الذي انتهت إليه عبوديتها وإرادتها ومحبتها . فليس وراء الله شيء يقصد ويعبد ويُتأله ، كما أنه ليس قبله شيء يُخلق ويُبرأ .
فكما كان واحدا في إيجادك ، فاجعله واحدا في تألهك إليه ؛ لتصح عبوديتك .
وكما ابتدأ وجودك ، وخلقك منه ؛ فاجعله نهاية حبك وإرادتك ، وتألهك إليه ، لتصح لك عبوديته باسمه ( الأول والآخر ) .
وأكثر الخلق تعبدوا له باسمه الأول ؛ وإنما الشأن في التعبد له باسمه الآخر ؛ فهذه عبودية الرسل وأتباعهم ، فهو رب العالمين ، وإله المرسلين ، سبحانه وبحمده" .
انتهى من " طريق الهجرتين " (ص 19-20) .

ومن أهم ما ينبغي العمل به ، بمقتضى أسمائه الحسنى سبحانه : سؤاله بها ، والتوسل إليه بها ، كما قال تعالى : ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) الأعراف/180 .
وهذا من تمام عبوديته سبحانه ، وتمام الفقر إليه .
والله تعالى أعلم .

decoration
فتاوى مشابهة
decoration
  • أخطط لحفظ القرآن بعد شهر رمضان هذا العام ، ومع هذا لا أدري إن كان هذا القرار صحيحا أم لا ، لأن البعض يتحدث عن عقوبة من يحفظ القرآن ثم ينساه ، ولا أعلم بما تحمله الأيام ، وقد أنسى ما حفظت وأخشى أن تقع علي العقوبة ، هذا هو الأمر الوحيد الذي يحول بيني وبين الحفظ ، فما نصيحتكم ؟
  • topic card icon
    موقع الإسلام سؤال وجواب
    بالنسبة للقرآن الكريم ماذا يفعل المسلم بالقرآن الكريم ؟ هل يحفظه أم يعمل به ؟ أم يفعل كما كان الصحابة رضوان الله عليهم يفعلون بعمل بعشر آيات ويحفظها ويفهمها ثم يكمل هكذا مع باقي القرآن ؟ وإذا كان التدبر ، والعمل بعشر آيات فهمهن هو الأفضل ، وهو ما أعلم أنه الأفضل ؟ وهل هناك كتاب أو مادة للتدبر والعمل تنصحوننا به ؟ وما رأيكم بدورة الأترجة للتفسير ؟ وأيضا ما رأيكم في دورة "أساسيات تدبر القرآن الكريم " للمهندس محمد عبد الرؤوف عاشور ؟ وكذلك كتاب "القرآن تدبر وعمل ؟
  • في كل موضع من القرآن يرد فيه كلمة عن " الحج " أو " مكة " أو " الكعبة " يكون المخاطبون هم الناس ، حتى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان يقول : أيها الناس ! ما السر الذي يربط مكة بالناس ، ففي كل التكاليف والخطابات يكون المخاطبون هم المؤمنون؟
  • ما حكم ترديد الإمام لبعض آيات الرحمة أو العذاب ؟
  • topic card icon
    المكتب العلمي بموقع الإسلام اليوم
    قال تعالى: {فلبث فيهم ألف سنةٍ إلا خمسين عاماً}  لماذا فرق بين السنة والعام مع أنهما مسمى واحد؟ ولكم الشكر سلفاً وجزاكم الله خيراً.
  • أخطط لحفظ القرآن الكريم بعد شهر رمضان هذا العام، ومع هذا لا أدري إن كان هذا القرار صحيحا أم لا، لأن البعض يتحدث عن عقوبة من يحفظ القرآن الكريم ثم ينساه، ولا أعلم بما تحمله الأيام، وقد أنسى ما حفظت وأخشى أن تقع علي العقوبة، هذا هو الأمر الوحيد الذي يحول بيني وبين الحفظ، فما نصيحتكم؟
  • topic card icon
    عبد الكريم بن عبد الله الخضير
    يكثر أن نقرأ في سير بعض التابعين -رحمهم الله- أن فلانًا صُعِق لما سَمِع آية من كِتاب الله، وربما قيل: إن فلانًا الآخر توفي، وغيرها من أشباهها، فلماذا لم يُروَ عن بعض الصحابة مثل ذلك؟
  • نسمع من بعض القراء الكبار بعض الوقفات والبداءات في كلام الله تفيد معنى جديدا صحيحا، ومن أمثلة ذلك: - الوقف على قوله: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}، ثم يبدأ: {الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّـهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}‌ [غافر: ١٦]. - الوقف على قوله: {تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}، ثم يبدأ: {عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ} [القصص: ٢٥]، فصفة الاستحياء في الأول للمشي وفي الثاني للقول. - الوقف على قوله: {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ‌ قَالَ كَذَٰلِكِ}، أي: أن نعم لم يمسسك بشر، ثم يبدأ: {اللهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} أو يبدأ: {كَذَٰلِكِ اللهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} [آل عمران: ٤٧]. - الوقف على قوله: {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَ‌اهَا}، ثم يبدأ: {أَنتَ مِن ذِكْرَ‌اهَا} [النازعات: ٤٣]، أي: أنت من علاماتها. - الوقف على قوله: {أَأَنتُمْ تَزْرَ‌عُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِ‌عُونَ} ثم يبدأ: {نَحْنُ الزَّارِ‌عُونَ} [الواقعة: ٦٤]. - الوقف على قوله: {أَرَ‌اغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَ‌اهِيمُ} [مريم: ٤٦]، ثم يبدأ: {يَا إِبْرَ‌اهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ} [مريم: ٤٦]. - الوقف على قوله: {أَأَرْ‌بَابٌ مُّتَفَرِّ‌قُونَ خَيْرٌ‌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}‌، ثم يبدأ: {اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}‌ [يوسف: ٣٩]، وهكذا في آيات أخر. والسؤال يا فضيلة الشيخ: ما حكم الوقف والابتداء اللذين يفيدان معنى جديدا صحيحا سواء كان متبادرا أو غير متبادر؟ وهل يتسع الخلاف في هذا؟ وهل نقول بأن الجميع مراد لله؟ وأن الله تعالى تكلم به على هذه الصفة؟ أو يحتمل أن يكون تكلم به على هذه الصفة؟ - وهل تجوز القراءة به ولفت النظر إليه؟ - وما حكم البداءة المخلة بالإعراب، مثل الوقف على قوله: {أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: ١٨]، ثم البدء بقوله: {الظَّالِمِينَ . الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ..}؟
  • البعض يختم القرآن الكريم أكثر من مرة، ربما عشر مرات باعتبار ختمة كل ثلاث ليال، فأيهما أفضل ختمه مرة أو مرتين مع التدبر أم العبرة بالكم؟
  • فَصْـــل في السماع
  • فصل في ظن طائفة أن في الآية إشكالاً
  • فصل في أن الحسنات من فضل الله ومنه
  • ما حكم ترديد الإمام لبعض آيات الرحمة أو العذاب؟
  • topic card icon
    محمد الحسن الددو الشنقيطي
    هل الأفضل للشخص أن يختم القرآن مرتين أو ثلاثاً، أو أن يختم مرة واحدة فقط ولكنه يأخذ بعض السور ويدرس معانيها ومقاصدها في التفاسير والكتب، فيشغل بها بدلاً من تكرار الختم؟
  • topic card icon
    د.صلاح الصاوي
    بسم الله الرحمن الرحيم