الفتاوى

حكم الوقفات في كتاب الله التي تفيد معنى جديدا

السؤال

نسمع من بعض القراء الكبار بعض الوقفات والبداءات في كلام الله تفيد معنى جديدا صحيحا، ومن أمثلة ذلك: - الوقف على قوله: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}، ثم يبدأ: {الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّـهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}‌ [غافر: ١٦]. - الوقف على قوله: {تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}، ثم يبدأ: {عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ} [القصص: ٢٥]، فصفة الاستحياء في الأول للمشي وفي الثاني للقول. - الوقف على قوله: {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ‌ قَالَ كَذَٰلِكِ}، أي: أن نعم لم يمسسك بشر، ثم يبدأ: {اللهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} أو يبدأ: {كَذَٰلِكِ اللهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} [آل عمران: ٤٧]. - الوقف على قوله: {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَ‌اهَا}، ثم يبدأ: {أَنتَ مِن ذِكْرَ‌اهَا} [النازعات: ٤٣]، أي: أنت من علاماتها. - الوقف على قوله: {أَأَنتُمْ تَزْرَ‌عُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِ‌عُونَ} ثم يبدأ: {نَحْنُ الزَّارِ‌عُونَ} [الواقعة: ٦٤]. - الوقف على قوله: {أَرَ‌اغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَ‌اهِيمُ} [مريم: ٤٦]، ثم يبدأ: {يَا إِبْرَ‌اهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ} [مريم: ٤٦]. - الوقف على قوله: {أَأَرْ‌بَابٌ مُّتَفَرِّ‌قُونَ خَيْرٌ‌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}‌، ثم يبدأ: {اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}‌ [يوسف: ٣٩]، وهكذا في آيات أخر. والسؤال يا فضيلة الشيخ: ما حكم الوقف والابتداء اللذين يفيدان معنى جديدا صحيحا سواء كان متبادرا أو غير متبادر؟ وهل يتسع الخلاف في هذا؟ وهل نقول بأن الجميع مراد لله؟ وأن الله تعالى تكلم به على هذه الصفة؟ أو يحتمل أن يكون تكلم به على هذه الصفة؟ - وهل تجوز القراءة به ولفت النظر إليه؟ - وما حكم البداءة المخلة بالإعراب، مثل الوقف على قوله: {أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: ١٨]، ثم البدء بقوله: {الظَّالِمِينَ . الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ..}؟

الإجابة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن القراءة بهذه الطريقة المذكورة لا تجوز؛ والوقف والابتداء من أحكام القراءة، فيجب أن يتبع فيها ما درج عليه علماء القراءات، وما يتفق مع مقتضى اللسان العربي، وما ذكر في السؤال من الأمثلة، منه ما لا يفيد معنى جديدا، بل يخالف قاعدة اللسان العربي، ويتضمن الزيادة في القرآن.
1- فقوله تعالى: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}، الجملة استفهام، وقاعدة اللغة أنها لا تعاد جملة الاستفهام في الجواب، فإذا قال القارئ: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}، ثم قال: {الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّـهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}‌، زاد في القرآن جملة؛ مرة في السؤال ومرة في الجواب، إذ يكون التقدير: لمن الملك اليوم؟ الملك اليوم لله الواحد القهار.
2- وكذا قوله تعالى: {تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}، فإن إعادة الجار والمجرور {عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}، يتضمن أنها تمشي على استحياء، وقالت ما قالت على استحياء، وهذا معنى محدث، لم يدل عليه القرآن، ويلزم منه أن يكون المعنى: مشت على استحياء، وقالت على استحياء، والتقدير: تمشي على استجياء، على استحياء قالت.
3- وكذلك قوله تعالى عن مريم: {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ‌ قَالَ كَذَٰلِكِ}، الوقف على اسم الإشارة، ثم الابتداء بقوله: {قَالَ كَذَٰلِكِ}، يتضمن استعمال اسم الإشارة في معنيين؛ أولهما: قول مريم: {لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ‌}، وهذا معنى محدث، لم يقل به أحد من المفسرين، والمراد من اسم الإشارة المعنى الثاني، وهو الإشارة إلى خلق المسيح.
4- وقوله تعالى: {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَ‌اهَا}، إعادة {أَنتَ مِن ذِكْرَ‌اهَا} يتضمن معنى محدثا لم يُرد من الآية، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم شخصه أو بعثته ذكرى للساعة، ويزعم من يقرأ كذلك أن معنى (ذكرى) علامة، وهذا خلاف ما يقتضيه سياق الكلام، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس في شيء من العلم بموعد الساعة.
5- قوله تعالى: {أَأَنتُمْ تَزْرَ‌عُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِ‌عُونَ}، الاستفهام في الآية للإنكار؛ فتفيد الآية نفي الزرع عن المخاطبين، وإضافته إلى الله العظيم، فالوقف على الضمير ثم الابتداء به لا يفيد معنى جديدا، بل يؤدي إلى الزيادة في القرآن بتكرار الضمير، والتطويل المنافي للفصاحة.
6- وقوله تعالى: {قَالَ أَرَ‌اغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَ‌اهِيمُ}، الوقف على إبراهيم ثم إعادة جملة النداء يتضمن دعوى باطلة في خبر الله عن أبي إبراهيم، وهو أنه قال: {يَا إِبْرَ‌اهِيمُ} مرتين، مرة مع جملة الاستفهام الإنكاري، ومرة مع جملة التهديد، والله إنما ذكر جملة النداء مرة واحدة، كما أنه يتضمن الزيادة في القرآن، وليس فيه معنى جديد، وجملة التهديد لا تفتقر إلى إعادة جملة النداء.
7- قوله تعالى: {أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}‌ وردت الآية لبيان من هو خير، وهو الله الواحد القهار، وفي الوقت نفسه تفيد أن الله هو الواحد القهار، وإعادة الجملة يتضمن أنها جواب لاستفهام عن تعيين الواحد القهار، وهذا معنى محدث في الآية، كما يتضمن الزيادة في القرآن؛ فإن مقتضى الوقف والابتداء المذكور يجعل التقدير: {أَأَرْ‌بَابٌ مُّتَفَرِّ‌قُونَ خَيْرٌ‌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}‌، {اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}‌، والحاصل أن الحامل على هذه الطريقة هو الاستحسان، وهو أصل البدع في الدين، فالواجب ترك هذه الطريقة، ومناصحة من يقرأ بها.
8- قوله تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}، من يعيد المجرور {الظَّالِمِينَ} لا يريد أن تكون جملة مستأنفة؛ فيجب الرفع، ومعلوم أن هذا لا يجوز في الآية، وإنما يريد بناء الوصف {الَّذِينَ يَصُدُّونَ}، وكان الذي ينبغي إذا وقف اضطرارا أن يعيد حرف الجر "على"، مع أنه لا موجب لإعادة المجرور، ولا الجار والمجرور، وليس في الوقف على {الظَّالِمِينَ} إشكال، كالوقف على المصلين من قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4، 5].
والله أعلم.
decoration
آية ذات علاقة
decoration
﴿ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ ۖ لَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ۚ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾

[سورة غافر : 16]

decoration
فتاوى مشابهة
decoration
  • كيف نعمل بمقتضى اسم الله تعالى : "الأول"؟
  • أخطط لحفظ القرآن بعد شهر رمضان هذا العام ، ومع هذا لا أدري إن كان هذا القرار صحيحا أم لا ، لأن البعض يتحدث عن عقوبة من يحفظ القرآن ثم ينساه ، ولا أعلم بما تحمله الأيام ، وقد أنسى ما حفظت وأخشى أن تقع علي العقوبة ، هذا هو الأمر الوحيد الذي يحول بيني وبين الحفظ ، فما نصيحتكم ؟
  • topic card icon
    موقع الإسلام سؤال وجواب
    بالنسبة للقرآن الكريم ماذا يفعل المسلم بالقرآن الكريم ؟ هل يحفظه أم يعمل به ؟ أم يفعل كما كان الصحابة رضوان الله عليهم يفعلون بعمل بعشر آيات ويحفظها ويفهمها ثم يكمل هكذا مع باقي القرآن ؟ وإذا كان التدبر ، والعمل بعشر آيات فهمهن هو الأفضل ، وهو ما أعلم أنه الأفضل ؟ وهل هناك كتاب أو مادة للتدبر والعمل تنصحوننا به ؟ وما رأيكم بدورة الأترجة للتفسير ؟ وأيضا ما رأيكم في دورة "أساسيات تدبر القرآن الكريم " للمهندس محمد عبد الرؤوف عاشور ؟ وكذلك كتاب "القرآن تدبر وعمل ؟
  • في كل موضع من القرآن يرد فيه كلمة عن " الحج " أو " مكة " أو " الكعبة " يكون المخاطبون هم الناس ، حتى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان يقول : أيها الناس ! ما السر الذي يربط مكة بالناس ، ففي كل التكاليف والخطابات يكون المخاطبون هم المؤمنون؟
  • ما حكم ترديد الإمام لبعض آيات الرحمة أو العذاب ؟
  • topic card icon
    المكتب العلمي بموقع الإسلام اليوم
    قال تعالى: {فلبث فيهم ألف سنةٍ إلا خمسين عاماً}  لماذا فرق بين السنة والعام مع أنهما مسمى واحد؟ ولكم الشكر سلفاً وجزاكم الله خيراً.
  • أخطط لحفظ القرآن الكريم بعد شهر رمضان هذا العام، ومع هذا لا أدري إن كان هذا القرار صحيحا أم لا، لأن البعض يتحدث عن عقوبة من يحفظ القرآن الكريم ثم ينساه، ولا أعلم بما تحمله الأيام، وقد أنسى ما حفظت وأخشى أن تقع علي العقوبة، هذا هو الأمر الوحيد الذي يحول بيني وبين الحفظ، فما نصيحتكم؟
  • topic card icon
    عبد الكريم بن عبد الله الخضير
    يكثر أن نقرأ في سير بعض التابعين -رحمهم الله- أن فلانًا صُعِق لما سَمِع آية من كِتاب الله، وربما قيل: إن فلانًا الآخر توفي، وغيرها من أشباهها، فلماذا لم يُروَ عن بعض الصحابة مثل ذلك؟
  • البعض يختم القرآن الكريم أكثر من مرة، ربما عشر مرات باعتبار ختمة كل ثلاث ليال، فأيهما أفضل ختمه مرة أو مرتين مع التدبر أم العبرة بالكم؟
  • فَصْـــل في السماع
  • فصل في ظن طائفة أن في الآية إشكالاً
  • فصل في أن الحسنات من فضل الله ومنه
  • ما حكم ترديد الإمام لبعض آيات الرحمة أو العذاب؟
  • topic card icon
    محمد الحسن الددو الشنقيطي
    هل الأفضل للشخص أن يختم القرآن مرتين أو ثلاثاً، أو أن يختم مرة واحدة فقط ولكنه يأخذ بعض السور ويدرس معانيها ومقاصدها في التفاسير والكتب، فيشغل بها بدلاً من تكرار الختم؟
  • topic card icon
    د.صلاح الصاوي
    بسم الله الرحمن الرحيم