ومثل قوله: [فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ] ففي كل من كلمة (ذِكْرَ) و(رَبِّهِ) معنيان، ومثل قوله: [قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ] ففي لفظ (رب) معنيان، وقد تكثر المعاني بإنزال لفظ الآية على وجهين أو أكثر؛ تكثيراً للمعاني مع إيجاز اللفظ، وهذا من وجوه الإعجاز، ومثاله قوله _تعالى_: [إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ] بالمثناة التحتية وقرأ الحسن البصري: =أباه+ بالباء الموحدة؛ فنشأ احتمال فيمن هو الواعد. ١/٩٣_٩٤
٣_ وإنك لتمر بالآية الواحدة فتتأملها، وتتدبرها، فتنهال عليك معانٍ كثيرةً يسمح بها التركيب على اختلاف الاعتبارات في أساليب الاستعمال العربي.
وقد تتكاثر عليك فلا تَكُ من كثرتها في حصر، ولا تجعل الحمل على بعضها منافياً للحمل على البعض الآخر إن كان التركيب سمحاً بذلك. ١/٩٧
٤_ ومن أدق ذلك وأجدره بأن ننبه عليه في هذه المقدمة استعمال اللفظ المشترك في معنييه، أو معانيه دفعة، واستعمال اللفظ في معناه الحقيقي، ومعناه المجازي معاً، بَلْهَ إرادةِ المعاني المكنَّى عنها مع المعاني المصرح بها، وإرادة المعاني المسْتَتْبَعات بفتح الباء من التراكيب المستتبِعة بكسر الباء.
وهذا الأخير قد نبه عليه علماء العربية الذين اشتغلوا بعلم المعاني والبيان، وبقي المبحثان الأولان وهما: استعمال المشترك في معنييه أو معانيه، واستعمال اللفظ في حقيقته ومجازه _ محَلَّ ترددٍّ بين المتصدِّين لاستخراج معاني القرآن تفسيراً وتشريعاً، سَبَبُهُ أنه غير وارد في كلام العرب قبل القرآن، أو واقع بندرة؛ فلقد تجد بعض العلماء يدفع محملاً من محامل بعض آيات بأنه محمل يفضي إلى استعمال المشترك في معنييه، أو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، ويعدون ذلك خطباً عظيماً.


الصفحة التالية
Icon