من أجل ذلك اختلف علماء العربية، وعلماء أصول الفقه في جواز استعمال المشترك في أكثر من معنى من مدلوله اختلافاً ينبئ عن ترددهم في صحة حمل ألفاظ القرآن على هذا الاستعمال.
وقد أشار كلام بعض الأئمة إلى أن مثار اختلافهم هو عدم العهد بمثله عند العرب قبل نزول القرآن، إذ قال الغزالي وأبو الحسين البصري(١): يصح أن يراد بالمشترك عدة معان لكن بإرادة المتكلم، وليس بدلالة اللغة.
وظني بهما أنهما يريدان تصيير تلك الإرادة إلى أنها دلالة من مستتبعات التراكيب؛ لأنها دلالة عقلية لا تحتاج إلى علاقة وقرينة، كدلالة المجاز والاستعارة.
والحق أن المشترك يصحُّ إطلاقُه على عدة من معانيه جميعاً أو بعضاً إطلاقاً لغوياً، فقال قوم: هو من قبيل الحقيقة، ونسب إلى الشافعي، وأبي بكر الباقلاني، وجمهور المعتزلة.
وقال قوم: هو المجاز، وجزم ابن الحاجب بأنه مراد الباقلاني من قوله في كتاب التقريب والإرشاد: =إن المشترك لا يحمل على أكثر من معنى إلا بقرينة+.
ففهم ابن الحاجب أن القرينة من علامات المجاز، وهذا لا يستقيم؛ لأن القرينة التي هي من علامات المجاز هي القرينة المانعة من إرادة المعنى الحقيقي، وهي لا تُتَصَوَّر في موضوعنا؛ إذ معاني المشترك كلها من قبيل الحقيقة، وإلا لانتقضت حقيقة المشترك؛ فارتفع الموضوع من أصله.
وإنما سها أصحاب هذا الرأي عن الفرق بين قرينة إطلاق اللفظ على معناه المجازي، وقرينة إطلاق المشترك على عدة من معانيه؛ فإن قرينة المجاز مانعة من إرادة المعنى الحقيقي، وقرينة المشترك مُعَيِّنة للمعاني المرادة كُلاًّ أو بعضاً. ١/٩٨_٩٩

(١) _ محمد بن علي البصري الشافعي المعتزلي، المتوفى سنة ٤٣٩هـ، له كتاب (المعتمد في أصول الفقه).


الصفحة التالية
Icon