أقدمت على هذا المهم(١) إقدام الشجاع، على وادي السباع(٢) متوسطاً في معترك أنظار الناظرين، وزائر(٣) بين ضباح الزائرين(٤) فجعلت حقاً علي أن أبدي في تفسير القرآن نُكَتاً لم أَرَ مَنْ سبقني إليها، وأن أقف موقف الحكم بين طوائف المفسرين تارةً لها وآونةً عليها؛ فإن الاقتصار على الحديث المعاد تعطيل لفيض القرآن الذي ما له من نفاد.
ولقد رأيت الناس حول كلام الأقدمين أحدَ رجلين: رجلٍ معتكفٍ فيما شاده الأقدمون، وآخرَ آخذٍ بمعوله في هدم ما مضت عليه القرون، وفي كلتا الحالتين ضرٌّ كثير، وهنالك حالة أخرى ينجبر بها الجناح الكسير، وهي أن نعمد إلى ما أشاده الأقدمون فنهذبه ونزيده، وحاشا أن ننقضه أو نبيده، عالماً بأن غمض فضلهم كفران للنعمة، وجحد مزايا سلفها ليس من حميد خصال الأمة، فالحمد لله الذي صدق الأمل، ويسر إلى هذا الخير ودل.(٥)
والتفاسير _وإن كانت كثيرة_ فإنك لا تجد الكثير منها إلا عالة على كلام سابق؛ بحيث لاحظّ لمؤلفه إلا الجمع على تفاوت بين اختصار وتطويل.
(٢) _ وادي السباع موضع بين مكة والبصرة، وهو واد قفر من السكان تكثر به السباع قال سحيم ابن وثيل الرياحي:
مررتُ على وادي السباع ولا أَرى | كوادي السباع حين يُظْلَمُ وَاديا |
أَقلَّ به ركبٌ أَتَوْهُ تَئِيَّةً | وأخوفَ إلاَّ ما وقَى اللهُ ساريا |
(٤) _ الزائرين هنا اسم فاعل من زأر بهمزة بعد الزاي، وهو الذي مصدره الزئير، وهو صوت الأسد قال عنترة:
حَلَّتْ بأرض الزائرِينَ فأصبحتْ | عَسِراً عليَّ طِلاَبُكِ ابنةَ مَخْرَمِ |