الحمد لله على أن بيَّن للمستهدين معالم مراده، ونصب لجحافل المستفتحين أعلام أمداده فأنزل القرآن قانوناً عاماً معصوماً، وأعجز بعجائبه فظهرت يوماً فيوماً، وجعله مصدقاً لما بين يديه ومهيمناً، وما فرط فيه من شيء يعظ مسيئاً ويَعِدُ محسناً؛ حتى عرفه المنصفون من مؤمن وجاحد، وشهد له الراغب والمحتار والحاسد؛ فكان الحال بتصديقه أنطقَ من اللسان، وبرهان العقل فيه أبصر من شاهد العيان، وأبرز آياته في الآفاق فتبين للمؤمنين أنه الحق، كما أنزله على أفضل رسول فبشر بأن لهم قدم صدق؛ فبه أصبح الرسول الأمي سيدَ الحكماء المربين، وبه شرح صدره إذ قال: [إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ] فلم يزل كتابه مُشِعَّاً نيِّراً، محفوظاً من لدنه أن يترك فيكون مبدلاً ومغيراً.
ثم قيض لتبيينه أصحابَه الأشداءَ الرحماءَ، وأبان أسراره من بعدهم في الأمة من العلماء؛ فصلاة الله وسلامه على رسوله وآله الطاهرين، وعلى أصحابه نجوم الاقتداء للسائرين والماخرين(١) أما بعد:
= وفريق ماخرون أي سائرون في الفلك المواخر في البحر، وتضمن ذلك تشبيه عملهم في الإهداء وهو الخوض في العلوم بالمخر في البحر. ومن ذلك الإشارة إلى أن العلم كالبحر _كما هو شائع_ وأن السنة كالسبيل المُبَلِّغ للمقصود.