فقد كان أكبر أمنيتي منذ أمد بعيد تفسير الكتاب المجيد، الجامع لمصالح الدنيا والدين، ومُوْثِقِ شديد العرى من الحق المتين، والحاوي لكليات العلوم ومعاقد استنباطها، والآخذِ قوس البلاغة من محل نياطها؛ طمعاً في بيان نُكَتٍ من العلم وكلياتٍ من التشريع، وتفاصيلَ من مكارم الأخلاق، كان يلوح أنموذج من جميعها في خلال تدبره، أو مطالعة كلام مفسِّرِه(١).
ولكني كنت على كلفي بذلك أَتَجَّهم التقَحُّم على هذا المجال، وأحجم عن الزجّ بِسيَةِ قوسي في هذا النضال؛ اتقاءَ ما عسى أن يعرَِّض له المرءُ نفسه من متاعب تنوء بالقوة، أو فلتاتِ سهامِ الفهم وإن بلغ ساعدُ الذهن كمالَ الفُتُوَّة؛ فبقِيتُ أسوّف النفس مرة ومرة أسومها زَجراً، فإن رأيتُ منها تصميماً أحَلْتُها على فرصة أخرى، وأنا آمل أن يُمْنَح من التيسير ما يشجّع على قصد هذا الغرض العسير.
وفيما أنا بين إقدام وإحجام، أتخيل هذا الحَقل مَرَةً القتاد وأخرى الثُّمام(٢)
(٢) _ قوله: =القتاد+: يشير به إلى الصعوبة؛ لأن القتاد هو الشوك؛ ولهذا يقال لما عَزَّ وصعب وعسر: دونه خرط القتاد.
وقوله: =الثُّمام+: هو نبت قريب سهل التناول؛ لأنه لا يطول؛ فصار يضرب به المثل لما قرب وسهل تناوله.(م)