" صفحة رقم ٣٤٦ "
للتعظيم، أي من شؤون عظيمة، أي شأن الأمة وما به قوام نظامها إذْ لم يترك موسى والأنبياء من بعده شيئاً مُهماً من مصالحهم إلا وقد وضحوه وبينوه وحذروا من الالتباس فيه.
و ) مِن ( في قوله ) من الأمر ( بمعنى ( في ) الظرفيّة فيحصل من هذا أن معنى ) وءاتيناهم بينات من الأمر ( : علمناهم حججاً وعلوماً في أمر دينهم ونظامهم بحيث يكونون على بصيرة في تدبير مجتمعهم وعلى سلامة من مخاطر الخطإ والخطل. وفُرع على ذلك قولُه ) فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم ( تفريعَ إدماج لمناسبته للحالة التي أريد تنظيرها. وتقدير الكلام : فاختلفوا وما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم، فحذف المفرَّع لدلالة ما بعده عليه على طريقة الإيجاز إذ المقصود هو التعجيب من حالهم كيف اختلفوا حينَ لا مظنة للاختلاف إذ كان الاختلاف بينهم بعدما جاءهم العلم المعهود بالذكر آنفاً من الكتاب والحُكم والنبوءة والبينات من الأمر، ولو اختلفوا قبل ذلك لكان لهم عذر في الاختلاف وهذا كقوله تعالى :( وأضلّه الله على علم ( ( الجاثية : ٢٣ ). وهذا الكلام كناية عن عدم التعجيب من اختلاف المشركين مع المؤمنين حيث أن المشركين ليسوا على علم ولا هدى ليعلم رسول الله ( ﷺ ) أنه ملطوف به في رسالته.
والبغي : الظلم. والمراد : أن اختلافهم عن عمد ومكابرة بعضهم لبعض وليس عن غفلة أو تأويل، وهذا الظلم هو ظلم الحسد فإن الحسد من أعظم الظلم، أي فكذلك حال نظرائهم من المشركين ما اختلفوا على النبي ( ﷺ ) إلا بغياً منهم عليه مع علمهم بصدقه بدلالة إعجاز القرآن لفظاً ومعاني.
وانتصب ) بغياً ( إمّا على المفعول لأجله، وإمّا على الحال بتأويل المصدر باسم الفاعل، وعلى كلا الوجهين فالعامل فيه فعل ) اختلفوا (، وإن كان منفياً في اللفظ لأن الاستثناء أبطل النفي إذ ما أريد إلا نفي أن يكون الاختلاف في وقت


الصفحة التالية
Icon