وقوله تعالى :﴿هذا ما توعدون﴾ الإشارة إلى مقعد صدق، ولو كان إلى الجنة لقال " هذه ". قال القشيري. ثم وصف أهل هذا المقام بقوله :﴿لكل أواب حفيظ﴾ أي : راجع إلى الله في جميع أموره، لا يعرف غيره، ولا يلتجئ إلا إليه، حفيظ لأنفاسه مع الله، لا يصرفها إلا في طلب الله، مَنْ خَشِيَ الرحمنَ بالغيب، أي : بنور الغيب يشاهد شواهد الحق، فيخشى بُعده أو حجبه. قال القشيري : والخشية تكون مقرونة بالأُنس، ولذلك لم يقل : مَن خشي الجبار. ثم قال : والخشية من الرحمن خشية الفراق، ويقال : هو مقتضى علمه بأنه يفعل ما يشاء، لا يُسأل عما يفعل، ويقال : الخشية ألطف من الخوف، فكأنها قريبة من الهيبة. هـ ﴿وجاء بقلب منيب﴾ مقبل على الله بكليته، معرض عما سواه،
١٩٤
﴿ادخلوها﴾ جنة المعارف ﴿بسلام﴾ من العيوب، آمنين من السلب والرجوع، وهذا قوله ﴿ذلك يوم الخلود﴾ فيها، لهم ما يشاؤون من فنون المكاشفات، ولذيذ المشاهدات، ولدينا مزيد، زيادة ترقي أبداً سرمداً، جعلنا الله من هذا القبيل في الرعيل الأول، آمين.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٩٢
يقول الحق جلّ جلاله :﴿وكم أهلكنا قبلهم﴾ قبل قومك ﴿من قَرْنٍ﴾ من القرون الذين كذَّبوا رسلهم ﴿هم أشدُّ منهم﴾ من قومك ﴿بطشاً﴾ قوة وسطوة، ﴿فنَقَّبوا في البلاد﴾ أي : خرّبوا وطافوا وتصرّفوا في أقطارها، وجالوا في أكناف الأرض كل مجال حذرا من الموت ﴿هل﴾ وجدوا ﴿من مَحيص﴾ أي : مهرب منها ؟ بل لَحِقَتهم ودقت أعناقهم، أو : هل وجدوا من مهرب من أمر الله وقضائه ؟ وأصل التنقيب والنقب : البحث والطلب، قال امرؤ القيس :
لقد نَقَّبْتُ في الآفاقِ حَتَّى
رَضِيتُ من الغَنِيمَةِ بالإِيابِ