قلت: أجل، ولكن الضلال بعده أظهر وأعظم، لأنّ الكفر إنما عظم قبحه لعظم النعمة المكفورة، فإذا زادت النعمة زاد قبح الكفر وتمادى (لَعَنَّاهُمْ): طردناهم وأخرجناهم من رحمتنا. وقيل: مسخناهم. وقيل: ضربنا عليهم الجزية.
(وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً): خذلناهم ومنعناهم الألطاف حتى قست قلوبهم. أو أملينا لهم ولم نعاجلهم بالعقوبة حتى قست. وقرأ عبد اللَّه: (قسية) أي: ردية مغشوشة، من قولهم: درهم قسىّ وهو من القسوة لأنّ الذهب والفضة الخالصين فيهما لين والمغشوش فيه يبس وصلابة، والقاسي والقاسح - بالحاء - أخوان في الدلالة على اليبس والصلابة وقرئ: (قسية) بكسر القاف للإتباع.
(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ): بيان لقسوة قلوبهم؛ لأنه لا قسوة أشدّ من الافتراء على اللَّه وتغيير وحيه. (وَنَسُوا حَظًّا): وتركوا نصيباً جزيلاً وقسطاً وافياً (مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ): من التوراة؛ يعني: أن تركهم وإعراضهم عن التوراة إغفال حظ عظيم، أو قست قلوبهم وفسدت فحرّفوا التوراة،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أجل، ولكن الضلال بعده أظهر) اعتزال خفي، لأنه مبني على قاعدة الحسن والقبح العقلي.
قوله: (وقرأ عبد الله: "قسية") بتشديد الياء من غير ألف، وكذا حمزة والكسائي، والباقون: بتخفيفها وبالألف.
قوله: (أوقست قلوبهم وفسدت فحرفوا) عطف على قوله: " ﴿يُحَرِّفُونَ﴾: بيان لقسوة قلوبهم"، وقوله: "لأنه لا قسوة أشد من الافتراء على الله تعالى" تعليل لاتحاد معنى البيان والمبين، لأن معنى قولهم: قلوبهم قاسية، فيه نوع خفاء من حيث إن من قسا قلبه فعل أفعال أهل العناد، فأزال بقوله: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ﴾ الإبهام، نحوه قوله: " {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا


الصفحة التالية
Icon