(بَعْدَ ذلِكَ): بعد ذلك الشرط المؤكد المعلق بالوعد العظيم. فإن قلت: من كفر قبل ذلك أيضا فقد ضلّ سواء السبيل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (بعد ذلك الشرط المؤكد المعلق بالوعد العظيم) قيل: ينهي من ظن أن المراد بالوعد هاهنا الوعيد، لأن الشرط ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلاةَ﴾ إلى قوله: ﴿قَرْضاً حَسَناً﴾، والوعد ﴿لأكَفِّرَنَّ﴾ إلى آخره، وانظر إليهم كم خبطوا في الحواشي؟ وكادوا يُضلون كثيراً بعد أن ضلوا، لولا أن الله تعالى أعطى القوس باريها!
وقلت: لو أريد هذا المعنى لقيل: "بعد ذلك الشرط المعلق به الوعد العظيم"، كما قال القاضي، لأنه لا يقال: الشرط معلق بالجزاء معلق بالشرط، والحق أن الوعد العظيم هو قوله تعالى: ﴿إِنِّي مَعَكُمْ﴾، وأي وعد أعظم من ذلك؟ لأنه مشتمل على جميع ما يصح فيه الوعد من النصرة، وتكفير الذنوب، وإدخال الجنة، والغفران والرضوان، والرؤية وغيرها، وتعلق الشرط به، وهو قوله تعالى: ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمْ﴾ إلى آخره، من حيث المعنى، كما تقول لصاحبك: أنا معنى في حقك جداً إن خدمتني لم أضيع سعيك، أفعل بك وأصنع بك وكيت وكيت، فالشرط مع الجزاء مقرر لمعنى الجملة الأولى، وحاصل معنى قوله: "الشرط المعلق بالوعد" يعود إلى الشرط المتعلق بالوعد، لأن المعنى الصحيح: ومن كفر بعد ذلك الميثاق، وذلك البعث، وقول الله تعالى: ﴿إِنِّي مَعَكُمْ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾؛ لأن قوله: ﴿وَقَالَ اللَّهُ﴾ عطف على ﴿أَخَذْ﴾ على سبيل البيان والتوضيح؛ لأنه مشتمل على الشرط، وهو قوله: ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلاةَ﴾ إلى آخره، وقد سبق في البقرة أن العهد: الموثق، وعهد إليه: إذا وصاه به، واستعهد منه: إذا اشترط عليه. وكرر فيه اسمه الجامع لمزيد التوكيد والتقرير، وأن وعداً وعده الله عز وجل لا خلاف فيه البتة، وأن من نقض ذلك العهد فقد ضل ضلالاً بعيداً.