وقيل: معناه: ولقد أخذنا ميثاقهم بالإيمان والتوحيد وبعثنا منهم اثني عشر ملكاً يقيمون فيهم العدل ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر. واللام في (لَئِنْ أَقَمْتُمُ) موطئة للقسم، وفي (لَأُكَفِّرَنَّ) جواب له، وهذا الجواب سادّ مسدّ جواب القسم والشرط جميعاً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقيل: معناه: ولقد أخذنا ميثاقهم) عطف على قوله: "لما استقر بنو إسرائيل بمصر بعد هلاك فرعون". اعلم أن أخذ الميثاق هاهنا يحتمل معنيين، أحدهما: ميثاق الأمر بالجهاد والتأكيد فيه، فالنقباء على هذا نُقباء العسكر وعُرفاؤه، والمناسب أن تفسر ﴿إِنِّي مَعَكُمْ﴾ بقوله: "أي: ناصركم ومعينكم" و"عزرتموهم" بقوله: "منعتموهم ونصرتموهم"، وثانيهما: يحتمل العهد بالإيمان وتوثيق أمر التوحيد، فالنقيب على هذا: معلم الخير، والحاكم العدل، والمناسب بقوله: ﴿إِنِّي مَعَكُمْ﴾ أن يقال: إني أوفقكم على الخير، وبقوله: عزرتموهم: وقرتموهم، كقوله تعالى: ﴿وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ﴾ [الفتح: ٩].
فإن قلت: الإيمان بالرسل مقدم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فلم أخر ذكره في قوله تعالى: ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ﴾ الآية؟ قلت: هذه الجملة، اعني قوله: ﴿وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ كناية إيمائية عن المجاهدة ونصرة دين الله ورسله والإنفاق في سبيله، كأنه قيل: لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وجاهدتم في سبيل الله. يدل عليه قوله: ﴿وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ [المائدة: ٢١]، قال: أي: "لا ترتدوا على أدباركم في دينكم لمخالفتكم أمر ربكم وعصيانكم نبيكم"، وإنما وقع الاهتمام بشأن هذه القرينة دون الأوليين وأبرزت في معرض الكناية لأن القوم كانوا يتقاعدون عن القتال ويقولون لموسى عليه الصلاة والسلام: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ [المائدة: ٢٤]، وينصر هذا حمل النقباء على نُقباء العسكر.