كأنه قيل: ولا يحملنكم. ويجوز أن يكون قوله: (أَنْ تَعْتَدُوا) بمعنى على أن تعتدوا، فحذف مع أن ونحوه قوله صلى الله عليه وسلم: «من اتبع على مليءٍ فليتبع»؛ لأنه بمعنى: أحيل.
وقرئ (شَنَآنُ) بالسكون. ونظيره في المصادر (ليان)، والمعنى: لا يحملنكم بغضكم للمشركين على أن تتركوا العدل،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ويجوز أن يكون قوله: ﴿أَنْ تَعْتَدُوا﴾ بمعنى: على أن تعتدوا) يريد أن قوله: ﴿لا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ لما عُدي هاهنا بـ "على" على تضمين "لا يحملنكم" يجوز أن يُعدى أيضاً في أول السورة عند قوله: ﴿لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا﴾ [المائدة: ٢] بالتضمين وتقدير "على" لاستوائهما في تأدية المعنى، وكان مفعولاً ثانياً فيما سبق.
قوله: (من أُتبع على ماليء فليتبع) أي: عدى "أتبع" بـ "على" لما تضمن معنى "أحيل"، وألا فالقياس "أتبع مليا" كقوله تعالى: ﴿فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ﴾ [الشعراء: ٦٠].
النهاية: في حديث الحوالة: "إذا أتبع أحدكم على مليء فيتبع"، أي: إذا أحيل على قادر فليحتل، قال الخطابي: أصحاب الحديث يروونه "اتبع" بتشديد التاء، وصوابه بسكون التاء بوزن: "أكرم"، وليس هذا أمراً على الوجوب، وإنما هو على الرفق والأدب.
قوله: (ونظيره في المصادر: ليان): والليان بالفتح: المصدر من اللين، نقول: هو في ليان من العيش، أي: في نعيم. الجوهري: ولواه بدينه لياً ولياناً، أي: مطله.
قوله: (لا يحملنكم بغضكم للمشركين) وذلك أن الله تعالى لما فتح مكة أمر المسلمين بان لا يكافئوا كفار مكة بما سلف منهم، وأن يعدلوا في القول والفعل والحكم.


الصفحة التالية
Icon