وعن علي رضي اللَّه عنه: أنه أشرف على فتية من قريشٍ، فرأى في وضوئهم تجوزاً، فقال: ويل للأعقاب من النار، فلما سمعوا جعلوا يغسلونها غسلاً، ويدلكونها دلكاً. وعن ابن عمر: كنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فتوضأ قوم وأعقابهم بيض تلوح، فقال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إرادة كونه مغسولاً، من باب الاستغناء بأحد الفعلين عن الآخر، والعرب إذا اجتمع فعلان متقاربان في المعنى ولكل واحد متعلق جوزت ذكر أحد الفعلين وعطفت متعلق المحذوف على المذكور حسب ما يقتضيه لفظه، حتى كأنه شريكه في أصل الفعل، كقوله: علفتها تبناً وماء بارداً. وقلت: هذا الوجه والعطف على الجوار متقاربان في المعنى، لان صاحب المعاني إذا سئل عن فائدة إضمار قوله: حاملاً والاكتفاء بقوله: متقلداً دون العكس لابد أن يزيد على فائدة الإيجاز بأن يقول: إن الرمح صار في عدم الكلفة في حمله بمنزلة السيف، لا سيما إذا ورد مثل هذا التركيب في كلام الحكيم سبحانه وتعالى، وهنا سر أدق منه، وذلك أنه تعالى لما بين حد الأيدي راعى المطابقة بين الأيدي والمرافق بالجمع، وحين بين حد الأرجل وضع التثنية موضع الجمع، وأنت قد عرفت أن البلغاء إنما يعدلون عن مقتضى الظاهر إلى خلافه لنكتة، والنكتة هاهنا: أنه تعالى لما قرن الرجل مع الرأس الممسوح واهتم بشأنه، أخرجه بهذا المخرج لئلا يتوهم متوهم أن حكمه حكم الممسوح بخلاف المرفقين، كأنه قيل: يا أمة محمد، اغسلوا أيديكم إلى المرافق، ويعمد كل واحد منكم إلى غسل ما يشمل الكعبين من الرجل الواحدة.
قوله: (تجوزا)، النهاية: "تجوزوا في الصلاة": خففوها وأسرعوا بها، والمراد بها هنا: التخفيف في الوضوء.


الصفحة التالية
Icon