البحر المحيط، ج ٩، ص : ٣٧٦
لا يمكن أن يجتمعا، قال : فلا يصح أن يكون بدلا من الأخير، يعني لذلك التغاير من كون هذا ظرف حال وهذا ظرف مضى. قال : ولكن تكون إذ متعلقة بما دل عليه المعنى، كأنه قال : ولن ينفعكم اجتماعكم، ثم قال : وفاعل ينفعكم الاشتراك. وقيل : الفاعل محذوف تقديره ظلمكم، أو جحدكم، وهو العامل في إذ، لا ضمير الفاعل لما ذكر تعالى حال الكفار وما يقال لهم. وكانت قريش تسمع ذلك، فلا تزداد إلا عتوا واعتراضا، وكان هو، صلى اللّه عليه وسلم، يجتهد في تحصيل الإيمان لهم. خاطبه تعالى تسلية له باستفهام تعجيب، أي أن هؤلاء صم، فلا يمكنك إسماعهم، عمي حيارى، فلا يمكنك أن تهديهم، وإنما ذلك راجع إليه تعالى. ولما كانت حواسهم لن ينتفعوا بها الانتفاع الذي يجري خلاصهم من عذاب اللّه، جعلوا صما عميا حيارى، ويريد بهم قريشا، فهم جامعو الأوصاف الثلاثة، ولذلك عاد الضمير عليهم في قوله : فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ، ولم يجر لهم ذكر إلا في قوله : أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الآية. والمعنى : أن قبضناك قبل نصرك عليهم، فإنا منهم منتقمون في الآخرة كقوله : أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ «١»، أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ من العذاب النازل بهم كيوم بدر، فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ : أي هم في قبضتنا، لا يفوتوننا، وهذا قول الجمهور. وقال الحسن وقتادة : المتوعد هم الأمة، أكرم اللّه تعالى نبيه عن أن ينتقم منهم في حياته، كما انتقم من أمم الأنبياء في حياتهم، فوقعت النقمة منهم بعد موته عليه السلام في العين الحادثة في صدر الإسلام، مع الخوارج وغيرهم. وقرىء : نرينك بالنون الخفيفة. ولما ردد تعالى بين حياته وموته صلى اللّه عليه وسلم، أمره بأن يستمسك بما أوحاه إليه. وقرأ الجمهور : أوحى مبنيا للمفعول، وبعض قراء الشام :
بإسكان الياء، والضحاك : مبنيا للفاعل، وأنه، أي وإن ما أوحينا إليك، لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ : أي شرف، حيث نزل عليهم وبلسانهم، جعل تبعا لهم. والقوم على هذا قريش ثم العرب، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي وابن زيد.
كان عليه السلام يعرض نفسه على القبائل، فإذا قالوا له : لمن يكون الأمر بعدك؟ سكت، حتى نزلت هذه الآية. فكان إذا سئل عن ذلك قال :«لقريش»
، فكانت العرب لا تقبل حتى قبلته الأنصار.
وقال الحسن : القوم هنا أمّته، والمعنى : وإنه لتذكرة وموعظة. قيل : وهذه الآية تدل على أن الإنسان يرغب في الثناء الحسن الجميل، ولو لم يكن ذلك مرغوبا فيه، ما امتن به تعالى على رسوله فقال : وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ. وقال إبراهيم عليه السلام :