البحر المحيط، ج ٩، ص : ٣٧٧
وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ «١». والذكر الجميل قائم مقام الحياة، بل هو أفضل من الحياة، لأن أثر الحياة لا يحصل إلا في الحي، وأثر الذكر الجميل يحصل في كل مكان، وفي كل زمان. انتهى. وقال ابن دريد :
وإنما المراد حديث بعده فكن حديثا حسنا لمن وعا
وقال الآخر :
إنما الدنيا محاسنها طيب ما يبقى من الخبر
وذكر أن هلاون، ملك التتر، سأل أصحابه : من الملك؟ فقالوا : أنت الذي دوخت البلاد وملكت الأرض وطاعت لك الملوك. فقال : لا الملك هذا، وكان المؤذن إذ ذاك يؤذن، هذا الذي له أزيد من ستمائة سنة، قد مات وهو يذكر على المآذن في كل يوم خمس مرات؟ يريد محمدا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ، قال الحسن عن شكر هذه النعمة. وقال مقاتل : المراد من كذب به يسأل سؤال توبيخ. وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا، قيل : هو على ظاهره، وأن جبريل عليه السلام قال له ليلة الإسراء، حين أم بالأنبياء : وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا، فلم يسألهم، إذ كان أثبت يقينا، ولم يكن في شك.
وروي ذلك عن ابن عباس، وابن جبير، والزهري، وابن زيد
، وفي الأثر أن ميكال قال لجبريل : هل سأل محمد عن ذلك؟ فقال : هو أعظم يقينا وأوثق إيمانا من أن يسأله ذلك.
وقال ابن عباس أيضا، والحسن، ومجاهد، وقتادة، والسدي، وعطاء : أراد واسأل أتباع من أرسلنا وحملة شرائعهم، إذ يستحيل سؤال الرسل أنفسهم، وليسوا مجتمعين في الدنيا.
قال الفراء : هم إنما يخبرونه عن كتب الرسل، فإذا سألهم، فكأنه سأل الرسل، والسؤال الواقع مجاز عن النظر، حيث لا يصلح لحقيقته، كثير منه مساءلة الشعراء الديار والأطلال، ومنه : سيد الأرض من شق أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك، فإنها إن لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا. فالسؤال هنا مجاز عن النظر في أديانهم : هل جاءت عبادة الأوثان قط في ملة من ملل الأنبياء؟ والذي يظهر أنه خطاب للسامع الذي يريد أن يفحص عن الديانات، فقيل له : اسأل أيها الناظر أتباع الرسل، أجاءت رسلهم بعبادة غير اللّه؟ فإنهم يخبرونك أن ذلك لم يقع، ولا يمكن أن يأتوا به. وأبعد من ذهب إلى أن المعنى :
واسألني، واسألنا عن من أرسلنا، وعلق واسأل، فارتفع من، وهو اسم استفهام على